الأمية فى عصر النبوة
للأمية فى عصر النبوة بصمات هامة على مسيرة الدعوة الإسلامية ، فأول هذه البصمات ، هى أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم .
لقد كانت أميته دعما له عليه السلام فى إقامة الحجة على المعاندين ، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى ذلك فى القرآن الكريم إذ قال "وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ {48}" سورة العنكبوت ، كما أشار القرآن له فى عدة آيات بأنه النبى الأمى ، ونحن ندعو ونذكر أميته حتى لا تغيب عنا المعجزة وننساها ، وليطمئن قلبنا بأن الله سبحانه هو المربى وهو الذى يعلم من يجتبيه من الرسل .
حياة الرسول قبل البعثة ، كانت مكشوفة أمام معاصريه ، فهو لم يتعلم الكتابة ، ولم يغيب عن أعينهم ليتعلمها ، وحتى لو غاب عن أعينهم وتعلمها لظهر ذلك عليه قبل البعثة . فكيف لأمى أن يأتى بهذا الكتاب المعجز المفصل ، الذى يتكلم فى كل شئ ، ويصف الجنة والنار وهول يوم القيامة والحساب ، ويصف النفوس البشرية بمنتهى الدقة وما تحب النفس وما تكره مما لا يطلع عليه إلا المحيط بهذه النفس ، ويضع المواريث ويقسمها إلى النصف والثلث والربع والسدس ، فكيف لأمى أن يعرف هذه المقاييس ويطبقها بمنتهى العدل بين الورثة ... ثم يناقش القرآن الكريم ، مشاكل المجتمعات ويضع لها الحلول التى ثبت أن الحياد عنها مهلك للأمة ، فها نحن نرى الآفات تجتاح أمتنا لأنها ابتعدت عن منهج الله وحق له سبحانه أن يقيض لها شيطان لأنها عشت عن ذكره "وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ {36} سورة الزخرف" .
لقد كانت أميته عليه السلام حجة على معاصريه ، ولذلك آمن به ذوا الحجى ، وكانت هذه الأمية سببا لأن يفكر فيها آخرون ليسلموا بعد حين ، كما كانت حجة على من جحدها يواجه بها يوم القيامة . وهكذا قسمت أميته البشر إلى (السابقون .. وأصحاب اليمين .. وأصحاب الشمال ) .
الأثر الثانى للأمية ، هو أمية الأمة ، فقد كانت الأمة كما ذكر رسول الله فى حديث صيام رمضان بأننا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب . هذه الأمية قد أفادت كثيرا فى جمع القرآن الكريم ، فكما كان معروفا عن العرب فى الجاهلية بأنهم نظرا لأميتهم ، فقد كانوا يعتمدون على الذاكرة والحفظ ، فكانوا يحفظون القصائد الطويلة ، ويحفظون الأنساب ، وكانت الذاكرة تقوم مقام الكتابة وأصبحت ملكة مميزة لهم .
هذه الأمة الأمية هى التى اختارها الله "وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ {124}" سورة الأنعام ، لتكون حاضنة لكتابه حافظة له إلى أن يجمع من الصدور ، فجمعه الأول حدث حينما استحر القتل فى الحفظة فى معركة اليمامة ضد المرتدين ، مما حدا بأبى بكر رضوان الله عليه أن يستدعى زيد بن ثابت لجمعه فى المصاحف .
وهكذا سخر الله أمية الأمة لحفظ كتاب الله فى عهد النبوة .
كما أن أمية الأمة كانت رخصة للرؤية البصرية للأهلة فى تحديد أوائل الشهور ، وبعد انتفاء الأمية ، رجعت الأمة فى تحديدها للحساب الذى كما أشار رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه الأصل فى الرؤية ، فالرؤية إما أن تكون بصرية أو استدلالية كما ورد بآيات عدة فى القرآن الكريم . "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ " .
(الأمية فى عصر النبوة) !!!
النمط الخطي
