قال أحمد: وهكذا أقول، قيل له: فيمسك عن شعره وأظفاره؟ قال: نعم، كل من أراد أن يضحي، فقيل له: هذا على الذي بمكة؟ فقال: لا، بل على المقيم.
قيل له: إن قتادة يروي عن سعيد بن المسيب: (أن أصحاب النبي (ص) كانوا إذا اشتروا ضحاياهم أمسكوا عن شعورهم وأظفارهم إلى يوم النحر)، فقال: هذا يقوي هذا، ولم يره خلافا ولا ضعفه.
والقول بتحريم الأخذ من الشعر والظفر لمن أراد أن يضحي: من مفردات الإمام أحمد.
ثم أخذ بهذا القول بعد ذلك: أبو جعفر الطحاوي في آخر قوليه، وأهل الظاهر متمثلين بداود وابن حزم.
وخلاصة تاريخ هذه المسألة:
يمكن اعتباره بسعيد بن المسيب الذي روى حديث الباب، وأفتى بموجبه، وكان مشهورا عنه دون غيره، ثم خمل هذا القول، ولا يكاد يضاف إلى أحد بعده إلا ما قيل عن ربيعة الرأي، أما فقهاء المدينة ومكة والكوفة ومصر فلم يقولوا بمقتضاه من الحظر، وينبغي أن يشار هاهنا أن القول بالكراهة يندرج في الجواز، ثم اشتهر القول بالحظر عن أحمد وإسحاق به، ثم أهل الظاهر، ووافقهم عليه الطحاوي في آخر قوليه"
مما سبق يتضح اختلاف القوم وتناقضهم وكل منهم لا يستند على وحى الله وإنما يستند على روايات والروايات المذكورة لم يذكر المؤلف أسانيدها وهل فيهم مجروح متكلم فيه وإنما اكتفى بكونه مرفوعا أو موقوفا
ثم ذكر المؤلف روايتان عن عائشة وأم سلمة فقال :
"حديث عائشة ؛ هل يعارض حديث أم سلمة؟
عن عائشة قالت: «فتلت قلائد بدن النبي (ص) بيدي, ثم قلدها, وأشعرها, وأهداها, فما حرم عليه شيء كان أحل له»، وفي رواية: «ثم لا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم».
قال ابن عبد البر: في حديث عائشة أيضا من الفقه ما يرد حديث أم سلمة ويدفعه.
وبين ذلك الشافعي فقال: البعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية, فدل على أنه لا يحرم ذلك.
وقال الماوردي: لما أهدى رسول الله (ص) إلى الحرم هديا, ولم يحرم على نفسه شيئا: كان غيره أولى إذا ضحى في غير الحرم.
وذكر الطحاوي: أن مجيء حديث عائشة أحسن من مجيء حديث أم سلمة , لأنه قد جاء متواترا، وحديث أم سلمة لم يجئ كذلك, بل قد طعن في إسناده, فقيل: إنه موقوف على أم سلمة .
لكن أجاب الحنابلة والظاهرية والطحاوي عن حديث عائشة :
1. بأنه عام، وحديث عائشة خاص في محل النزاع، فيقدم في موضعه، ويحمل حديث عائشة على ما لا يتناوله حديث أم سلمة من الجماع والطيب ونحو ذلك.
2. أن عائشة تخبر عن فعله (ص) وأم سلمة تخبر عن قوله (ص) والقول يقدم على الفعل, لاحتمال أن يكون فعله خاصا به.
3. أن عائشة تعلم ظاهرا ما يباشرها به (ص) من المباشرة, أو ما يفعله (ص) دائما, كاللباس والطيب, فأما ما يفعله نادرا, كقص الشعر وقلم الأظافر مما لا يفعله في الأيام إلا مرة, فالظاهر أنها لم ترده بخبرها. وإن احتمل إرادتها إياه: فهو احتمال بعيد, وما كان هكذا: فاحتمال تخصيصه قريب, فيكفي فيه أدنى دليل, وخبرنا دليل قوي, فكان أولى بالتخصيص.
4. حمل حديث عائشة على أمر خاص, وهو من بعث بهديه, وأقام في أهله: فلا يكون محرما, ولا يحرم عليه, وقالوا: إن حديث عائشة رد على من يقول بأنه يكون بذلك الإرسال محرما.
5. أن خبر أم سلمة صريح في النهي, فلا يجوز تعطيله أيضا, فأم سلمة تخبر عن
قوله وشرعه لأمته, فيجب امتثاله, وعائشة تخبر عن نفي مستند إلى رؤيتها, وهي إنما رأت أنه لا يصير بذلك محرما, يحرم عليه ما يحرم على المحرم, ولم تخبر عن قوله: إنه لا يحرم على أحدكم بذلك شيء, وهذا لا يعارض صريح لفظه.
6. أنه يجب حمل حديث عائشة على غير محل النزاع, وذلك لأن النبي (ص) لم يكن ليفعل ما نهى عنه وإن كان مكروها.
- قلت: أما حديث أم سلمة إذا ثبت مرفوعا فلا شك بأنه خاص بصورة محل النزاع، فتقديمه أولى، ويبقى الكلام بعد ذلك في درجة النهي في التحريم أو الكراهة.
ولذا فأهم نقطة في المسألة هي: الفراغ من الموقف من حديث أم سلمة هل هو مرفوع أو موقوف؟
الترجيح:
الذي يظهر لي والعلم عند الله هو أن الحديث موقوف على أم سلمة للأسباب التالية:
- أن القول بالوقف معتضد بتصريح سعيد بن المسيب الذي عليه مدار الحديث: أن معتمده في الفتوى هو قول الصحابة، ولو كان عنده شيء مرفوع لما كان لاحتجاجه بأقوال الصحابة معنى، فصاحب الدليل الأقوى لا يستدل بالأدنى.
- أنه مخالف للقياس، وقد فطن لهذا عكرمة لما أخبر بفتوى سعيد بن المسيب، فقال: ألا يجتنب النساء والطيب؟! ولم يفسر القائلون بالتحريم وجه الحظر في الحديث بمعنى من النظر، أما التشبه بالمحرم فهو منقوض بإجماعهم على عدم اجتنابه للنساء والطيب.
قال الإمام ابن عبد البر: قد أجمع العلماء على أن الجماع مباح في أيام العشر لمن أراد أن يضحي, فما دونه أحرى أن يكون مباحا.
وقال الخطابي: في حديث عائشة دليل على أن ذلك ليس على الوجوب ... وأجمعوا أنه لا يحرم عليه اللباس والطيب كما يحرمان على المحرم فدل ذلك على سبيل الندب والاستحباب دون الحتم والإيجاب.
- أنه مخالف لعموم حديث عائشة ؛ فإن البعث بالهدي هو أكثر من مجرد التضحية؛ حتى وقع خلاف قديم في كونه يجتنب ما يجتنب منه المحرم.
- أن حديث أم سلمة لم يجيء مجيء حديث عائشة الذي تواتر عنها.
- حديث أم سلمة وإن كان أخص في محل النزاع إلا أنه مختلف في رفعه ووقفه، فيكون عموم حديث عائشة قرينة على عدم صحة رفع حديث أم سلمة، لاسيما مع قوة العموم الوارد في الحديث وتأخره، فقد كان في السنة التاسعة قبل حجة الوداع بسنة واحدة، ولا يصح حمله على أنه لم يضح في تلك السنة لأنه عليه الصلاة والسلام لم يترك التضحية أصلا.
- يعضد القول بمقتضى عموم حديث عائشة أن فقهاء الأمصار على ذلك، حتى حكى الليث بن سعد أن هذا الحديث وإن روي إلا أن الناس على غيره.
- حاول الشافعي بعد ذلك أن يجمع بين الحديثين بالقول بالكراهة، ثم جاء بعده أحمد فجزم بالحظر، ووافقه إسحاق، ثم أهل الظاهر.
- الدراسة التاريخية للمسألة تفيد في تحديد تطور الأقوال، وانقساماتها، وتكشف عن أسباب حدوث ذلك"
وانتهى المؤلف للتالى :
"خلاصة الخلاصة:
حديث عائشة أرجح من حديث أم سلمة سندا ومعنى وعملا"
والغريب فى أمر الفقهاء هو أنهم تركوا كتاب الله واعتمدوا على روايات متناقضة لا يمكن أن يكون الرسول(ص) قالها أو عمل بها
والمسألة واضحة فلا يوجد شىء اسمه الأضحية فى الوحى فما ذبح عن إسماعيل(ص) كان فداء وليس تضحية لقوله تعالى :
"وفديناه بذبح عظيم"
والأضحية فى المعنى المتعارف تعنى إما الهدى الذى يسوقه الحجاج وإما الذبائح التى يذبحها غير الحجاج فى نفس وقت ذبح هدى الحجاج وهى صدقة ليس إلا أو هدية حسب نية الذابح
فالهدى إن اعتبرناه هو الأضحية مكان ذبحه هو المشعر الحرام فى الكعبة لقوله تعالى"هديا بالغ الكعبة"والذبائح فى البلاد المختلفة لا تذهب للشعر الحرام
ومن ثم لا يمكن اعتبار تلك الذبائح أضاحى على الإطلاق ومن ثم لا ينطبق على أصحابها ما ينطبق على الحجاج
والحجاج جعل الله من المحرم عليهم قص الشعر وهو يشمل كل ما يطول فى الجسم إلا بعد وصول الذبائح للمشعر الحرام فقال :
"ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله"
ومن ثم اتضح أن أصحاب الذبائح من غير الحجاج ليس محرم عليهم شىء
|