العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة صـيــد الشبـكـــة

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة فى كتاب إرشاد الأخيار إلى منهجية تلقي الأخبار (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الميسر والقمار فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال لغز زانا الأم الوحشية لأبخازيا (آخر رد :رضا البطاوى)       :: Can queen of England? (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: المعية الإلهية فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نقد رسالة في جواب شريف بن الطاهر عن عصمة المعصوم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: عمليات مجاهدي المقاومة العراقية (آخر رد :اقبـال)       :: نظرات فى مقال أسرار وخفايا رموز العالم القديم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال آثار غامضة ... هل هي أكاذيب أم بقايا حضارات منسية؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: خرافة وهم سبق الرؤية .. ديجا فو (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 14-01-2011, 05:52 PM   #1
صورية
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2011
المشاركات: 88
إفتراضي

جزاك الله خيرا....على الموضوع المميز
صورية غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 18-01-2011, 10:52 AM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

أشكركم على مروركم الكريم
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 18-01-2011, 11:07 AM   #3
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفصل الثالث: الوحدة


لكلِّ أمَّة، في أيّ مرحلةٍ من تاريخها، قضية كبيرة في الأهمية يتجه اهتمامها إليها وتتطلع إلى تحقيق الهدف المتَّصل بها. وتكون أهميتُها عادةً حصيلةَ مشاعر الناس وتفكير النخب وإيحاء الظروف المحيطة. ولقد كانت قضية الأمة العربية، منذ ميلاد الوعي القومي المشتبك مع حركة التتريك وإلى حدّ الآن، هي تحقيق هدف التوحيد القومي.

وبعد مرور عقود على ظهور المشروع القومي – الذي كرَّسها قضيةً رئيسَة – طرأت على الأوضاع في الوطن العربي وفي العالم تحوُّلاتٍ كبيرةً كان من الطبيعي أن تُلْقِيَ بتأثيراتها الكبيرة على القضية هذه: فَهْماً لها وطرائقَ ومناهجَ وأساليبَ في العمل من أجلها. وهي التحولات التي تفرض الحاجة إلى إعادة وعي مسألة الوحدة في ضوء معطياتها وتحدياتها، واشتقاق الصيغ والأساليب المناسبة لتحقيقها.

فلقد نجحت القوى الاستعمارية في تكريس التجزئة، ونجحت معها القوى المحافظة – الموجودة على رأس السلطة في الدولة القطرية – في تنمية هذه الدولة وتقويتها وترسيخها في مرحلةٍ أولى، ثم أدى أداؤها وتبعيتها ومصالحها إلى إضعافها وتعريضها للتفتيت في مرحلةٍ ثانية. وأتى ذلك كلُّه مترافقاً مع تدخُّلٍ خارجيّ معادٍ لمشروع التوحيد القومي، ومع تكريسٍ للمشروع الصهيوني في قلب الوطن العربي. ولم تستطع جامعة الدول العربية أن تخترق السقفَ السياسيَّ الذي رسمتْهُ لها السياساتُ العربية المحكومة بخلفياتها المحلية، ولا أن تُطْلق آلياتٍ توحيديةً تتخطى عقبة السيادة والأمن في حدودهما القطرية إلى توليد فضاءٍ قوميٍّ أرحب للعلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية. كما لم تنجح تجربة الوحدة المصرية – السورية في البقاء طويلاً إلى الحدّ الذي تطلق فيه آليات للتوحيد في مجمل أقاليم الوطن العربي. وأعقبتها محاولات أخرى فاشلة للوحدة بين بلديْن أو أكثر لم تكن مزوَّدة برؤية قومية أو إرادة سياسية. ثم بَدَا كما لو أن الميْل الوحدوي بدأ يتجه نحو صيغة التجمعات الإقليمية الفرعية، بدل الفضاء العربي الجامع، قبل أن يعلن ذلك الميْل عن حدوده المتواضعة وخاصة في أعقاب أزمة الخليج وحربه (1990 – 1991).

ولقد كان يمكن أن تتحول التجمعات الفرعية العربية الثلاثة ("مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، و"مجلس التعاون العربي"، و"اتحاد المغرب العربي") إلى نواة كبيرة لعملية التوحيد القومي لو قامت على أمرها نخب سياسية مؤمنة بفكرة الوحدة – مثلما كان يمكنها أن تتحول إلى أطر للتعاون والتكامل الاقتصادي والتجاري والمالي تسهّل سيرورة الاندماج أو الاعتماد المتبادل، والواقع أن العلاقات البنيوية داخل هذه التجمعات لم تكن تمثل حالة أرقى من مثيلتها على صعيد النظام العربي ككل، ناهيك عن أن أحدها كان منغلقاً على أعضائه فيما كان تجمع ثانٍ منفتحاً على العضوية من خارج النظام العربي بما يقضي على فكرة أن يكون آلية للتوحيد القومي الشامل، وعموماً فقد انتهت إلى الإخفاق عند أول امتحان سياسي ("مجلس التعاون العربي"، "اتحاد المغرب العربي") فيما يُخشى أن يُمْعن "مجلس التعاون الخليجي" في انكفائه الإقليمي أكثر فأكثر.

وإذ نجحت تجاربُ في توحيد الكيان الوطني في دولة، على نحو ما حصل في المملكة العربية السعودية وليبيا والإمارات العربية المتحدة واليمن، فقد تعرَّضت بلدان عربية أخرى لخطر التمزيق الكياني وبرزت فيها حركات انفصالية أو مشاريع فيدرالية وتقسيم هددتْ وحدتَها الكيانية (لبنان، المغرب، السودان، العراق، الصومال، اليمن). ولم تلبث محاولات الانقضاض على النظام الإقليميِّ العربيِّ أن أخذت جرعةً أعلى، في سياق زحف حركة العولمة، فأطلَّت بصيغ مختلفة مثل "النظام الشرق أوسطي"، و"النظام المتوسطي"، واتفاقات الشراكة العربية – الأوروبية أو مناطق التجارة الحُرّة مع الولايات المتحدة...، هادفة إلى فك الرابطة القومية والإقليمية بين البلدان العربية، وإعادة ربط هذه بمراكز إقليمية أو خارجية وتزوير هويتها.

وثمة جدل حول ما إذا كان زحف العولمةِ حَمَل معه تحدياتٍ قد تكونُ دافعةً نحو أشكالٍ جديدةٍ من الممانعة والتوحيد في مناطقَ مختلفةٍ من العالم، وخاصة في المراكز الصناعية والرأسمالية المتقدمة. فقد وُلِدَ في أحشائه "الاتحاد الأوروبي"، الذي أخذ في التوسع شرقاً، ونشأت بالتوازي معه تجمعات إقليمية ضخمة مثل اتفاقية التجارة الحرة لشمال أمريكا "النافتا" ومجموعة دول جنوب شرق آسيا "الآسيان". ولم تلبث أمريكا اللاتينية أن شهدت أشكالاً من هذه الدينامية التوحيدية بين مجتمعاتها. وهو ما قد يرتب اعتقاداً بأن العولمة إذ تطيحُ بحصون الأوطان والحدود وسياداتها، وتميل إلى استلحاق الهوامش بالمراكز، تفتح الباب – في الوقت نفسه – أمام خيار التجمُّع والتوحيد بحسبانه الخيار الوحيد الذي تبقَّى في حوزة الدول والمجتمعات لكفّ الآثار السلبية للعولمة وتأهيل نفسها للبقاء وللمنافسة. ومع ذلك فإن حصيلة السعي لتجسيد هذا الخيار على الصعيد العالمي تبدو محدودة وهو ما يشير إلى الصعوبات التي تكتنف هذه العملية ناهيك عن السياق العربي الذي تنشط فيه قوى الهيمنة العالمية سعياً إلى تمزيق النظام العربي أو إلحاقه بأطر أوسع غير عربية.

إن حقائق التراكم الذي حققه النضال من أجل الوحدة، وتجارب الإخفاق أو الانتكاس التي تعرَّض لها، والتحديات الكونية الجديدة التي تفرض نفسها عليه، تؤسّس الحاجة مجدَّداً إلى إعادة صوغ مطلب الوحدة في ضوء دروس الماضي ومتطلبات المستقبل، وذلك من خلال تجاوز الأسباب الذاتية التي أعاقت بناء المشروع القوميّ الوحدويّ على أسس صحيحة وواقعية، والاستفادة من دروسها في عملية إعادة البناء. إن المبدأ الذي يؤسّس هذه الرؤيةِ إلى مركزية الوحدة العربية في مشروع النهضة العربية هو أن لا نهضة للأمة من دون وحدتها القومية. وهو ليس مبدأً نظرياً نستفيده بعملية استنباط ذهنيّ، بقدر ما هو ترجمةٌ مادّيّةٌ – وحصيلةٌ موضوعية – للسيرورة التاريخية التي قطعتها مجتمعاتٌ وأممٌ في سبيل تحقيق نهضتها، والتي أتى إنجازُها وحداتِها القوميةَ المدخلَ إليه والرافعةَ السياسية التي عليها قام.

1- في ضرورة الوحدة العربية


ويرتبطُ بهذا المبدأ القول إن الوحدة ضرورة حيوية ووجودية للأمة العربية. وليس مصدر هذه الضرورة ما يقوم بين العرب – على اختلاف أقطارهم وطبقاتهم – من عوامل الاشتراك في اللغة والقيم الثقافية والموروث التاريخي والحضاري فحسب، بل تفرضها عليهم المصلحة المشتركة: تحديات الحاضر والمستقبل في ميادين التنمية الاقتصادية والعلمية والتقانية والأمن القومي وضرورات البقاء؛ مثلما يرتبط به القولُ إن الوحدة القومية حقٌّ شرعيٌّ ومشروع للأمة العربية لأنها تعرضت للتجزئة الاستعمارية، وجرى تقسيم وحدتها الجغرافية والبشرية بالعنف. وهي حين تناضل من أجل حقها في التوحيد القومي، فهي تفعل ذلك أُسْوَةً بغيرها من الأمم التي أنجزت وحدتها القومية. إن الوحدة العربية ليست ضرورية فقط لأننا أمة لها عوامل توحيدية من مواريث تاريخها، بل أيضاً لأننا نحتاج إليها من أجل التنمية ورفع مستوى المعيشة للمواطن، ومن أجل حماية الوطن والشعب والدفاع عن الوجود القومي والمصالح المشروعة.

وكما أن الوحدة العربية ضرورية للأسباب البديهية التي ذكرنا، فهي ضرورية لسببين لا سبيل إلى إنكار ما ينجم عن فعلهما من آثار بالغة السوء بالنسبة إلى مستقبل الوطن العربي ومصير الأمة:
أوّلهما الفشل الذريع الذي منيت به الدولة القطرية في الجواب عن معضلات التنمية والأمن والتقدم الاجتماعي. وهو فشلٌ ناجمٌ عن هشاشة تكوينها، وعن محدودية مواردها الاقتصادية وقواها البشرية، وعن انغلاقها الكيانيّ على نفسها مخافة تأثيرات علاقاتها بمحيطها العربي. فلقد باتت الدولة القطرية عَالَةً على نفسها نتيجة ما حصَّلته من نتائج، وبات خروجُها من مَحْبِسِها الذاتيّ الخانق نحو علاقةٍ أفقية عميقة بنظيراتها في الوطن العربي شرطاً لخروجها من حال الاندحار. على أن يكون واضحاً أن هذه العلاقة لن تؤتي ثمارها المرجوة ما لم تحكم "الدولة القومية" بواسطة نظام صالح.

وثانيهما الوطأة الشديدة للتحديات الجديدة التي أطلقها زحف العولمة على العالم، وفي قلبها تحدّي الإطاحة بالحدود والأوطان وإلحاق اقتصادات العالم بالمراكز الرأسمالية الغربية إلحاقَ أذْنَاب، وإفقاد تلك الاقتصادات دفاعاتها الذاتية ضد الاستباحة الخارجية أو قدراتها على المنافسة. وليس أمام الوطن العربي لكفّ آثار ذلك الزحف الجارف للعولمة سوى الوحدة أفقاً وحيداً وآليةً دفاعية للبقاء.

إذا كانت الوحدة ضرورية لكل هذه الأسباب، فإن أوّل ما يطرح نفسه على حركة النضال من أجلها أن تعيد وعيَ العلاقةِ للثنائية الأساس الحاكمة للوعي الوحدوي العربي: ثنائية القومي/القطري، بما يبدّد الكثير من التباساتها التي لم يستفد منها نضالُنا القومي.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 18-01-2011, 11:08 AM   #4
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

2- في العلاقة بين القوميّ والقطري

لقد أثبَتت التجربة التاريخية أن الدولة القطرية (أو الدولة الوطنية) لا يمكن أن تزول من الوجود لمجرَّد أن معظمها نشأ نشأة غير شرعية كحصيلةٍ لفعل التجزئة، ولا لمجرد وجود إرادة وحدوية في زوالها. ذلك أن هذه الدولة نجحت – عبر أجيال ثلاثة – في بناء بعضٍ من شرعيتها (شرعية الأمر الواقع) التي تمدها اليوم بأسباب البقاء.خاصة في ظل تأييد القوى الدولية والداخلية المتضررة من المشروع الوحدوي العربي بما في ذلك العمل على منع أية أشكال وحدوية تتعارض مع مصالح تلك القوى. مثلما أثبتت التجربة أن خوف الدولة القطرية على نفسها من الزوال بعملية توحيدٍ قوميّ لا يزيدها إلا استنهاضاً لفاعلياتها الدفاعلية والانكفائية في وجه الفكرة القومية والمشروع الوحدوي. ثم إن الفكرة القومية التقليدية عن الوحدة العربية: الذاهبة إلى استهداف الدولة القطرية والمتطلعة إلى زوالها، لم تقدم شيئاً للمشروع التوحيدي ولا فتحت أفقاً أمام تحقيقه. ولقد آن الأوان لإعادة النظر في ذلك الموقف التقليدي من الدولة القطرية على قاعدةِ الاعتراف بها والمصالحة معها ككيانٍ واقعي، والانطلاق في العمل الوحدوي منها كخامة أو كمادة وليس على أنقاضها. مثلما آن الآوان للتسليم بقاعدة جديدة في المشروع القومي التوحيدي مقتضاها أن وحدة الكيان القطري (الوطني) مدخلٌ نحو الوحدة العربية وليس العكس.

إن المبدأ الذي يؤسس هذه الرؤية إلى مسألة الوحدة هو أنه كلَّما أحرزت الدولة القطرية (الوطنية) تقدُّماً في توحيد كيانها الوطني، وفي تحقيق التنمية الاقتصادية والعلمية، وفي توزيع الثروة توزيعاً عادلاً، وفي بناء أسس حياة ديمقراطية، وفي حفظ أمنها الوطني وتنمية قدراتها الدفاعية من أجل ذلك، توافرت لمشروع الوحدة العربية مقدماته التحتية الضرورية. ويرتبط بهذا القول بأنه كلما نجحت الدولة القطرية (الوطنية) في تحقيق الاندماج الاجتماعي الداخلي بين الجماعات المختلفة المكوِّنة للكيان، انفتحت الطريق أمام تحقيق الاندماج القومي. وفي الحالين، تشكل الدولة القطرية مختبر فكرة الوحدة وعيِّنَتَها التمثيلية التي تدُلُّ عليها سلباً أو إيجاباً.

وفي هذا السياق من الواضح أن الوحدة العربية تواجه الآن واحداً من أخطر تحدياتها والمتمثل في الخطر الداهم الذي يحدق بالوحدة الوطنية أو القطرية في عديد من الأقطار العربية سواء كان ذلك بسبب هشاشة بنية الدولة والمجتمع أو التدخلات الخارجية المباشرة وغير المباشرة، ولذلك فإن النضال الوحدوي يتعين عليه في الظرف الراهن أن يعطي أولوية لتمتين الوحدة الوطنية أو القطرية في داخل كل دولة عربية دون أن يتعارض ذلك مع ضرورة التحرك السريع لدفع قضية الوحدة إلى صدارة اهتمامات الجيل العربي الراهن.

3- في المضمون الاجتماعي والديمقراطي للوحدة

لا تكون الوحدة هدفاً مطلوباً لدى الأمة إلا متى وجدت هذه مصلحتها فيها. فحين تكون الوحدة إطاراً لتحقيق السوق القومي، وتعظيم الثروة، وتحسين شروط المعيشة للمواطن، وتوفير الحقوق المدنية والسياسية وكفالتها، وتحقيق المشاركة السياسية، وتوزيع الثروة توزيعاً عادلاً بين الطبقات والفئات والمناطق، وتعزيز الأمن القومي...، تكون حينها قد قدَّمت جواباً عن معضلات المجتمع العربي، وتكرَّست هدفاً تناضل من أجله الأمة جمعاء.

وليس يعني ذلك أن الوحدة لا تقوم إلا إذا تلازمت مع الاشتراكية أو كانت ذات مضمون اشتراكيّ كما نُظِر إلى ذلك سابقاً. فالوحدة ليست مطلب الطبقات الاجتماعية الكادحة والمثقفين الثوريين فحسب، وإنما هي مطلب أغلب طبقات المجتمع. وقد تجد قوى الرأسمالية الوطنية مصلحتها فيها، بل قد تنهض بدورٍ رئيسٍ فيها على نحو ما فعلت في الأعمّ الأغلب من تجارب التوحيد القومي. كما قد تنطوي دولة الوحدة على دول ذات نظم اقتصادية–اجتماعية متباينة على مثال ما يقوم في الصين اليوم بعد استعادتها هونغ كونغ إلى الوطن الأم. ولذلك، ينبغي عدم إقامة رابطٍ تلازميّ مطلق بين الوحدة القومية كهدفٍ مشترك وجامع، وبين طبيعة النظام الاقتصادي–الاجتماعي الذي هو حصيلةُ توازنِ القوى داخل المجتمع وموضوعُ منافسةٍ سياسية وطبقية فيه، على ألا يخل هذا بأي حال باعتبارات العدالة الاجتماعية باعتبارها ركناً أصيلاً من أركان المشروع النهضوي العربي.

لكن الوحدة التي نتطلع إليها –من منظورٍ نهضوي– لا يمكن إلا أن تقترن بالديمقراطية من وجهيْن: من حيث تقوم بواسطة الرضا الشعبي ومن خلال الاختيار الحُرّ الديمقراطي (عبر الاقتراع أو الاستفتاء)، فلا تأتي بصورة فوقية أو انقلابية أو من طريق الإلحاق القسريّ؛ ثم من حيث تنطوي في تكوينها على مضمون ديمقراطيّ تَقُومُ فيه المؤسسات الدستورية المنتخبة مقام الفرد/الزعيم، ويعبّر من خلالها المواطنون عن إرادتهم بحريّة، ويشاركون في صناعة القرار وفي الرقابة على أجهزة السلطة. إن الديمقراطية هي النظام الكفيل بتحقيق مبدإ المواطنة والمساواة الكاملة في الحقوق السياسية، بما يسمح بتحقيق الاندماج الاجتماعيّ والقوميّ وتنمية ولاء المواطنين للوطن الجامع وللكيان القومي. وهي، في الوقت عينِه، النظام الذي يؤمِّن إمكانية حلٍّ قوميّ لمسائل الاندماج لدى الجماعات الإثنية في الوطن العربي داخل دولة الوحدة.

4- في نمط بناء الوحدة

تقدِّمُ تجربةُ النضال من أجل الوحدة العربية، والمحاولات التي خيضت في سبيل ذلك، والمراجعات الفكرية التي جرت في إطار الفكر القومي حول جدليات العلاقة بين الوطنيّ (القطريّ) والقوميّ، درساً سياسيّاً غنيّاً في مسألة الوحدة العربية مَفَادُه أن إطارها الكياني والدستوريّ الأنسب لن يكون صيغة الدولة القومية الاندماجية، وإنما صيغة الدولة القومية الاتحادية. إن الدولة الاندماجية قد توحي بأنها تفترض إلغاءً كاملاً للكيانات القطرية. وهذه حالة لا تبدو شروطُها ممكنةً في الأفق، وقد لا يُقَيَّض لها النجاح أو البقاء إن قامت. أما الدولة الاتحادية، فتقوم من اجتماع الكيانات العربية القائمة وتراضيها على مؤسساتٍ اتحاديةٍ مشتركة تنتقل إليها السلطة الجامعة مع استمرار سلطاتها المحلية. وفي الأحوال كافة، لا بدَّ من أن يكون الإطار الاتحادي القوميّ محلَّ تراضٍ وتوافق بين الكيانات والقوى العربية كافة.


* * *


إن الرؤية النهضوية لهدف التوحيد القومي تضعنا أمام جملةٍ من الحقائق لا سبيل إلى تجاهلها أو القفز عليها، وهي:
- إن تحقيق الوحدة العربية ليس نتيجة حتمية تصل إليها الأمة العربية تلقائيّاً. وإنما هو رهنٌ بتوافُر إرادةٍ ومشروع سياسيٍّ يعملان من أجل ذلك، ويعبئان كافة الموارد والإمكانات التي تهيئ الشروط لذلك.

- إن تحقيق الوحدة العربية مشروع طويل الأمد يجري إنجازُه بالتدرُّج: خطوة خطوة وعن طريق التراكم. ويفترض ذلك أن يقع تَنَاوُلُ مسألة التوحيد القومي على مقتضى نظرة واقعية سياسية تتسلح بفكرة الممكن دون أن تتخلى عن فكرة الواجب.

- إن كافة المداخل إلى الوحدة ممكنة: الاقتصادية والسياسية والأمنية بحسب ما تفرضه الظروف والتطورات وديناميات العلاقات العربية – العربية. لكنها، في مطلق الأحوال، تحتاج إلى مدخل تعاونيّ عربيّ بَيْنيّ يؤسّس للترابط والتداخل بين البنى الإنتاجية والاقتصادية والأمنية والسياسية العربية ويطلق ديناميات التفاعل التراكميّ بينها.

- إن النظرة الواقعية إلى الوحدة تقوم على أساس التعدد في الوسائل والأساليب. إذ لا يوجد قانون واحد لمعالجة قضية كبرى مثل التوحيد القومي. وتعدُّد الوسائل والأساليب يعني التعامل مع معطيات الواقع حالةً حالة وابتداع الوسيلة المناسبة لكل حالة من دون أفكار مسبقة أو تعصُّبٍ أو تبسيط.

- إن الوحدة هدف للأمة: بمعظم طبقاتها وفئاتها، وبمعظم أحزابها ونقاباتها وجمعياتها وتياراتها الفكرية المختلفة. وهذه جميعُها القوى المدعوة إلى النهوض بعبء النضال من أجل تحقيق هذا الهدف، وليس لفريقٍ دون آخر الحق في احتكار هذه القضية أو استبعاد غيره تحت أي عنوان سياسيّ أو ايديولوجي.

- إن تحقيق الوحدة العربية يواجه مهمَّة ملحَّة هي حلّ المعضلات الموضوعية والذاتية التي تواجه ذلك التحقيق: معضلة التباين في درجة التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بين الأقطار العربية التي ستصبح شريكاً في الوحدة؛ ومعضلة المؤسَّسيَّة الناجمة عن هشاشة فكرة المؤسسة في الوطن العربي وعن تضخم قوة الفرد على حساب المؤسسة؛ ومعضلة عدم التوازن في القوة (البشرية، الاقتصادية، العسكرية...) بين أطراف كبرى وأطراف صغرى عربية، والحاجة إلى حلّها بما يضمن حقوق كل طرف – خاصة الصغرى – في الشراكة الوحدوية؛ ومعضلة الخلاف بين الفصائل القومية وتشرذمها؛ ثم معضلة التدخل الخارجي المعيق، باستمرار، لمشروع التوحيد القومي.

- إن الاتحاد الفدرالي العربي لا يشترط انضمام جميع الأقطار العربية ابتداءً، بل يمكن أن يبدأ من اتحاد بعضها ممَّن أبدى جَهُوزيته للاتحاد أو توافرت فيه شروطه؛ على أن نجاح تجربة الاتحاد الجزئي، والفوائد المادية الناجمة عنه، سيكون – من دون شك – حافزاً للأقطار الأخرى للانضمام إليه أو محاكاته، وبقدر قوة المجموعة النواة ونجاح تجربتها الوحدوية سوف يمكن إقناع القوى الجديدة الراغبة في الانضمام إليها بتلبية المتطلبات السياسية والاقتصادية لهذا الانضمام.

وقد يصحّ أن يقال إن مشروع التوحيد القومي ممتنع عن التحقق دون أن يتوسّل بالوسائل الشعبية والديمقراطية نهجاً لتحقُّقه، وهذا صحيح ومرغوب، وإن لم يكن ذلك دائماً في حكم النواميس والقوانين التي جرت تجارب التوحيد القومي بمقتضاها في التاريخ الحديث والمعاصر. لكن الذي ليس يرقى إليه شك أن سائر الأهداف النهضوية العربية من تنمية، واستقلال، وعدالة، وأمن، وتقدّم... إلخ ممتنعة عن التحقيق، بل مستحيلة، دون توحيدٍ قوميّ.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 18-01-2011, 11:15 AM   #5
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفصل الرابع: الديمقراطية


إذا كان للمشروع النهضوي العربي الجديد ما يميزه عن سواه من مشاريع النهضة التي سبقته منذ القرن التاسع عشر، فهو في مضمونه الديمقراطي الذي يقوم عليه، أي في حسبانه الديمقراطية ركناً مكيناً من أركان النهضة ورافعةً من رافعاتها. كان يمكن القول، في ما مضى، إن النهضة تتحقق بمقدار ما ينجح مجتمعٌ أو أمةٌ في إنجاز التصنيع، ونشر التعليم، وبناء الجيش الحديث، وتعظيم الثروة. وقد يصحّ ذلك إلى حدٍّ بعيد. لكن الذي ثبت بالدليل التاريخي أن الطريق إلى ذلك كلِّه هي الديمقراطية بما هي النظامُ الذي يحرِّر مواطنيه من العبودية السياسية والخوف، ويطلق الطاقات الاجتماعية للإنتاج والإبداع والتنافس وتحقيق التراكم: الماديّ والمعنوي، ويعزز اللحمة الوطنية والقومية استناداً إلى رابطة المواطنة. وما أحوج الأمة العربية، التي يعطِّلُ الاستبدادُ طاقات أبنائها ويستبْعِدُهُم من المشاركة في صنع مصيرهم، إلى الديمقراطية وسيلةً لطلب التقدم ونظاماً لتحقيق الآمال النهضوية المعلَّقة منذ قرنين من الزمان، وذلك دون السقوط في شرك الوهم بأن الديمقراطية وحدها كفيلة بمواجهة كافة العقبات التي تعترض تجسيد المشروع النهضوي الجديد في الواقع العربي، فالديمقراطية شرط ضرورة وليس شرط كفاية.

1- في ضرورة الديمقراطية


حاجةُ الوطن العربي إلى الديمقراطية حاجةٌ حيوية لا غنًى عنها حتى تستقيم أوضاعُه وتنفتح أمامه سُبُل الخروج من أصفاد الكبت السياسي والاستبداد، ويتحَصَّل أبناؤهُ حقوقاً لهم أهدرتْها حِقَبُ القمع؛ فكيف إذا كان الهدف بناء نهضة: هذه التي لا طريق إليها سوى طريق التطور الديمقراطي. الديمقراطية – إذن – ضرورة تاريخية وسياسية بالمعاني الأربعة التالية:

أ- إنها ضرورة، ابتداءً، لكونها حقّاً عامّاً للشعب والأمة. فهي ليست ترفاً سياسيّاً يطلبه المواطنون العرب لهم، بل حاجةٌ أساسية لهم. إنها في جملة ما لهم من حقوق أُسوةً بغيرهم من شعوب الأرض. وهي حقوق ليست قابلة للحجب أو للانتقاص تحت أي عنوان آخر، والمساس بها في مقام العدوان عليها. وهي ليست مِنَّةً من حاكمٍ يقدّمها بالتقسيط، بل استحقاقٌ تفرضه المواطنةُ وعائداتُها السياسية على من يُفْتَرَض أنهم مواطنون يتمتعون بحقوق المواطنة. إنها "الضريبة السياسية" التي على الدولة أن تدفعها للمواطنين – مثل الأمن تماماً – لقاء الضرائب التي يدفعها المواطنون للدولة.

ب- وهي ضرورةٌ، ثانياً، لأنها الوسيلةُ الأمثل لإطلاق طاقات المجتمع والشعب، وتحريرها من السلبية والتواكل، والزجّ بها في معركة البناء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي. فالمجتمع العربي – كغيره من المجتمعات البشرية – لا يملك أن يكسب معركة التنمية أو يجابه تحدياتها المتلاحقة دون تسخير طاقاته البشرية كافة. ولا يكون ذلك إلا بفك قيد العبودية السياسية عنها وتحرير إرادتها المُصَادَرَة، وتمتيعها بفرص المشاركة في صنع المستقبل والمصير وطنيّاً وقوميّاً.

ج- ثم إنها ضرورةٌ – ثالثاً – لأنها القاعدة التي تُبْنَى عليها العلاقة بين الدولة والمجتمع في المجتمعات الحديثة، والتي ينبغي – بالتالي – أن تقوم عليها العلاقةُ إياها في الوطن العربي. حين لا تستقيم العلاقة بين الدولة والمجتمع، فيشعر المواطنون بأنهم محضُ رعيةٍ للسلطان، وتنشأ أسباب الاحتقان والاضطراب والحَرَاك النازع نحو العنف. وحين تقوم على قاعدة الديمقراطية، يكون المجتمع في صدارة من يحمي الدولةَ ويدافع عنها على خلفية شعوره بأنها دولته. وما أكثر التحديات التي تتعرض لها الدولة في الوطن العربي اليوم وتهدّدها في وحدتها السياسية. وما أكثر حاجة الدولة اليوم إلى شعب يحميها ويَذُودُ عن بقائها. ولو أمكن أن تنتظم العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين السلطة والشعب، على مقتضىً ديمقراطيٍّ، لأمكن تحصينُ جبهة الوطن الداخلية في وجه أي خطر خارجيّ أو داخليّ. وإن الحاجة إلى الديمقراطية علاقةً بين الدولة والمجتمع هي عينُها الحاجةُ إليها لبناء العلاقة بين الكيانات العربية صوناً لوحدتها وتعزيزاً لتماسكها الجماعي في مواجهة التحديات المشتركة.

2- الشورى والديمقراطية

مهما قيل عن أن الديمقراطية نظام سياسيّ حديث أرستْه الثورات الاجتماعية العاصفة، المتشبعة بفكر الأنوار، ضد الأنظمة الإقطاعية والملكيات المطلقة المستبدة، ورسخَّتْه الثورات الاجتماعية اللاحقة في القرنين التاسع عشر والعشرين، فإن مما لا شك فيه أن حضارتنا العربية – الإسلامية وتعاليم الدين الإسلاميِّ الحنيف زوَّدتنا بمبادئَ ترتبط في محتواها بالمبادئ عينِها التي قام عليها النظامُ الديمقراطيّ: سلطةُ الأمة ومرجعيتُها والرقابة على الحاكم. وهي التي عبَّر عنها مفهوم الشورى الإسلامي: في دلالته القرآنية وفي بعض التطبيق التاريخي، وخاصة في عهد الخلافة الراشدة.

إن مقتضى الشورى، مفهوماً، أن أَمْرَ السياسة والحكم متروك للجماعة تتوافق عليه. وتطبيقُها أن السلطة في المسلمين تقوم من خلال اختيار الحاكم، لا بالتعيين أو بالتوريث؛ وأن الاختيار يقع بمقتضى عقد (المبايعة) يشترط على الحاكم شروطاً عليه التزامُها وإلاّ انْتَقَضَت بيعتُه. كما أن الجماعة التي اختارته تملك حق الاحتساب (الرقابة) عليه، وتملك حقّ خلْعِهِ إن نقض ميثاق التولية. وأمام محاولات "الخلفاء" الالتفاف على مبدأ الشورى وإفراغه من محتواهُ القرآني، قرّر المجتهدون من فقهاء المسلمين الأقدمين ومن مفكريهم في العصر الحديث أن الشورى ذات طابع إلزاميّ لا يقبل التحلُّل منه، فهي مُلْزِمة وليست مُعْلِمَة.

وقد يقال إن الشورى لم تتسع في تطبيقها التاريخي لإمكانية مشاركة الأمة والجماعة كافة في اختيار الحاكم وممارسة الحسبة، وإنما حُصِرت في "أهل الحل والعقد"، وهو ما يخالف النظام الديمقراطي الذي يُوَفِّر حق الاختيار للعموم من خلال الانتخاب والاقتراع. غير أنه وُجد من مفكري الإسلام المحدثين، منذ القرن التاسع عشر حتى اليوم، مَنْ اعتبر "أهل الحلّّ والعقد" هم نواب الأمة في المجلس النيابي اليوم. وفي الأحوال جميعاً، من المهم الانصراف عن عقد مقارنات غير تاريخية بين شكلين من النظام السياسي، والانصراف إلى التشديد على الجامع والمُشْتَرَك بينهما وهو: سلطة الأمة على نفسها واختيارها من يحكُمها وحقها في ممارسة الاحتساب على من يقوم على أمرها.

إن من يحاول دقّ إسفين بين الديمقراطية والشورى وفك الارتباط بين معنَييْهما بدعوى الاختلاف بينهما في الفلسفة الضمنية المؤسِّسة لكلّ منهما، أو بدعوى برّانيةِ الديمقراطية عن الإسلام وتلازمها مع العلمانية، لا يخدم النضال من أجل الديمقراطية في شيء.

3- الديمقراطية نظام شاملٌ للحكم


إن الديمقراطية نظامٌ شامل للحكم لا تَقْبَلُ تجزئة عناصرها أو انتقاء بعضها دون آخر؛ ولا يوصف نظامٌ سياسيٌّ ما بأنه ديمقراطي إلا متى اجتمعت فيه المبادئ والقواعد كافة التي تقوم عليها الديمقراطية كنظامٍ سياسيّ. وثمة عناصر/مبادئ سبعة كبرى تؤسّس هذا النظام وتمنحه ماهيته:

أولها الحرية: حرية الرأي والتعبير والنشر والتنظيم...؛ أي جملة ما يجعل الأفراد مواطنين: يمارسون حقهم في مواطنتهم، من دون قيدٍ على حرياتهم إلا ما يفرضه احترامُ حريات الآخرين، ومن دون رقابةٍ على أفكارهم إلا ما كان يدعو منها إلى تهديد نظام الحريات والديمقراطية ويحرِّض على العنف السياسيّ الأهلي، ومن دون انتقاصٍ من الحق في التنظيم وتشكيل الجمعيات السياسية إلا ما كان يقوم منها على أساسٍ عرقي أو طائفي أو مذهبي أو عشائري...

وثانيها التعددية السياسية والحق في المشاركة، أي إقامة السياسة على مقتضى الحق العام أو الإقرار بأنها حق عام لطبقات المجتمع وفئاته ونخبه؛ بما يعني منع أي شكل من أشكال احتكار التمثيل السياسي من قِبَلِ حزب حاكم واحد، أو حزبٍ قائد لجبهةِ أحزابٍ "حاكمة"، وأيّ شكل من أشكال مُصَادَرَةِ الحياة السياسية وإسقاط نظام الحزبية بدعوى عدم تمزيق وحدة الشعب! ولا يكفي إقرار التعددية السياسية إن لم يُكفل حق كافة الأحزاب والمنظمات في المشاركة السياسية وفي التنافس المشروع على التمثيل السياسي وكسب الرأي العام بالوسائل الديمقراطية.

وثالثها النظام التمثيلي (المحليّ والنيابي) المشمول بالضمانات القانونية والدستورية التي تكفل:
- حرية الاقتراع لكل المواطنين البالغين حق التصويت والمسجَّلين في القوائم الانتخابية، وإحاطة العملية الانتخابية بأسباب الشفافية والنزاهة، ومنع أي شكلٍ من أشكال مصادرة الإرادة الشعبية وتزوير التمثيل إما من خلال التدخل غير المشروع للإدارة في نتائج الانتخابات وإما من خلال استعمال المال السياسي لشراء الأصوات والذمم والضمائر والتحكم في اتجاهات اختيار الناخبين.

- حق الرقابة على السلطة وممارستها من خلال وسائط الرقابة كافة: المُسَاءَلَة النيابية للسلطة التنفيذية، والرقابة على صرف المال العام، والرقابة الشعبية على إدارة السلطة.

إن النظامَ التمثيليَّ في الديمقراطيات الحديثة هو الشكل المؤسَّسيُّ للتعبير عن مبدأٍ السيادة الشعبية أو عن المبدأ القائل بأن الشعب مصدر السلطة: يمارسها عبر ممثلين ينتخبهم بحرية.

ورابعها إقامة النظام السياسي على قاعدة الفصل بين السُّلْطات واحترام استقلالية القضاء.

وخامسها التداول الديمقراطي للسلطة وإقرار مبدأ حق الأكثرية السياسية التي أفرزتها الانتخابات النزيهة في تشكيل السلطة التنفيذية وإدارتها عملاً بمبدأ أن السلطة حق عام للشعب والأمة وليست حقاً خاصّاً لحزبٍ أو فئةٍ أو أسرةٍ أو فرد.

وسادسُها، الذي تتوقف عليه سائر المبادئ المذكورة، هو النظام الدستوري الذي يمثل النظام الأساس للدولة وينظِّم سلطاتها كافة والعلاقات بين أجهزتها والحقوق المدنية والسياسية لمواطنيها. وهو النظام الذي ينبغي أن توكَلَ كتابتُه إلى هيئة تأسيسية منتخبَة ويجري إقرارُهُ بواسطة الاستفتاء الشعبيّ عليه.

وسابعها نظام اجتماعي اقتصادي عادل يتمتع فيه المواطنون بحقوق متساوية، وفرص متكافئة على النحو الذي يوفر لهم الحماية ضد انتهاك إرادتهم السياسية، وحريتهم في التعبير عن آرائهم، واختيار من يرونه الأصلح لتمثيلهم.

إن تطبيق مبدأ من هذه المبادئ دون آخر يُسْقِط عن النظام ماهيته الديمقراطية، فالديمقراطية نظام شامل وكُلٌّ لا يَقْبَل التجزئة.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 18-01-2011, 11:16 AM   #6
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

4- آليات تحقيق الديمقراطية وتعزيزها


ولتحقيق الديمقراطية، ثمة آليات من شأنها أن تهيّئ الشروط التحتية لإشاعة الثقافة والقيم الديمقراطية في المجتمع العربي، وأن تسرِّع من وتائر الضغط الشعبي في اتجاه تحقيق عملية الانتقال الديمقراطي، وأن تساهم في توحيد الجهد النضالي من أجل الديمقراطية على الصعيد القومي. ومن أهمّ هذه الآليات:
- نشر ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان وتعزيزها وطنيّاً وقوميّاً، من خلال إقرار موادها في المقررات المدرسية وفي معاهد تكوين الشرطة وأجهزة الأمن، كما من خلال تسخير وسائل الإعلام المكتوب والسمعي – البصري لهذا الغرض.

- تفعيل حركة حقوق الإنسان داخل كل بلدٍ عربي وعلى الصعيد القومي، وتوحيد جهدها النضالي وبرامج عملها على نحوٍ يتعاظم فيه تأثيرُها في مجال إنتاج رأيٍ عام ديمقراطي، وفي مجال الضغط على النخب الحاكمة من أجل إقرار حقوق الإنسان بمعاييرها الكونية واحترامها.

- إحداث آليات للعمل الديمقراطي على الصعيد القومي وإطلاق مؤسساته من قبيل إنشاء منظمة عربية لحقوق المرأة، ومنظمة عربية لحقوق الطفل، ومنظمة عربية لحماية البيئة، ولجنة حقوقية عربية موحدة لمراقبة نزاهة الانتخابات، ومجلس دستوري عربي، ومجلس أعلى للقضاة العرب، وبرلمان شعبيٍ عربي، وما شاكل ذلك من مؤسسات قومية للعمل الديمقراطي.

5- الديمقراطية كنظامٍ اجتماعي

ليست الديمقراطيةُ نظاماً سياسيّاً أو نظاماً للدولة فحسب، وإنما هي أيضاً نظامٌ اجتماعيّ أو نظام للمجتمع. ولا يكفي، من منظور المشروع النهضوي، أن ينصرف النضال من أجل الديمقراطية إلى النضال من أجل "ديمقراطية" الدولة فحسب، بل ينبغي أن ينصرف في الوقت نفسه إلى النضال من أجل "ديمقراطية" المجتمع. وقد يكون من الأولى أن يقال، في هذا الباب، إنه كلما تقدمت العلاقات الديمقراطية داخل المجتمع، تعاظمت فرص قيام النظام السياسي الديمقراطي. وفي الحديث عن الديمقراطية بوصفها نظاماً اجتماعيّاً، ينبغي التشديد على الوظائف الاجتماعية الأربع للديمقراطية.

أولها أن الديمقراطية إذْ تؤسِّس علاقة المواطنة، بوصفها علاقةً تَشُدُّ أفراد المجتمع إلى ولاءٍ عام للدولة يعلو على علاقاتهم الأهلية وولاءاتهم الفرعية، ويقيم المساواة بينهم في الحقوق والواجبات بصرف النظر عن الدين والجنس والعرق، تقدِّم – في الوقت نفسه – قاعدةً لحلّ مسألة الاندماج الاجتماعي التي تعاني منها المجتمعات العربية نتيجة هشاشةِ النسيج الاجتماعي وثِقْلِ الموروث العصبويّ والتفاوت في مستوى مشاركة الجماعات الاجتماعية في السلطة. وهكذا كلما ترسخت الديمقراطية وسادت علاقةُ المواطنة، أُعِيدَ صَوْغُ النسيج الاجتماعي على نحوٍ تتضاءل فيه الانقسامات العامودية الموروثة وتَتَّسِعُ وشائجُ الترابط والاندماج الاجتماعيَّيْن. وكلما اتسع نطاق الاندماج الاجتماعي، توطَّدت أركان الديمقراطية ورسخت علاقاتُها في الدولة والنظام السياسي.

وثانيها أن الديمقراطية السياسية لا تستقيم في الوطن العربي إلاّ متى أمكن للمرأةِ أن تَخْرُجَ من هامشيتها أو تهميشها واستبعادها لكي تشارك مشاركة فعّالة في الحياة السياسية أُسوةً بالرجل. ولا يمكن لذلك أن يتم إلا بمقاومة ثقل التقليد الذُّكوريّ في المجتمع العربي، وإقرار علاقة المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والفرص كافة دون تمييزٍ أو انتقاص. إن الديمقراطية في العلاقة بين الرجل والمرأة هي رافعة للديمقراطية في المجتمع والدولة على السواء.

وثالثُها أن الديمقراطية السياسية لا تستقيم بغير إعادة تأهيل النظام الأسري والنظام التربوي على القيم الديمقراطية بحيث تسود فيه، وينتظم بها أمْرُ العلاقة بين الآباء والأبناء، بين المُرَبِّين والمتعلمين، وبحيث تصبح الأسرة والمدرسة مؤسستيْن للتنشئة والتربية على القيم الديمقراطية من أجل خلق المواطن الديمقراطي في وطننا العربي.

أما رابعها، فهو أن إقامة النظام السياسي الديمقراطي ممتنعةٌ عن التحقُّق إن لم تكن أدواتُ النضال الديمقراطي نفسُها ديمقراطيةً. إن المبدأ القائل إنه لا ديمقراطيةَ من دون ديمقراطيين صحيح من غير شك. وعليه، إذا لم يكن في وسع المؤسسات الحزبية والنقابية والمنظمات الشعبية في الوطن العربي أن ترسيَ العلاقات الديمقراطية في عملها العام وفي أطرها التنظيمية، وأن ترسّخ القيم المؤسَّسِيَّة فيها، وتفتح مواقع المسؤولية فيها أمام مبدإ التداول، فكيف سيكون في إمكانها أن تناضل من أجل دولةٍ ديمقراطية، ومن أجل تداولٍ ديمقراطيٍّ للسلطة؟ بل أيةُ صدْقية ستبقى لمطالبها الديمقراطية أمام جمهورٍ يُعَايِِنُ غياب الديمقراطية فيها؟ إن تصحيحاً ديمقراطيّاً لأوضاع المؤسسات الشعبية في الوطن العربي، هو المدخل الذي لا مدخَلَ سواه إلى ترشيد النضال الشعبي العربي من أجل الديمقراطية.

يفترض المشروع النهضويُّ العربيُّ أن المعركة من أجل النهضة تمرُّ من بوَّابة المعركة من أجل الديمقراطية وبناء دولة الحق والقانون. لكن هذه أيضاً تتلازم في الوقت نفسه مع النضال من أجل الديمقراطية في المجتمع: في الأسرة والمدرسة والنقابة والحزب والجمعية وفي العلاقة بين الجنسيْن. أما التشديد على مبدإ التلازم بين المعركتيْن، فَمَردُّهُ إلى أن كل واحدةٍ منهما تستدعي الأخرى وتتغذى من نتائجها. أمَّا الفصل بينهما بدعوى أولوية السياسيِّ على المجتمعيِّ أو العكس، فلن تكسب منه المعركة من أجل الديمقراطية سوى تَبَعْثُر الصفوف وفقدان البوصلة التي تسترشد بها.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 18-01-2011, 11:20 AM   #7
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفصل الخامس: التنمية المستقلة


1- في ضرورة التنمية المستقلة



يعاني الوطن العربي من تخلّفٍ اقتِصادي وعلميّ حادّ نتيجة السياسات الاقتصادية المطبَّقة فيه وعلاقات التبعية التي تصادر قرار دوله. وينعكس ذلك كله على أوضاع فئات المجتمع كافة، وخاصة منها الكادحة والفقيرة التي يطحنها الفقر وتُرْهِقُها أوضاع التهميش؛ مثلما ينعكس على الاستقرار والتوازن الاجتماعيَّيْن وعلى سيادة الدولة نفسِها: التي يتزايد فقدانُها لقرارها الوطني بتزايُد فقدانها الأمن الغذائي وارتهانها لإملاءات القوى المالية والاقتصادية الدولية. والدولةُ – أيةُ دولةٍ – لا تملك أن تؤسس شرعيتَها، أو أن تَصُون هذه الشرعية، إلاّ متى أمْكَنَها إشباع حاجات مواطنيها وأوَّلها الغذاء والتعليم والصحة والمسكن؛ وثانيها حماية سيادتهم الوطنية والقومية من أي شكلٍ من أشكال الاستباحة التي تهدِّد بالنَّيْل من الاستقلال الوطني والقوميّ والاستقلالُ الاقتصاديُّ وجهٌ من وجوهه.

إن التنمية المستقلة، بهذا المعنى، حاجة حيوية اقتصادية وسياسية في الوقت نفسه بالنسبة إلى مجتمعٍ مثل المجتمع العربي يعاني من المشكلات التي ذكرنا. إنها حاجة اقتصادية للقضاء على الفقر والتهميش والبطالة والأمية، ولتوفير أجوبة مادية عن الحاجات الغذائية للمواطنين وضمان عيشٍ كريمٍ لهم. وهي حاجة سياسية لأن تحقيقها هو السبيل الأكفل لتحصين السيادة الوطنية والقومية وحماية استقلالية القرار. وعليه، لا بدَّ من إعادة تعريف معنى التنمية المستقلة في ضوء هذا التلازم بين بُعْدَيْها الاقتصادي (والعلميّ والتِّقاني استطراداً) والسياسيّ، وفي ضوء ما بات يعنيه مفهوم الاستقلالية في عصر العولمة وتشابُك المصالح.

2- في المفهوم الشامل للتنمية المستقلة

إن الاعتقاد بأن الحديث عن التنمية المستقلة في عصر العولمة يمثل ضرباً من الخلط النظري، أو نوعاً من الحَنين غير العقلاني إلى عهدٍ مضى، اعتقادٌ خاطئ. وهو ناجمٌ عن فرضيتين مغلوطتين عن التنمية المستقلة:

أولاهما ترادف معنى التنمية المستقلة مع معنى الاكتفاء الذاتي أو الانقطاع عن العالم، وهو ما لم يَقُل به أحدٌ ممن دافعوا عنها في الماضي وفي الحاضر. وثانيتُهما تذهب إلى أن إدماج الاقتصادات النامية في السوق العالمي، على النمط الطليق الذي فرضته القوى الاقتصادية المهيمنة، يمكن أن يؤدي إلى تنمية حق. وإذْ يجانب مفهوم التنمية المستقلة، من منظور المشروع النهضوي العربي، هذين الفهميْن الخاطئيْن لها، يستند إلى مبادئ خمسة ناظمة تؤسِّسُه وتُميِّزه:
المبدأ الأول والأساس الناظم لفكرة التنمية المستقلة هو تحرير القرار التنموي القطري والقومي من السيطرة الأجنبية، دون أن يعني ذلك الانقطاعَ عن أفضل منجزات البشرية في العالم المعاصر. ويتطلب ذلك تعبئة الموارد الذاتية للأمة وتنميتها وتوظيفها بأقصى كفاءةٍ ممكنة.

والمبدأ الناظم الثاني هو اعتماد مفهومٍ للرفاه الإنساني يتجاوز التعريفات الضيقة المقتصرة على الوفاء بالحاجات المادية للبشر إلى التمتع بالمكونات المعنوية للتَّنَعّم الإنساني مثل الحرية (حرية الفرد والمجتمع والوطن)، والمعرفة، والجمال.

والمبدأ الناظم الثالث للمفهوم يقوم على أن مصدر القيمة في العالم المعاصر قد أضحى إنتاج المعرفة أكثر من كونه ركام الموارد الأولية، أو الأرصدة المالية، أو حتى حجم الناتج الإجمالي بالتقويمات التقليدية. ومن ثم فإن خيار التنمية الجدير بالاعتبار اليوم هو إقامة مجتمعات المعرفة.

والمبدأ الناظم الرابع للتنمية المستقلة في الوطن العربي هو إنشاءُ نسقٍ مؤسَّسيّ للتعاون العربي يتوجه نحو التكامل القومي وصولاً إلى ما يمكن تسميته "منطقة مواطنة حرة عربية". كما أنه ومن المهم هنا التمييز بين مرحلتين: أولاهما تنمية تكاملية يتولاها كل قطر لتحقيق تكامل داخله وما بين الأقطار، والثانية تكامل إنمائي يتولى فيه الكيان التكاملي تسيير دفة التنمية. وتتوافق المرحلة الأولى مع مرحلة بناء المشروع النهضوي والثانية مع مرحلة تسييره. ومن ثم فإن "منطقة المواطنة الحرة العربية" تتوافق مراحل بنائها مع مراحل التكامل القومي.

والمبدأ الناظم الخامس للتنمية المستقلة هو الانفتاح الإيجابي على العالم المعاصر بغرض الاستفادة من أفضل منجزات البشرية.

بهذه الأبعاد كافة يأخذ المشروع النهضوي العربي مفهوم التنمية المستقلة ويعيد التشديد عليها كهدف وكمطلب من أهدافه ومطالبه.

3- غاياتُ التنمية المستقلة ووسائلُها


الغاية الأساس للتنمية المستقلة في الوطن العربي هي تحقيق أعلى مستوىً ممكن من الرفاه الإنساني وتعظيمه باستمرار. وفي منظور الوقت الراهن، يتعين أن تحظى الغايات الفرعية التالية بأولوية حاسمة:
- توفير السلع العامة الأساسية وضمان الأمن الغذائي والمائي.
- محاربة أدواء المسار التنموي العربي الراهن مثل الفقر والبطالة والفوارق الطبقية الفاحشة الناجمة عن سوء توزيع الدخل والثروة. وهو ما يتطلب ترقية الكفاءة الإنتاجية للمواطن وللاقتصاد العربي، والسعي في تحقيق تكامل الاقتصادات القطرية العربية.
- ضمان التناغم مع البيئة حرصاً على دوام التنمية.

وثمة وسائل أربعة لبناء التنمية المستقلة:


أولها وأهمّها إقامة التنظيم المجتمعي الذي يمكن أن يحمل غايات التنمية في الوطن العربي. وهو ما يتحقق في تضافر قطاعات المجتمع الثلاثة (الدولة، وقطاع الأعمال، والمجتمع المدني) مع خضوعها لمعايير الحكم الصالح على أن يعرف على نحو يتسق مع غايات المشروع حتى لا يضيع في خضم معايير تفرضها قوى الهيمنة العالمية. فلقد تبيَّن أن إقامة التنمية بالاعتماد أساساً على قطاع خاص منفلت ليس إلاّ سراباً خادعاً يحمل في طياته خدمة مصالح القوى المهيمنة على الاقتصاد العالمي. وعليه، لا بديل من دورٍ مركزي لدولةٍ فاعلة وقادرة في مسيرة التنمية المستقلة تضطلع بمهمة ضبط النشاط الاقتصادي والإنتاجي وربطه بالمصلحة العامة، بما في ذلك ضبط نشاط قطاع الأعمال العام. ويتفرع عن هذا النمط من "الاقتصاد المختلط" الحاجة إلى قيام جهد تخطيطي من قبل الدولة.

ثانيها بناء الطاقات الإنتاجية العربية، الذي يستلزم تنمية الموارد وتعبئة الادّخار المحليّ وضمان أقصى استفادة من رأس المال البشري العربي في الداخل، مع العمل على توظيف الإمكانات العربية الهاربة، سواء في صورة رؤوس أموال نازحة أو طاقات علمية بشرية مهاجرة.

وثالثها بناء آليات التكامل العربي في جميع مجالات النشاط الاقتصادي، وبوجهٍ خاص في ترقية الإنتاجية وتعظيم التنافسية. والمقولة الشائعة إن غياب الإرادة السياسية لدى الأنظمة الحاكمة هو المعوق الأساس لتحقيق هذا التكامل، وتشير تجارب تحرير التجارة إلى أن المسئولية تمتد لتطول قطاع الأعمال من صناع وتجار أرادوا أن يفتح الآخرون أسواقهم بينما صمموا على قوائم طويلة من الاستثناءات. كذلك يجب التنبيه إلى المعاداة الخارجية لاستخدام التكامل أساساً لتنمية مستقلة.

ورابعها مواجهة المؤسسات الاقتصادية الدولية التي تطرح نموذجاً اقتصادياً ينفتح أمام عابرات القوميات ورأس المال والتكنولوجيا الأجنبية، وتقديم نموذج تنموي مستقل بديل يحظى بمؤزارة شعبية، ويخرج من مصيدة المعونات والمساعدات المشروطة، ويعيد تحديد دور صندوق النقد الدولي في إدارة الاحتياطيات الدولية، وينقل الكثير من وظائفه الإشرافية التي تمس السياسات الوطنية إلى مؤسسات قومية أو وطنية بديلة.

إن فرص نجاح التنمية المستقلة في الوطن العربي ممكنة إن توافرت شروط الحكم الصالح. ذلك أن القصور التنموي الراهن شديدُ الصلةِ بالخلل الكبير الذي يستبد بنمط السلطة وممارسة الحكم في البلدان العربية فينجم عنه التخلف والتبعية تماماً كما ينجم عنه سوء توزيع الثروة وانعدام الحياة الديمقراطية.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .