فكلام ابن الجوزي في أسباب النزول شمل أكثر ما يقع للمسلمين من أحوال في الثغور في وقتنا هذا: فالأهل والمال اللذان يمنعان المسلم من الجهاد وكثير من العبادات التي يزعم بعض الناس أنها أفضل من الجهاد في هذا الزمان والقومية والقبلية وأهل الردة الذين يتحفظ البعض عن قتالهم والمجاهدون الذين خرجوا من ديارهم لنصرة المسلمين في الثغور يزعم بعض أهل تلك البلاد أنه لا يجوز معاونتهم على قتل أهليهم وهم كفار وهذه هي عظمة القرآن الذي يصف في طياته دقائق الأمور والأحوال في كل زمان ومكان "
وأسباب النزول المحكية سابقا لا يصح منها شىء فالآية تحدث الرسول(ص) عن عادة الأقوام المسلمة كلها فى عصره وقبله وما بعده وهى " لا تجد قوما يؤمنون بالله"ولا تحدثه عن أهل عصره المرمنين فقط ومن ثم فليس لها سبب نزول لأنها إخبار عن عمل المسلمين فى مختلف العصور فى حالة كفر أقاربهم وحربهم لهم
وتحدث المؤلف عن أن السياق يقتضى قطع أواصر القربى مع الأقارب الكفار دون تحديد لماهيتهم مع أن الآية حددتهم بالمحادين وهم المحاربين لله فقال :
"إن في السياق القرآني تجريد المشاعر والصلات في قلوب الجماعة المؤمنة، وتمحيصها لله ولدين الله؛ فيدعو إلى تخليصها من وشائج القربى والمصلحة واللذة، ويجمع كل لذائذ البشر، وكل وشائج الحياة، فيضمنها في كفة، ويضع حب الله ورسوله وحب الجهاد في سبيله في الكفة الأخرى، ويدع للمسلمين الخيار ويستخلص المرء من حديث النبي (ص)هذا المعنى، فقد قال النبي (ص)"من خير معاش الناس لهم رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه، كلما سمع هيعة أو فزعة طار على متنه يبتغي القتل أو الموت مظانه " (مسلم)، فكأن هذا الرجل ممسك بعنان فرسه بيمينه، وجاعل الدنيا وجميع ما فيها بشماله، ثم إذا دعى داعي الله ألقى ما في شماله وطار على متن فرسه، فالدنيا كلها لا تساوي عنده تلك الهيعة أو الفزعة، فيطير في لمح البصر، يطير ولا يمشي أو يزحف!!""
والحديث السابق لا يصح فهو دليل على عشوائية الجهاد ,انه غير منظم فهذا الرجل يذهب لأى مكان للجهاد بينما الله نظم الجهاد فأمر بوضع كل مجاهد فى مكان تجاه العدو فقال :
" واقعدوا لهم كل مرصد "
والحديث هو ضحك على الناس فذلك المجاهد المزعوم ليس له بيت ولا أهل ولا غيرهم فهو راكب ليل نهار على فرسه يسمع الأخبار وهو كلام يتناقض مع وجود بيت وأهل لكل مسلم لهم حقوق أيضا
وذكر المؤلف آيات أخرى فى الموضوع فقال :
"{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون * قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم، وأموال اقترفتموها، وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله، فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين}
إن هذه العقيدة لا تحتمل لها في القلب شريكا؛ فإما تجرد لها، وإما انسلاخ منها وليس المطلوب أن ينقطع المسلم عن الأهل والعشيرة والزوج والولد والمال والعمل والمتاع واللذة؛ ولا أن يترهبن ويزهد في طيبات الحياة كلا، إنما تريد هذه العقيدة أن يخلص لها القلب، ويخلص لها الحب، وأن تكون هي المسيطرة والحاكمة، وهي المحركة والدافعة فإذا تم لها هذا فلا حرج عندئذ أن يستمتع المسلم بكل طيبات الحياة؛ على أن يكون مستعدا لنبذها كلها في اللحظة التي تتعارض مع مطالب العقيدة
ومفرق الطريق هو أن تسيطر العقيدة أو يسيطر المتاع؛ وأن تكون الكلمة الأولى للعقيدة أو لعرض من أعراض هذه الأرض فإذا اطمأن المسلم إلى أن قلبه خالص لعقيدته فلا عليه بعد هذا أن يستمتع بالأبناء والأخوة وبالزوج والعشيرة؛ ولا عليه أن يتخذ الأموال والمتاجر والمساكن؛ ولا عليه أن يستمتع بزينة الله والطيبات من الرزق - في غير سرف ولا مخيلة - بل إن المتاع بها حينئذ لمستحب، باعتباره لونا من ألوان الشكر لله الذي أنعم بها ليتمتع بها عباده، وهم يذكرون أنه الرازق المنعم الوهاب
{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان} هكذا تتقطع أواصر الدم والنسب، إذا انقطعت آصرة القلب والعقيدة وتبطل ولاية القرابة في الأسرة إذا بطلت ولاية القرابة في الله فلله الولاية الأولى، وفيها ترتبط البشرية جميعا، فإذا لم تكن فلا ولاية بعد ذلك، والحبل مقطوع والعروة منقوضة
{ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون} و {الظالمون} هنا تعني المشركين فولاية الأهل والقوم - إن استحبوا الكفر على الإيمان - شرك لا يتفق مع الإيمان
ولا يكتفي القرآن بتقرير المبدأ، بل يأخذ في استعراض ألوان الوشائج والمطامع واللذائذ؛ ليضعها كلها في كفة ويضع العقيدة ومقتضياتها في الكفة الأخرى: الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة (وشيجة الدم والنسب والقرابة والزواج) والأموال والتجارة (مطمع الفطرة ورغبتها) والمساكن المريحة (متاع الحياة ولذتها) وفي الكفة الأخرى: حب الله ورسوله وحب الجهاد في سبيله الجهاد بكل مقتضياته وبكل مشتقاته الجهاد وما يتبعه من تعب ونصب، وما يتبعه من تضييق وحرمان، وما يتبعه من ألم وتضحية، وما يتبعه من جراح واستشهاد وهو - بعد هذا كله - "الجهاد في سبيل الله" مجردا من الصيت والذكر والظهور مجردا من المباهاة، والفخر والخيلاء، مجردا من إحسان أهل الأرض به وإشارتهم إليه وإشادتهم بصاحبه وإلا فلا أجر عليه ولا ثواب
{قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها، وتجارة تخشون كسادها، ومساكن ترضونها، أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره }
ألا إنها لشاقة ألا وإنها لكبيرة ولكنها هي ذاك وإلا {فتربصوا حتى يأتي الله بأمره}، وإلا فتعرضوا لمصير الفاسقين {والله لا يهدي القوم الفاسقين}
وهذا التجرد لا يطالب به الفرد وحده، إنما تطالب به الجماعة المسلمة، والدولة المسلمة فلا يجوز أن يكون هناك اعتبار لعلاقة أو مصلحة ترتفع على مقتضيات العقيدة في الله ومقتضيات الجهاد في سبيل الله
وما يكلف الله الفئة المؤمنة هذا التكليف، إلا وهو يعلم أن فطرتها تطيقه - فالله لا يكلف نفسا إلا وسعها - وإنه لمن رحمة الله بعباده أن أودع فطرتهم هذه الطاقة العالية من التجرد والاحتمال؛ وأودع فيها الشعور بلذة علوية لذلك التجرد لا تعدلها لذائذ الأرض كلها لذة الشعور بالاتصال بالله، ولذة الرجاء في رضوان الله، ولذة الاستعلاء على الضعف والهبوط، والخلاص من ثقلة اللحم والدم، والارتفاع إلى الأفق المشرق الوضيء فإذا غلبتها ثقلة الأرض ففي التطلع إلى الأفق ما يجدد الرغبة الطامعة في الخلاص والفكاك (انتهى مختصرا من الظلال)"
الكلام السابق والتالى يتناول المسألة تناولا مختلا فهو يتحدث عن الكفار وكأنهم جميعا شىء واحد مع أن الله فرق بين حالتين :
الأول الكفار المحاربين وهو على أنواع :
1- من يقاتلوننا مباشرة
2- من يظاهرون العدو المقاتل علينا وهؤلاء من سأل عنهم السائل فهؤلاء أقاربنا وغير أقاربنا الذين يساعدون العدو المقاتل بأى وسيلة كنقل الأخبار أو تموينهم بسلاح او مال أو مساعدتهم على التخفى فى أراضينا وغير ذلك من أعمال الخيانة
3- المخرجين وهم الطاردين للمؤمنين من بيوتهم
وفيهم قال تعالى :
"إنما ينهاكم عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون"
الثانى الكفار الذين لا يقاتلون المسلمين ولا يطردوهم من بيوتهم ولا يساعدوا المحاربين عليهم وفيهم قال تعالى :
" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم والله يحب المقسطين"
هؤلاء يتم التعامل معهم بالعدل وهو الإحسان لأنهم لا يؤذوننا بأى صورة من الصور
|