المرأة في المجتمع الصحراوي

[wald chahid_1]

أسباب عديدة وظروف مختلفة شكلت شخصية الإنسان الصحراوي وجعلتها متميزة ومغايرة لمحيطه المجاور ومن أهم هذه الاختلافات موضوع المرأة . احتاج العالم شرقا وغربا لعقود من التنظير ومن النضال ومن الثورة من اجل تغيير واقع ومكانة المرأة . استغرق الغرب القرن التاسع عشر واستغرق الشرق القرن العشرين ومازال قرنين وزيادة من عمر الإنسانية قضتهما في سجال ونضال حينا وفي عصيان وتمرد حينا آخر من اجل زحزحة النظرة الدونية عن المرأة وإشراكها ودمجها في كل مجالات الحياة ومساواتها مع نصف المجتمع الآخر ورفع الغبن عنها الذي طال أمده.

هذه المعمعة - الملحمة – بالنسبة للمرأة لم تعن شيئا للصحراوي ولم يشعر بها حتى لأنه ببساطة شديدة لم يمتهن كرامة المرأة يوما والتاريخ يؤكد هذا القول، فعندما عمدت البوليساريو إلى إقحام المرأة في كل المجالات والاعتماد عليها إلى حد كبير في الجوانب المدنية الكثيرة كالصحة والتعليم وغيرها وحتى في بعض الجوانب شبه العسكرية لم تصطدم برفض المجتمع وتقاليده لهذا الواقع الجديد، ذلك لان المجتمع لم يلحظ أي طفرة في التعامل مع المرأة بين الزمنين قبل وأثناء البوليساريو لأن الفرق يكاد يكون معدوما .

إن التعامل الراقي الذي عامل به الصحراوي المرأة مرده إلى العادات والتقاليد الصحراوية والى الفهم الصحيح للدين الحنيف وهو ما أشرت له في مقال سابق من هذه المفاهيم ، فالإسلام دين مجتمعات معروفة بهضم حقوق المرأة واضطهادها، اجل الإسلام بريء ما في ذلك أدنى شك لكن عادات تلك الشعوب متهمة وفهمها للدين متهم أيضا. فكما انه لكل إنسان شخصية معينة تصوغها الظروف والوراثة، كذلك المجتمعات لها شخصيات تصوغها ظروفها والأطوار التي تمر بها خلال نشوئها وتطورها .

لقد حظيت المرأة الصحراوية بجميع وظائفها وعلاقاتها وأدوارها في الحياة بمكانة متميزة في المجتمع، فالأم والأخت والزوجة والحبيبة مكانتهن عالية ومقامهن محفوظ، غير انه هناك صنف آخر لطالما عانى من الازدراء والتهميش والظلم في المجتمعات الأخرى، إلا أن المجتمع الصحراوي افرد له مكانة خاصة جدا ومقاما رفيعا، المرأة المطلقة و المرأة الأرملة فهما في هذا المجتمع لا تشعران بالدونية ولا تشكوان من أي عقد أو نقص .

إن تاريخ الشعر عند الأمم الأخرى مليء بالصور التي تحتفي بالمرأة الحبيبة العذراء، بيد أن الشعر الحساني مزدان بالقصائد التي تمجد المرأة المطلقة، كما أن اللهجة الحسانية تخلو من أية أمثلة تحط من قدر المرأة أو تقلل من شأنها أو تجرح كرامتها، ما أردته من هذه اللوحات التي عرضتها هو إبراز المكانة المرموقة التي تحظى بها المرأة في المجتمع الصحراوي .

ميزة أخرى خصت بها المرأة الصحراوية، هي انه رغم الانفتاح والحضور المتميز لها في المجتمع إلا أنها لم تغرق في الابتذال الذي غرقت فيه المرأة الغربية التي تحولت- في معظمها- إلى سلعة أو دمية باسم الانفتاح والحرية ولم تتطرف كالشرقية يمينا ويسارا حين رفعت عنها حجب الجهل وأجليت عنها الظلمات انتقاما – ظنا منها- من المجتمع الذي طالما أرهقها وكبلها .

فحرية المرأة الصحراوية حرية مسؤولة وانفتاح المجتمع الصحراوي انفتاح مضبوط وعقلاني . كثيرا ما احتار الأجانب عربا وغربا من دور المرأة الأساسي في المجتمع الصحراوي ومن حضورها اللافت فيه سبب الحيرة كيف لهذا الشعب البدوي أن تصل فيه المرأة إلى هذه المكانة العالية وبهذه السرعة، وغاب عنهم - وهم معذورون – أن هذا ليس جديدا على المجتمع الصحراوي ولا متأثرا بغيره ولا مقلدا له بل هو من صميم قيمه وخصيص عاداته. المرأة في المجتمع الصحراوي موضوع يحتاج إلى رسائل جامعية ودراسات معمقة وهذه الورقة لا تفي بالغرض لكنها جهد المقل .