العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الاسلامي > الخيمة الاسلامية

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: نظرات فى بحث النسبية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: حديث عن المخدرات الرقمية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال الكايميرا اثنين في واحد (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى كتاب علو الله على خلقه (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في كتاب رؤية الله تعالى يوم القيامة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مقال فسيولوجية السمو الروحي (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى توهم فريجولي .. الواحد يساوي الجميع (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال ثقافة العين عين الثقافة تحويل العقل إلى ريسيفر (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات بمقال هل تعلم أن مكالمات الفيديو(السكايب) كانت موجودة قبل 140 عام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى بحث مطر حسب الطلب (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 14-08-2008, 10:27 PM   #1
RWIDA
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 226
إفتراضي من منقصات التوحيد

من منقصات التوحيد
لفضيلة الدكتور عبد الله بن عبد العزيز الجبرين

لفضيلة الدكتورعبد الله بن عبد العزيز الجبرين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
قبل أن نبدأ في الكلام على الأمور المنقصة للتوحيد نذكر الفرق بين منقصات التوحيد ونواقضه:
فمنقصات التوحيد: هي الأمور التي تنافي كمال التوحيد ولا تنقضه بالكلية، فإذا وُجِدَتْ عند المسلم قَدَحَتْ في توحيده، ونقص بها إيمانه، ولم يخرج من دين الإسلام، وهي المعاصي التي لا تصل إلى درجة الشرك الأكبر أو الكفر الأكبر أو النفاق الأكبر، وعلى رأسها: الشرك الأصغر والكفر الأصغر والنفاق الأصغر.
أما نواقض التوحيد: فهي الأمور التي إذا وجدت عند العبد خرج من دين الله بالكلية، وأصبح بسببها كافرًا أو مرتدًا عن دين الإسلام، وهي كثيرة، تجتمع في الشرك الأكبر، والكفر الأكبر، والنفاق الأكبر "الاعتقادي".
وسأتكلم عن كل منقص من منقصات التوحيد السابقة في فصل مستقل فيما يلي إن شاء الله تعالى.

الشرك الأصغر: تعريفه وحكمه:

تعريفه في الاصطلاح هو: كل ما كان فيه نوع شرك لكنه لم يصل إلى درجة الشرك الأكبر(1).
اما حكمه فيتلخص فيما يأتي:
1- أنه كبيرة من كبائر الذنوب، بل هو أكبر الذنوب بعد نواقض التوحيد.
2- أن هذا الشرك قد يعظم حتى يؤول بصاحبه إلى الشرك الأكبر فيخرجه من ملة الإسلام، فصاحبه على خطر عظيم.
3- أنه إذا صاحب العمل الصالح أبطل ثوابه، كما في الرياء وإرادة الإنسان الدنيا وحدها بعمله الصالح، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه جل وعلا: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه". رواه مسلم.

أنواع الشرك الأصغر:

