لو أنَّك عصرت الشعوب العربية لتستخلص ما فيها من خصال النبل ، وألقيت عليها خلاصـة الإسلام المشبَّعة بالخيـر ، لفوجئت بأنَّ نتاج هذا الخليط هـو الشعب الجزائري ، ومثله شعوب المغرب العربـي النجيـبة ، من تونس الإسلام إلى موريتانيـا الفخـر ، والإقـدام !
ولكنّهـا كسائر شعوبنا العربية ابتليت بهذا المثلث الجاثم على صدور الأمـّة ، أعنـي تحالف ( القصـر " فرعون " ، والعسكر مع بطانة السـوء "هامان " ، ومافيـا الفسـاد " قارون " ) !
فإذا أضيف إلـى هـذا المثـلّث سحـرة فـرعون ، أعنـي ( اللحى المستأجره ) أو ( فقهاء التسـوُّل ) الذين يفتون السلطة بضرب الظهور ، وسلب الدثـور ، ومنـع الحقوق بالجـوْر والفجـور !
إذا أضيفت هذه اللحى الخائنـة ، ليصيـر المثـلَّث مربـّعا ملعونـا ، فقد استحكم الداء ، واستعصى الدواء ، وصارت الباقعـة صلعـاء !
غير أنَّ ما يجري اليوم في تونس والجزائـر ينبئ عن إنبـلاج ثورة للتغييـر ، تدل على أنّ تعبئة الشعـوب قد أينعت ثمارهـا ، وآتت أكلـها ،
فهاهـي صيحاتها الأولى قـد انطـلقت تنشـد حقوقها كامـلة والكرامة ، وتأبى حياة العبيـد ، وترفض ثقافة القطيـع .
وذلك بعـدما أيقـنت أنَّ ثمـّة ثلاث مصـائب هي سبب الضياع التي تعيشـه الأمـّة :
أوَّلهـُا وأهمُّهـا أنَّ الأمـّة قـد فُرضـت عليها أنظمةٌ فاسـدة ، فرضـت بالقوة ، والكذب ، و الخداع ، والتزويـر ، والدجـل .
ثـم قـد طـال ليـلُ هذا الكذب ، والخداع ، والتزويـر ، والدجـل ، والنفـخ في هذه ( الدمى المزوّرة ) بواسطة ألـقاب التفخيم ، و التعظـيم ، ليصدق الناس أكذوبـتها الفاضحـة ،
هذه الأكذوبـة التي تؤذي بها وسائل الإعلام الرسمـيّة والسابحـة في فلكهـا ، تؤذي الأسمــاع ، وتقـذي العيـون ، كلَّما أصبحت هذه الشعـوب ، وأمسـت ، وعشيــَّا ، وحين يظهـرون !!
على أمـل أن يتحـوَّل الوهم إلى حقيقة ثابتة في نفـوس الشعـوب مع مرور الزمـن ، ليصدّقـوا أن زعيمهـم لايأتيه الباطل من بين يديـه ، ولا من خلفه ، ولا حتّى من ظهـره ، فما يخرج من صلبه من نطف تتوارث الحكم ، هي أيضـا أمـل الشعوب الأوحـد ، ومستقبلها الأسـعد !
فأيُّ شيءٍ كانـت نتيجـة هذا الخـداع المزمـن ؟! كانت النتيجة هـذا البؤس الذي تعيشه شعوبـها ، بؤس الجوع ، والفقر ، و البطالة ، والتخـلُّف ، والخـوف ، والكـبت ، والقهـر !
حتى لقـد بلغ بهم الحال إلى الإنتحـار في تونس من شـدِّة اليأس ، وأن يقدّمـوا أرواحهم في مظاهـرات تموج موج البحـار ، تبتغـي الخلاص من طغيـان السلطة ، ومن عبثهـا بمقدرات الوطـن ، وثروتـه ، فسقط حتى الآن 19 قتيـلا في تونس وحدها ، وثلاثة قتلى في الجزائـر .
والمصيبـة الثانيـة أنهـا كانـت _ ولعقـود _ تعيش حالة من التزييف الشامـل للوعـي في ثلاثة أمـور : الوعي في هويّتها ، والوعي في حقوقها ، والوعـي في دورها .
وهذا (التزييف الشامل) هو نتيجة حتمية للمصيبة الأولى ، فالنظم الإستبدادية ، لاتحقـِّق أطماعها الدنيئة في شعوبها إلاّ بالعبث بـ (الرأي العام ) ، و( العقـل الجمعـي ) ولهذا هي تصادر الحريـّات ، وتحتكـر الإعلام ، وتسعى جاهـدة لتضيّـق كـلّ فضاءات الحرية ، ولتراقـب كلَّ شيء ، حتى حركة عقـول المفكـرين ، وصرير أقـلام الكتـاب ،
وإنـها لتتمنـّى لو سمـعت همـس نفوس المثقّفيـن المعارضـين سـرَّا ، ووسوسة صدور الشعـراء المخالفـين للنظـام ، بقوافي شعرهـم !
والمصيبة الثالثـة : أنـَّها كانت تعيش حالة ( خوف شعبي عام ) غيـر معهود مثله في تاريخ البشـرية ، وأنَّ هذه ( الحالة الخوفية العامـّة ) تـتمّ صناعتهـا ، ورعايتهـا ، وتغذيتهـا فـي مراكز الأمن التابعـة للسلطـة ، بحرفيـة عالية المستوى ، ويُنفـق عليها من ثروة الأمـّة مالايعلـم قدره إلاّ الله تعالى ،
وذلـك بهـدف إبقـاء الشعـوب ميّتـة الروح ، عديمـة الحركة ، فيسهـل قيادُهـا ، ويُستسْهـل ذبحهـا ، كما يتسمّـر الخائف في مكانه من الهلـع ، مُسلِمـاً رقبتـه طواعيـة ليحزَّهـا جازرُهـا !
وأنها قد بلـغ بها الجهـد _ من غير أن تشعـر _ للتعايش مع هذا الخوف ، على أنـه جزءٌ لايتجزأ من الحياة الطبيعية في المجـتمع !
وأنـها كانت بلا وعـي ، تحاول إقنـاع ( العقل الشعبي الباطـن ) أنه ليس ثمـّة ما يريـب ، ولا هنـالك من أمـر غريب !
لكنهـا عندمـا رأت شعوبــا كثيرة فـي هذا العــالم الآخـذ بالتحرُّر من الطغـاة ،