عفت هذا التيه
في صحاري الشوق
أتفقد آثار أقدام اللقاء
في دروب الجفاء
لا أذان فيها تسمع لأنين
ولاصوت بها سوى
صدى تكسر أوراق العمر
تحت حوافر السنين
اتسمت نصوصك الأخيرة باستعمال للمجاز بشكل ملحوظ ، وهذا يأتي ردة فعل على الخواطر السابقة ذات الطابع التقريري ، وبلا شك يحسب لك هذا التغير في وتيرة الأعمال التي تكتبينها . كانت لفظة صحاري الشوق معبرة عن هذا الكم من الاتساع والشوق والجفاف أي عدم الاستجابة وقد أحسنت صنع مراعاة انظير وتكامل البيئة التشبيهية مثل أتفقد آثار أقدام اللقاء ،فتشبيه اللقاء بالإنسان ذي القدم يعطي النص معنى جماليًا أكثر فرادة وأنسنة الأشياء تزيد من جمال معناها ، والسطر التالي لها في دروب الجفاء كانت تقفية (لقاء-جفاء) أتت جيدة في صالح النص على عكس المتوقع واكتملت البيئة التشبيهية بكَون هذه الدروب التي تمشي عليها دروب جفاء وإن كانت لفظة صحاري تدل على ذلك ، لكن أتت كلمة جفاء لتؤكد هذا المعنى وقد يراها البعض زائدة لكنها على كل حال ليست مزعجة أو مقحمة في النص ولها ما يبررها .
وكذلك حوافر السنين كان تعبيرًا عظيمًا مؤلمًا للغاية وتكامل البيئة التشبيهية جعل لهذه الحوافر صفة الدهس (يدوس الشيء)كانت الاستعارة فيه فاعلة للغاية في النص وجعلت للسنين شكل الخيل التي تدوس ، لاسيما وأنهما يشتركان في سمة السرعة والقوة (الألم) فالخيل تدوس بقوة والزمان يؤلم والخيل تمر بسرعة والأحداث المؤلمة تتوالى بسرعة.
لكن لفظة صدى تكسر أوراق العمر أتت - في رأيي - مبالغًا فيها وكانت استعارات متتابعة متلاحقة مرهقة للقارئ. نعم إن لغة المجاز مطلوبة لكن لا يصح أن تأتي بإسراف .تكسر أوراق العمر شبهت فيها العمر بالشجرة لكن الخطأ هو في جانب منطقي يتعلق بالتكسر ، فأوراق الشجر مهما كانت يابسة فصوت تكسرها ليس بما يحدث الصدى وبالتالي كان استخدامك لها فيه نوع من المبالغة التي توصف بالاستحالة الحسية.
غريبة، أصبحت أنا عني
هذا التكوين للجملة غير مستساغ إلا في الشعر ولكن هناك ما يسمى بالحكمة من التقديم والتأخير ، فقد قدمت كلمة (غريبة) عن الضمير(أنا)وهذا أتى لتفيد أن الغربة قد استحوذت عليك حتى صرت تقدمينها عن نفسك ، وكأن الغربة قد أصبحت أشهر من الاسم الذي يختزله الضمير (أنا) لذلك كانت كلمة أنا متأخرة لتعبر عن فقدان الإنسان كينونته وأنه استحال غربة قبل أن يكون إنسانًا . تعبير غريبة عني بدلاً من غريبة عن نفسي عبر عن امتزاج الأنا بالذات لذلك تبدو الغربة عنها أكثر إيلامًا .عمومًا وإن كان التركيب غير معتاد إلا أن المعنى الذي يختبئ فيه وصلني وإن كنت لا أستحسن تكرار ذلك تحاشيًا للإفراط في المخالفة اللغوية.
أقلب طرفي في السماء
أتذكر تفاصيل ملامحي
فلا أجد إلا مقلاً مبللة
بذكريات الحرمان
جميل أنك جعلت ذكريات الحرمان مقابلة للدموع كأنك من شدة الضعف لا تقدرين أن تقولي إنني أدمع .
وبقايا بعض حلم تحت أجفان
كذلك التراتبية في التركيب بقايا الحلم فهذا التعبير عن التلاشي والضآلة كان جيدًا إذ أن الموجود ليس البقايا وإنما بقايا البعض وكأنما البقايا شيء يتفاضل فيه فيكون منه الكثير والقليل
وظلال سؤال العقل
مقحم هذا التعبير ،أنت تقصدين سؤال يلقي بظلاله لكن هذا التركيب غير مستساغ لأنه يؤدي إلى نوع من الغموض في المعنى .
يوم تمرد على طيش الفؤاد
وغرور قلب يجر أذيال خيبة
وجرح وخذلان
تعبيرات عادية لم تضف إلى العلم ولم تنقص منه شيئًا .
فإنحني ياقلب على الركب
الرَكْب أم الرُكَب ؟ تعبير أيضًا غير مستساغ لانعدام وجه الشبه بين المشبه
والمشبه به.
وإلق عنك أكاذيب الوعود
وإغسل البدن
بماء العين
علَّ همك تفتته ملوحة الدمع
فيواريه التراب
أو تبكيه السحاب
تعبيرات غير متناسقة نظرًا لأن الدموع لا تغسل الجسم بل العين فقط ، كذلك تبكيه السحاب هي جملة للقافية فقط وإذا كانت السحاب تبكي الهم فإن ذلك سيزيد من مأساة الحالة لذلك كان الأولى حذفها .
وإعترف بعدها
وإنحت يا قلب على جدار الروح
إخترت العدم
وخانتني القدم
جميل لفظ جدار الروح إذ الروح شيء محسوس والجدار ملموس وهذا يعبرعن جمود الحياة حتى يغدو الروح شيئًا مما يجمُد ،
لكن التقفية لم تكن مفيدة .
وإذكر
وذكِّر الذكرى
فلربما
عاودتك
حمى الأمل
وحنين .... لسفر
نهاية عادية ليس فيها ما يحسب لك ولا ما يحسب عليك . عمومًا النص جميل للغاية وإن كانت عليه بعض المآخذ والنصان السابقان كانا أفضل منه بكثير ، ولكن يحسب لك أنك انتحيت منحى كثير المجازات ومتعدد الصور وكان لحضور الإيقاع في العمل والقافية دور ربما يصبح إيجابيًا بعد ذلك بإذن الله مع تكرار القراءة والمطالعة.
عمل جيد أحييك ِ عليه ودمت مبدعة إيناس .. راقية الإحساس
أسيرة وعد
النمط الخطي