للشرك الأصغر أنواع كثيرة، أشهرها:
النوع الأول: الشرك الأصغر في العبادات القلبية:
ومن أمثلة هذا النوع:
أولاً: الرياء:
الرياء في اللغة: مشتق من الرؤية، وهي: النظر، يقال: راءيتُه، مراءاةً، ورياءً، إذا أريتُه على خلاف ما أنا عليه.
وفي الاصطلاح: أن يظهر الإنسان العمل الصالح للآخرين أو يحسنه عندهم، أو يظهر عندهم بمظهر مندوب إليه ليمدحوه ويعظم في أنفسهم.
فمن أراد وجه الله والرياء معًا فقد أشرك مع الله غيره في هذه العبادة، أما لو عمل العبادة وليس له مقصد في فعلها أصلاً سوى مدح الناس فهذا صاحبه على خطر عظيم، وقد قال بعض أهل العلم: إنه قد وقع في النفاق والشرك المخرج من الملة(2).
والرياء له صور عديدة، منها:
صور الرياء:
1- الرياء بالعمل، كمراءاة المصلي بطول الركوع والسجود(3).
2- المراءاة بالقول، كسرد الأدلة إظهارًا لغزارة العلم، ليقال: عالم(4).
3- المراءاة بالهيئة والزي، كإبقاء أثر السجود على الجبهة رياءً(5).
وقد وردت أدلة كثيرة تدل على تحريم الرياء وعظم عقوبة فاعله، وأنه يبطل العمل الذي يصاحبه(6)، منها: حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه مرفوعًا: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر"، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: "الرياء، يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، هل تجدون عندهم جزاءً؟". {رواه أحمد: 5-428}، وحديث محمود بن لبيد رضي الله عنه الآخر، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أيها الناس، إياكم وشرك السرائر"، قالوا: يا رسول الله، وما شرك السرائر؟ قال: "يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته جاهدًا لما يرى من نظر الناس إليه، فذلك شرك السرائر". {رواه ابن أبي شيبة 2-481، وابن خزيمة: 937 بإسناد حسن}.
وحديث أبي هريرة في خبر الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، وهم: رجل قاتل في الجهاد حتى قُتل ليقال: جرئ، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن ليقال: عالم وقارئ، ورجل تصدق ليقال: جواد. رواه مسلم.
ولهذا ينبغي للمسلم البعد عن الرياء والحذر من الوقوع فيه، وهناك أمور تعين على البعد عنه، أهمها:
1- تقوية الإيمان في القلب، ليعظم رجاء العبد لربه، ويعرض عن سواه، ولأن قوة الإيمان في القلب من أعظم الأسباب التي يعصم الله بها العبد من وساوس الشيطان، ومن الانقياد لشهوات النفس.
2- التزود من العلم الشرعي، وبالأخص علم العقيدة الإسلامية، ليكون ذلك حرزًا بإذن الله من فتن الشبهات، وليعرف عظمة ربه جل وعلا، وضعف المخلوقين وفقرهم، فيحمله ذلك كله على مقت الرياء واحتقاره والبعد عنه، وليعرف أيضًا مداخل الشيطان ووساوسه، فيحذرها.
3- الإكثار من الالتجاء إلى الله تعالى ودعائه أن يعيذه من شر نفسه ومن شرور الشيطان ووساوسه، وأن يرزقه الإخلاص فيما يأتي وما يذر، والإكثار من الأذكار الشرعية التي هي حصن من شرور النفس والشيطان.
4- تذكر العقوبات الأخروية العظيمة التي تحصل للمرائي، ومن أعظمها أنه من أول من تسعر بهم النار يوم القيامة.
5- التفكر في حقارة المرائي وأنه من السفهاء ومن السفلة؛ لأنه يضيع ثواب عمله الذي هو سبب لفوزه بالجنة ونجاته من عذاب القبر وشدة القيامة وعذاب النار من أجل مدح الناس والحصول على منزلة عند المخلوقين، فهو يبحث عن رضا المخلوقين بمعصية الخالق، ولهذا سُئل الإمام مالك رحمه الله عن السفلة؟ فقال: "من أكل بدينه"(6).
6- الحرص على كل ما هو سبب في عدم الوقوع في الرياء، وذلك بالحرص على إخفاء العبادات المستحبة، وبمدافعة الرياء عندما يحظر بالقلب، وبالبعد عن مجالسة المداحين وأهل الرياء ونحو ذلك.
تنبيه:
وفي ختام الكلام على مسألة الرياء يحسن التنبيه إلى أنه لا يجوز للمسلم أن يرمي مسلمًا آخر بالرياء، فإن الرياء من أعمال القلوب ولا يعلمه إلا علام الغيوب، واتهام المسلمين بالرياء هو من أعمال المنافقين.
والأصل في المسلم السلامة، وأنه إنما أراد وجه الله، وأيضًا فإن المسلم يندب له في بعض المواضع أن يظهر عمله للناس، إذا أمن على نفسه من الرياء، كما إذا أراد أن يُقتدَى به في الخير، فليس كل من حرص على إظهار عمله للناس يعتبر مرائيًا.
ثانيًا: من أمثلة الشرك الأصغر في العبادات القلبية: إرادة الإنسان بعبادته الدنيا:
المراد بهذا النوع: أن يعمل الإنسان العبادة المحضة ليحصل على مصلحة دنيوية مباشرة.
وإرادة الإنسان بعمله الدنيا تنقسم من حيث الأصل إلى أقسام كثيرة، أهمها:
1- أن لا يريد بالعبادة إلا الدنيا وحدها، كمن يحج ليأخذ المال، وكمن يغزو من أجل الغنيمة وحدها، وكمن يطلب العلم الشرعي من أجل الشهادة والوظيفة ولا يريد بذلك كله وجه الله البتة، فلم يخطر بباله احتساب الأجر عند الله تعالى، وهذا القسم محرم، وكبيرة من كبائر الذنوب، وهو من الشرك الأصغر، ويبطل العمل الذي يصاحبه.
ومن الأدلة على تحريم هذا القسم وأنه يبطل العمل الذي يصاحبه:
أ- قوله تعالى: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون (15) أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون {هود: 15، 16}.
ب- حديث عمر رضي الله عنه مرفوعًا: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه". رواه البخاري ومسلم.
ج- حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "من تعلم علمًا مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا لم يجد عرف الجنة". يعني ريحها.
2- أن يريد بالعبادة وجه الله والدنيا معًا، كمن يحج لوجه الله وللتجارة، وكمن يقاتل ابتغاء وجه الله وللدنيا، وكمن يصوم لوجه الله وللعلاج، وكمن يتوضأ للصلاة وللتبرد، وكمن يطلب العلم لوجه الله وللوظيفة، فهذا الأقرب أنه مباح؛ لأن الوعيد إنما ورد في حق من طلب بالعبادة الدنيا وحدها، ولأن الله رتب على كثير من العبادات منافع دنيوية عاجلة، كما في قوله تعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجا (2) ويرزقه من حيث لا يحتسب {الطلاق: 2، 3}، وكما في قوله تعالى: فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا (10) يرسل السماء عليكم مدرارا (11) ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا {نوح: 10- 12}، والنصوص في هذا المعنى كثيرة، فهذه النصوص تدل على جواز إرادة وجه الله وهذه المنافع الدنيوية معًا بالعبادة؛ لأن هذه المنافع الدنيوية ذكرت على سبيل الترغيب في هذه العبادات.
وهذا القسم لا يبطل العمل الذي يصاحبه، ولكن أجر هذه العبادة ينقص منه بقدر ما خالط نيته الصالحة من إرادة الدنيا.
والله من وراء القصد.
RWIDA غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 14-08-2008, 10:31 PM   #2
RWIDA
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 226
إفتراضي

ثالثًا: الاعتماد على الأسباب

السبب في اللغة: الحبل، ويطلق على "كل شيء يتوصل به إلى غيره" استعير من الحبل الذي يتوصل به إلى نزع الماء من البئر.
وفي الاصطلاح هو: الأمور المحسوسة التي يفعلها الإنسان ليحصل له ما يريده من مطلوب، أو يندفع عنه ما يخشاه من مرهوب في الدنيا أو في الآخرة.
فمن الأسباب في أمور الدنيا: البيع والشراء أو العمل في وظيفة ليحصل على المال، ومنها: أن يطلب من سلطان أو غني مالا، لينفق منه على نفسه وعلى أولاده، ومنها: أن يستشفع بذي جاه عند السلطان ليسلم من عقوبة دنيوية، أو ليدفع عنه ظلمًا، أو لتحصل له منفعة دنيوية كوظيفة أو مال أو غيرهما، ومنها: أن يذهب إلى طبيب ليعالجه من مرض، ونحو ذلك.
ومن الأسباب في أمور الآخرة: فعل العبادات رجاء ثواب الله تعالى والنجاة من عذابه(1)، ومنها: أن يطلب من غيره أن يدعو الله له بالفوز بالجنة والنجاة من النار، ونحو ذلك.
والذي ينبغي للمسلم في هذا الباب هو أن يستعمل الأسباب المشروعة التي ثبت نفعها بالشرع أو بالتجربة الصحيحة، {قال شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله في القول المفيد، باب من الشرك ليس الحلقة 1-165ك "طريق العلم بأن الشيء سبب: إما عن طريق الشرع، وذلك كالعسل فيه شفاء للناس {النحل:69}، وإما عن طريق القدر، كما إذا جربنا هذا الشيء فوجدناه نافعًا في هذا الألم أو المرض، ولكن لابد أن يكون أثره ظاهرًا مباشرًا كما لو اكتوى بالنار فبرئ بذلك مثلا؛ فهذا سبب ظاهر بيّن، وإنما قلنا هذا لئلا يقول قائل: أنا جربت هذا وانتفعت به، وهو لم يكن مباشرًا، كالحلقة، فقد يلبسها إنسان وهو يعتقد أنها نافعة فينتفع لأن للانفعال النفسي للشيء أثرًا بينًا، فقد يقرأ إنسان على مريض فلا يرتاح له، ثم يأتي آخر يعتقد أن قراءته نافعة فيقرأ عليه الآية نفسها فيرتاح له ويشعر بخفة الألم، كذلك الذين يلبسون الحلق ويربطون الخيوط؛ قد يحسون بخفة الألم أو اندفاعه أو ارتفاعه بناءً على اعتقادهم نفعها، وخفة الألم لمن اعتقد نفع تلك الحلقة مجرد شعور نفسي، والشعور النفسي ليس طريقًا شرعيًا لإثبات الأسباب، كما أن الإلهام ليس طريقًا للتشريع"، وينظر مجموع الفتاوى 1-137}، كما ينبغي للمسلم أيضا مع استعمال الأسباب المشروعة أن يتوكل على الله تعالى، قال الحافظ ابن القيم في طريق الهجرتين (ص335، 336): "التوكل يجمع أصلين: علم القلب، وعمله، أما علمه: فيقينه بكفاية وكيله، وكمال قيامه بما وكله إليه، وأن غيره لا يقوم مقامه في ذلك. وأما عمله: فسكونه إلى وكيله وطمأنينته إليه، وتفويضه وتسليمه أمره إليه، وأن غيره لا يقوم مقامه في ذلك، ورضاه بتصرفه له فوق رضاه بتصرفه هو لنفسه، فبهذين الأصلين يتحقق التوكل، وهما جماعُه"، واعتقاد أن هذا الأمر إنما هو مجرد سبب، وأنه لا أثر له إلا بمشيئة الله تعالى، إن شاء نفع بهذا السبب، وإن شاء أبطل أثره. قال شيخنا محمد بن عثيمين في القول المفيد باب ما جاء في الرقى (1-184): "ومع وجود الأسباب الشرعية الصحيحة ينبغي للإنسان أن لا يعلق نفسه بالسبب، بل يعلقها بالله، فالموظف الذي يتعلق بمرتبه تعلقًّا كاملا، مع الغفلة عن المسبب وهو الله قد وقع في نوع من الشرك، أما إذا اعتقد أن المرتب سبب، فهذا لا ينافي التوكل، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأخذ بالأسباب مع اعتماده على المسبب، وهو الله عز وجل ".
أما إن اعتمد الإنسان على السبب فقد وقع في الشرك، لكن إن اعتمد عليه اعتمادًا كليًا، مع اعتقاد أنه ينفعه من دون الله فقد وقع في الشرك الأكبر، وإن اعتمد على السبب مع اعتقاده أن الله هو النافع الضار فقد وقع في الشرك الأصغر، فالمؤمن مأمور بفعل السبب مع التوكل على مسبب الأسباب جل وعلا.
وعليه فإن ترك الأسباب واعتقاد أن الشرع أمر بتركها، وأنها لا نفع فيها كذب على الشرع، ومخالفة لما أمر الله به وأجمع عليه أهل العلم، ومخالفة لمقتضى العقل، ولهذا قال بعض أهل العلم: "الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابًا نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع، وإنما التوكل والرجاء معنى يتألف من موجب التوحيد والعقل والشرع"(2).
ومن الشرك في الأسباب: أن يجعل ما ليس بسبب سببًا، فإن اعتقد أن هذا السبب يستقل بالتأثير بدون مشيئة الله فهو شرك أكبر، كحال عباد الأصنام وعباد القبور الذين يعتقدون أنها تنفع وتضر استقلالا، وإن اعتقد أن الله جعلها سببًا، مع أن الله لم يجعلها سببًا فهو شرك أصغر؛ ومن أمثلته: التطير، والاستسقاء بالنجوم، وسيأتي بيانهما وبيان كونهما من الشرك في هذا الفصل إن شاء الله تعالى.

المثال الرابع من أمثلة الشرك الأصغر
في الأعمال القلبية: التطير


التطير: التشاؤم بمرئي أو مسموع أو غيرهما، أو هي: ما يتشاءم به من الفأل الرديء، والشؤم: ضد اليمن، وهو عدم البركة.
ومن أمثلة التطير: ما كان يفعله أهل الجاهلية من أن أحدهم إذا أراد سفرًا زجر أو أثار طيرًا، فإن اتجه ذات اليمين تفاءل، فعزم على السفر، وإن اتجه ذات الشمال تشاءم، وترك هذا السفر، وقد كثر استعمال أهل الجاهلية للطيور في هذا الأمر حتى قيل لكل من تشاءم "تطير"، ومن أمثلة التشاؤم أيضًا: التشاؤم بسماع كلمة لا تعجبه ك (يا هالك)، أو بملاقاة الأعور أو العجوز الشمطاء، أو برؤية الغراب، أو البوم، أو صاحب عاهة في أول سفره، أو في أول نهاره فيترك هذا السفر، أو يترك البيع والشراء في هذا اليوم، ومن أمثلته: التشاؤم ببعض الأشهر كصفر، والتشاؤم ببعض الأرقام كثلاثة عشر، كما يفعله كثير من أصحاب الفنادق والعمارات وغيرهم في هذا العصر، فتجد بعضهم لا يضع هذا الرقم في أدوار العمارة أو في المصعد أو في مقاعد الطائرات، ونحو ذلك تشاؤمًا.
والتطير محرم، وشرك أصغر. والسبب في كونه شركًا هو بسبب ما يعتقده المتطير من أن ما فعله من التطير كان سببًا في دفع مكروه عنه أو في جلب الخير له مع أنه سببٌ غير صحيح، وإنما هو من خرافات الجاهلية، ومما يزينه الشيطان في نفوس الجهال، فإذا وقع بعض ما تطيروا به في بعض الأحيان جعلهم الشيطان يتعلقون بهذا التطير ويظنون أنه صحيح، كما أن في هذا التطير نوعًا من الاعتماد على الأسباب في دفع الضر وجلب الخير، فهي أسباب باطلة شرعًا وعقلا، فهو قد اعتمد على سبب لم يجعله الله سببًا، وتعلق قلبه بهذه الأسباب الباطلة، كما أن في التطير اعتمادًا على هذه الأمور الباطلة في دعوى معرفة ما سيكون في المستقبل، وهذا الحكم إنما هو في حق من اعتقد أن ما تطير به جعله الله علامة على هذا الأمر المكروه أو سببًا في حصوله، أما من اعتقد أن هذا المتشاءم به يحدث الشر بنفسه ويفعله استقلالا، أو اعتقد أنه يعلم الأمر الذي سيقع في المستقبل ويخبر به، فهذا من الشرك الأكبر(5).
ومثله: الفعل الذي يقدم عليه العبد أو يعزم عليه لرؤيته أو سماعه ما يسر به كما سبق ويستثنى منه الفأل الحسن، وهو: أن يكون الإنسان قد عزم على أمر معين فيرى أو يسمع أمرًا حسنًا من غير قصد له، فيسر به ويستبشر به، ويزيده ذلك اطمئنانًا بأن ما كان قد عزم على فعله سيكون فيه خير وبركة بمشيئة الله تعالى، ويعظم رجاؤه في الله تعالى في تحقيق هذا الأمر، من غير اعتماد على هذا الفأل، فهذا حسن، فالفأل حسن ظن بالله تعالى، ورجاء له، وباعث على الاستعانة به، والتوكل عليه، وعلى سرور النفس، وانشراح الصدر، وهو مسكن للخوف، باعث للآمال، والطيرة على النقيض من ذلك: فهي سوء ظن بالله، وتوكل على غيره، وقطع للرجاء، وتوقع للبلاء، وقنوط للنفس من الخير، وهو مذموم وباطل شرعًا وعقلا.
وقد وردت أدلة كثيرة تدل على بطلان التطير وتحريمه أما حديث ابن عمر الذي رواه البخاري (5094-5753)، ومسلم (2225) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا عدوى ولا طيرة، وإن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس" ومثله حديث سهل بن سعد عند البخاري (2859)، ومسلم (2226) فالأقرب أن المراد بالشؤم في هذا الحديث وشواهده ما رجحه الإمام البخاري في صحيحه وغيره، ورجحه شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله في بعض دروسه من أن المراد ما يكون في بعض أعيان هذه الثلاثة من الضرر المحسوس، كالمرأة السيئة الخلق، والدار الضيقة، أو السيئة الجيران، والفرس السيئة الطباع، ونحو ذلك، ومن ذلك ما ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الطيرة شرك"(6)، وتمامه: "وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل" وهذه التتمة من قول ابن مسعود رضي الله عنه كما في سنن الترمذي، والمعنى: وما منا أحد إلا وقد يعتريه التطير، وهذا يدل على أن ما يقع في القلب من التطير من غير قصد من العبد ولم يستقر في القلب معفو عنه، لكن إن ترتب عليه إقدام أو إحجام فهو محرم، ويؤيد هذا حديث معاوية بن الحكم عند مسلم (537): قال قلت: ومنا رجال يتطيرون؟ فقال صلى الله عليه وسلم : "ذاك شيء يجدونه في صدورهم، فلا يصدنهم"، وفي رواية: "فلا يصدنكم".
ومما يدل على تحريم الطيرة أيضًا وإباحة الفأل: ما رواه عروة بن عامر، قال: ذكرت الطيرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: "أحسنها الفأل، ولا ترد مسلمًا، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم: لا يأت بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك"(7)، قال في فتح المجيد ص522: "وقوله: (ولا حول ولا قوة إلا بك) استعانة بالله تعالى على فعل التوكل، وعدم الالتفات إلى الطيرة التي قد تكون سببًا لوقوع المكروه عقوبة لفاعلها، وذلك الدعاء إنما يصدر عن حقيقة التوكل الذي هو أقوى الأسباب في جلب الخيرات ودفع المكروهات"، وقوله صلى الله عليه وسلم : "لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الحسن" قالوا: وما الفأل؟ قال: "الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم" رواه البخاري ومسلم(8).
قال الحافظ ابن رجب بعد ذكره أن التشاؤم باطل شرعًا وعقلا، قال: "وفي الجملة فلا شؤم إلا المعاصي والذنوب فإنها تسخط الله عز وجل فإذا سخط على عبده شقي في الدنيا والآخرة كما أنه إذا رضي عن عبده سعد في الدنيا والآخرة، فالشؤم في الحقيقة هو معصية الله، واليمن هو طاعة الله وتقواه كما قيل:
إن رأيًا دعا إلى طاعة الله
لرأي مبارك ميمون
والعدوى التي تهلك من قاربها هي المعاصي، فمن قاربها وخالطها وأصر عليها هلك، وكذلك مخالطة أهل المعاصي ومن يحسن المعصية ويزينها ويدعو من شياطين الإنس، وهم أضر من شياطين الجن، قال بعض السلف: شيطان الجن تستعيذ بالله منه فينصرف، وشيطان الإنس لا يبرح حتى يوقعك في المعصية، وفي الحديث: " المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"(9)، وفي حديث آخر: "لا تصحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقي"(10)، فالعاصي مشؤوم على نفسه وعلى غيره فإنه لا يؤمن أن ينزل عليه عذاب فيعم الناس ولا سيما من لم ينكر عليه عمله فالبعد عنه متعين، فإذا كثر الخبث هلك الناس عمومًا(11).

هوامش:


(1) مجموع الفتاوى 8-175، 176.
(2) مجموع الفتاوى 8-169، وينظر آخر مدارج السالكين 3-521، وشرح الطحاوية: الدعاء ص 679.
(3) القول السديد باب من الشرك لبس الحلقة ص45، 46، القول المفيد باب الرقى 1-183، مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين 1-102-104، الشرك الأصغر ص135-147.
(4) ينظر: الصحاح، والقاموس المحيط، والنهاية (مادة: طير)، إكمال المعلم 7-141، جامع الأصول 7-628.
(5) ينظر: فيض القدير 4-294، القول المفيد 1-577.
(6) رواه الإمام أحمد (3687 تحقيق شاكر)، وأبو داود (3910)، والترمذي (1614)، وقد صححه الترمذي، والحاكم، وصححه أيضًا الذهبي والعراقي كما في فيض القدير 4-294، وابن العربي في عارضة الأحوذي 7-116.
(7) رواه أبو داود في الطب (3919).
(8) صحيح البخاري (5754)، وصحيح مسلم (2223) من حديث أبي هريرة.
(9) رواه أبو داود (4833)، والترمذي (2395)، وابن حبان (554)، وسنده حسن.
(11) ينظر: لطائف المعارف: وظيفة شهر صفر ص77
RWIDA غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .