نظرات فى كتاب وقفة مع مقلدي الموتي
نظرات فى كتاب وقفة مع مقلدي الموتي
المؤلف بشير حسين النجفي والكتاب هو اجابة على تساؤل عن حكم جواز تقليد الفقيه الميت والمراد العمل بفتاويه بعد أن مات وفى مقدمة الكتاب جاء الآتى:
"وبعد فقد کثر السؤال والقيل والقال، حول ما وصلت إليه قناعتي من عدم جواز تقليد الميت استدامة، کما لا يجوز ابتداء اتفاقا و لعل المنشأ في الحيص والبيص أن معظم أجلاء العصر، والذين ارتحلوا من الدار الفانية، والتحقوا بالذين سبقوهم إلي جنات الخلود واختار لهم الله سبحانه مرافقة الأبرار في دار أصفيائه، قد جوزوا البقاء علي تقليد الميت بشکل أو بآخر، بطريقة أو بأخري، و من ثم ألح علي بعض الأحبة أن ألخص له وجه عدم تمامية الوجوه التي دعت أولئک الأفاضل إلي اعتقاد جواز البقاء، فلبيت طلبه، متوکلا عليه سبحانه و منه التوفيق والتسديد"
واستهل النجفى الكتاب بأدلة المجوزين لتقليد المفتى الميت فقال :
"أدلة المجوزين:
اشارة
لا ينبغي الريب في أن مقتضي الأصل عدم اعتبار فتوي من لم يتم الدليل عليه کما هو شأن کل مشکوک الحجية؛ فإن مجهولها يلازم أو يستلزم الجزم بعدمها، أو بعدم تنجزها، أوان الشک فيها يساوق عدمها، فالمهم هنا الإيماء إلي مواضع الخلل في أدلة المجوزين واوجهها أمران:
الأول: استصحاب جوازه
المتقرر في حياة المفتي والإشکال عليه بزوال الاعتقاد الذي هو مصب التقليد و موضوع الجواز بالموت، بل عن الوحيد البهبهاني انمحاؤه لدي النزع متشبثا بأن الزوال بالموت أولي منه بالغفلة يشبه المصادرة؛ فإن الغفلة عبارة عن زوال الصورة عن العاقلة، والنسيان انمحاؤها عنها وعن الحافظة، علما بأن الموت عبارة عن انفصال النفس عن البدن أو عن تفرق الأجزاء- کما قيل- أو عن تفکک البنية، کما تشير إليه قصة إبراهيم (ص) و مشاهدة عزير (ص) أو عن فنائها مع أحد المذکورات، فأين هذا من الغفلة والنسيان؟ کما أن الإشکال بالغفلة لا يخلو عنها فإن العلم لا يزول معها، فلا تغفل
واما ما أفاده بعض العباقرة، من أن الجسم بما هو جسم، کل جزء منه يغيب عن الجزء الآخر، فضلا عن غيره، فلا معني لأن ينال شيئا ويدرکه، فتوهم کون النفس جسما سخيف جدا، أولا وأما کونها جسمانية، فنقول:
قد برهن عليه في محله أن العاقلة، بما هي مدرکة للکليات وبما هي عقل بالفعل، لا تحتاج إلي مادة جسمانية، لا في ذاتها و لا في فعلها، فالنفس في أول حدوثها، حيث إنها إنسان طبيعي بشري تحتاج إلي مادة جسمانية، لکنها عقل هيولاني، فإذا خرجت من القوة إلي الفعل و من المادية إلي الصورية، فلا محالة هي غير مرهونة بمادة، فهي بهذه المرتبة خارجة عن عالم المواد و دار الفساد؛ فلذا لا خراب لها بخراب البدن الخ
ففيه أن النزاع ليس في کونها مجردة أو جسمانية، وانما هو في بقاء الصورة القائمة بها أو حاصلة لديها بعد الموت، مع الالتزام بزوالها بالنسيان، بل بالغفلة علي قول، کما عرفت
وامکان تجردها بعد الرقي إلي عقل بالفعل لا يستلزم ضرورة البقاء، و لا سيما بعد اعتراف من جاوز تلک المرتبة وبلغ درجة المستفاد، بل فوقها خصوصا مع شهادة علام الغيوب لحصول النسيان لأولئک الأنفس القدسية
واما تصويب إمکان زوال الصور عن العاقلة، مع کون القضايا التي يدرکها المجتهد کلية، و قابلة للتجريد التام، بحيث تدخل في الکليات المجردة القائمة بالعاقلة، تارة بأن الأذهان المتعارفة تنتقل من الإحساس بالجزئيات إلي صورها الجزئية في الوهم والخيال، فهي مجردة عن المادة فقط، لا عن الخصوصيات والهيئات الحافة بالجزئيات المحسوسة، و مجرد قبول المدرکات للتجريد التام لا يجعلها مجردة داخلة في المعقولات الکلية الباقية ببقاء العاقلة، بل لا بد من إثبات تجرد قوتي الوهم والخيال الخ "
وكل ما سبق من الكلام كلام لا لزوم له فالنفس والجسم وها هما مادة أم لا وغير ذلك أمور لا علاقة لها بالمسألة موضوع الكتاب فالموضوع مفتى ميت وفتواه
ومع هذا استمر النجفى فى مناقشات فلسفية فارغة فقال :
"فغريب أولا: أن کلية القضية إنما هي لکلية الموضوع و عمومه لا من جهة النسبة الحکمية أو الحکم اللذين لا يتصور فيهما العموم أو الکلية و هما محل الکلام و ليس الموضوع أو المحمول وان کانا طرفيها، و من هنا التفرقة بين الأذهان المتعارفة و غيرها في غير محله
و ثانيا: کون المدرک جزئيا لا يلازم زوالها وفناءها فمعلومات المبادئ سرمدية، بلا فرق بين کليها وجزئيها وتارة أخري بأن آراء المجتهد، وان فرضت کلية قابلة للقيام بالعاقلة إلا أنها غالبا منبعثة عن مدارک جزئية من آية خاصة أو رواية مخصوصة لا قيام لهما إلا بغير العاقلة وتلک الآراء لا تکون حجة إلا إذا کانت مستندة إلي المدارک بقاء کما کانت حدوثا فکما أن قيامها بالمجتهد مع زوال مدارکها بالمرة يخرجها عن الحجية في حال حياته، کذلک إذا زالت مدارکها بزوال القوة المدرکة لها؛ لأن المفروض عدم تجرد ما عدا العاقلة المدرکة للکليات، فلا مناص من الالتزام بتجرد قوتي الوهم والخيال المدرکين للصورة الجزئية تجردا برزخيا الخ
و فيه أن الکلية في الأطراف لا تعني کلية الحکم والنسبة، کما عرفت مضافا إلي أن المدارک إنما تکون مناشئ للاعتقاد والحکم الحاصل لدي الفقيه
و يکفي في استمراره في نفسه العلم، أو ما يقوم مقامه بعدم رفع الشارع يده عن المنشأ، بل يکفي عدم العلم بالرفع
والي أن الآية أو الرواية إنما تشکل معدا للاعتقاد، والسبب فيه هو النظر والفکر بالتحليل والتقسيم والتنسيق والتحديد والبرهان
و من الواضح زوال تفصيل تلک الأمور، بل زوال أعيانها مع استمرار الاعتقاد، و لا جرم فيه، حيث التحقيق أن العلة المحدثة عالم الإمکان غير المبقية"
وكما سبق القول كل هذا الكلام هو تقعر يؤدى بالقارىء إلى الغموض لأنه ليس فيه كلمة من نصوص الوحى وإنما استنتاجات وبناء على قصور على الهواء
المسألة أساسا لا أساس لها فى الإسلام لأن الفتاوى المفترض أنها مبنية على المفتى وهو الله وهو قوله تعالى :
" يستفتونك قل الله يفتيكم"
والله حى لا يموت ومن ثم أى مفتى بناها مفتى بشرى على غير كلام الله فهة باطلة ميتة وأما كل ما بنى على كلام الله فهو حى يتم العمل به حتى لو مات قائله
ثم قال النجفى :
والتحقيق في تشخيص الموضوع و مصب الحجة علي المقلد فيه احتمالات:
منها: أنه ظنون المجتهد وادراکاته للحکم الواقعي، و عليه يحتمل بقاؤه، فيستصحب، و يترتب عليه جواز التقليد وانکشاف الواقع بالشهود؛ لأجل الورود علي الرب الودود، لا يضر؛ لأن انقلاب ظنه إلي القطع خروج من النقص إلي الکمال و من الضعف إلي القوة، أو من القوة إلي الفعل و في مثله لا يري البعض بأسا في التمسک بالاستصحاب، وان کان الحق خلافه مضافا إلي عدم شمول أدلة جواز التقليد للاعتقادات الحاصلة من طرق غير طبيعية
و منها: الاعتقاد من انکشاف الواقع بالمثول أمام الشارع والاطلاع علي حقيقة المجعول مع أن الموضوع في لسان الأدلة ذات الفقيه؛ فأن مفاد جميعها رجوع الجاهل إلي العالم، کما ستأتي الإشارة إليه
و منها: أن يکون مصب الحجة قطع المجتهد بالحکم الظاهري المماثل للواقعي، و عليه لا يبقي المجال، لتوهم الاستصحاب نظرا لانتفائه حتما، حتي مع الجزم ببقاء القوة المدرکة لانکشاف الحقائق، کما هي عليها المستلزم لارتفاع الحکم الظاهري من اندثار الشک في الواقع الذي هو موضوع الحکم الظاهري، والحکم المستفاد في الظاهر المطابق للواقع يزول القطع به أيضا؛ فإن الناشئ من الأدلة والنظر فيها غير الحاصل بالشهود، فافهم مضافا إلي بطلان المبني، فإن جعل الحکم المماثل في مورد الاستصحاب قد أوضحنا في محله فساده، بل لا وجه معقول لفرض الحکم الظاهري مقابل الواقعي المؤدي إلي نوع من التصويب
و منها: أن الموضوع نفس المجتهد، باعتبار الوصف العنواني حيثية تعليلة أو تقييدية و يبطل الثاني الجزم بدخالة الأوصاف النفسانية، کالملکة الاستنباطية والعدالة، سواء اعتبرناها ملکة، کما عليه المعظم أو فسرناها بنفس الاعتدال في السلوک والالتزام بجادة الصواب، کما استصوبه البعض، أوانها عبارة عن رسوخ العقيدة السليمة التي تبعث علي الالتزام بالطاعة والاجتناب عن المعصية و کذلک معظم الشرائط الملتزمة لدي المعظم في حجية الفتوي، کطهارة المولد، والذکورة، والإسلام، والإيمان، والحياة في التقليد البدائي المستدام"
هذا الكلام الفلسفى كله لايفهم القراء منه شىء ولا حتى العلماء لأنه كله خارج عن كلام الله مع أن المسألة تختص بكلام الله أساسا وهو الفتوى
ولخص النجفى كلامه فقال :
"ومجمل القول: مورد الاعتبار الشرعي، إما ذات الفقيه في زمان حصول إذعاناته المستحصلة من الأدلة الشرعية، أي وجوب تقليده في جميع أوقات حصول تلک الاعتقادات لديه، بحيث يکون الحکم مستندا إلي الذات، و تکون تلک الاذعانات مجرد طرف اجمالا، و لا يکون لها دخل أو تأثير في ثبوت الحکم، و هو واضح الفساد
واما أن تکون تلک الإذعانات شرطا من دون أن يکون لها مدخل في الحکم، بحيث يکون مصبه مجموع الذات، و تلک الاعتقادات فتکون جزء الموضوع و من المعلوم أن الموضوع بجميع أجزائه بالنسبة إلي محموله لا بشرط، و هو المعبر عنه لديهم بشرط الوصف، و لا يمانع من التعبير بالحيثية التقييدية بهذا المعني
واما أن يکون الموضوع نفس المجتهد؛ لأجل تلک الاعتقادات، فتکون منشأ للنسبة و علة لها و تدور مدارها و هو وان أمکن تصويره في الأحکام العرفية والعقلانية والعقلية، إلا أن تصويرها في الشرعيات لا يخلو من خفاء، نظرا إلي امتناع إسناد العلية في الأحکام الشرعية والمجعولات الإلهية إلي غيره سبحانه، والصدور ممن خول الأمر إليه منه سبحانه حقيقة مستند إليه تعالي؛ فإن فعل الوکيل أوالنائب في لبه مستند إلي الموکل والمنوب عنه، و ما يصدر من العبد المأمول المطيع بإرشاد المولي واستعباده منه؛ لمصلحته، و تحقيق غرضه مسند إليه
|