احتلال المقدسات الثلاثة :
مكة المكرمة وفيها الكعبة والمسجد الحرام .
والمدينة المنورة وفيها مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والقدس الشريفة وفيها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين .
فعلى عكس ما هو شائع ومعروف من أن القدس كانت أول المقدسات ذهابا وذلك سنة 1967م . وأن مكة والمدينة وجزيرة العرب عقر دار الإسلام قد وضعت تحت نفوذ الأمريكان وقوات التحالف الصليبي التي أطبقت عليها إبان حرب الخليج الثانية سنة1991م. ثم الثالثة سنة 2003م.
فإن الحقيقة أن مكة والمدينة كانت قد ذهبت ووضعت تحت نفوذ الصليبيين قبل ذلك بكثير. وأن ذهاب القدس كان تبعا لذهاب مكة قبله. وأن قوى الردة التي سيطرت على مكة كانت صاحبة دور أساسي في ذهاب القدس على أربعة مراحل رئيسية, وهي: (1936- 1947 -1967- 2002)م.
وذلك أن بريطانيا الإمبراطورية كانت قد احتلت منذ مطلع القرن السادس عشر وعبر القرون الثلاثة التي تلته كثيرا من أطراف العالَم الإسلامي , وبسطت سيطرتها المباشرة عليها , ومنها أطراف جزيرة العرب (سواحل اليمن وعمان وإمارات الخليج والكويت)
وقد تنبهت بريطانيا لما تشكله بلاد الحجاز من قدسية لدى المسلمين وما تميزت به بلاد نجد من الاستقلال الذاتي حتى عن مركزية الخلافة العثمانية . فعمدت إلى مكر خبيث منذ مطلع القرن التاسع عشر من أجل السيطرة عليها. وذلك بالتعاون مع عميلهم الأكبر عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الثالثة الحالية . حيث كان والده عبد الرحمن وأسرته وأولاده قد لجؤوا إلى الكويت فارين من نجد بعد انهيار الدولة السعودية الثانية.
تلقفت وزارت المستعمرات البريطانية بإشراف مندوبها وعميلها الجديد عبد العزيز آل سعود سنة (1898م) وكان قد جاوز العشرين من عمره بقليل, ورأت صلاحيته للمهمة التي نفذتها بحذاقة . فقدمت له الدعم العسكري والذهب البريطاني, وأوحى إليه مستشاروه باستغلال الدعوة الوهابية وحماس دعاتها المجاهدين من (الإخوان) .
وتمكن عبد العزيز من السيطرة على الرياض ثم نجد عبر عدة حملات منذ (1902م) ثم وقع الخيار من قبل بريطانيا عليه لمشروعها في جزيرة العرب , بعد أن خدعت ( الشريف حسين ) عميلها الآخر في الحجاز . وتمكنت بريطانيا من إعلان عبد العزيز سلطانا على نجد والحجاز, بعد أن ضموا إليها مناطق نجران اليمنية , سنة (1932م) . حيث عقدوا معه صك ضمان لملكه لتلك البلاد تحت المسمى الجديد الذي أقامته بريطانيا وهو (المملكة العربية السعودية) .
وضمنت بموجب ذلك بريطانيا العرش لعبد العزيز وأولاده من بعده مقابل نفوذها على تلك البلاد , وأخذت عليه ألا يعقد عقدا ولا يبرم أمرا ولاسيما في علاقاته الخارجية بغير إذنها ومشورتها . وقد أصبحت هذه الاتفاقيات الآن وثائق منشورة معروفة تناولتها الكتب التي أرخت لتلك الفترة , وهي مثبتة فيما نشر من وثائق وزارة الخارجية البريطانية التي تنشر بعض أرشيفها كلما مر عليها ثلاثين سنة.
وبقيام حكم عبد العزيز آل سعود وسيطرته على بلاد الحجاز بعد المذابح التي أقامها جيشه بمساعدة الطيران الإنجليزي ( للإخوان ) في معركة (السبيلة) , قضى على قوى الخير التي أوصلته إلى الملك بعد أن خدعها بتبنيه المزعوم للدعوة الوهابية . وهكذا صفا الجو لعبد العزيز وأولاده من بعده , ليضعوا مقدرات الأمة المالية ومقدساتها الدينية تحت هيمنتهم وسلطانهم الذي تعهدوا أن لا يخرجوا فيه عن مشورة التاج البريطاني.
منذ ذلك الحين ومكة والمدينة وجزيرة العرب تحت سيطرة الإنجليز. ومن ثم الأمريكان الذين ورثوا العرش السعودي ونفط جزيرة العرب والإشراف على مكة والمدينة ضمن ما ورثوه من ممتلكات التاج البريطاني بعد الحرب العالمية الثانية (1945م) التي أزالت سيادة أوروبا الاستعمارية , لتتقاسمها سيادة أمريكا وروسيا. وكانت جزيرة العرب وأمراء محمياتها البريطانية ومنهم آل سعود ضمن ما ورثت أمريكا من بريطانيا . والتقى الرئيس الأمريكي ( روزفلت ) بالملك (عبد العزيز) على ظهر سفينة حربية أمريكية بعد الحرب العالمية الثانية. ونقلت في ذلك اللقاء كفالة ذلك العرش السعودي الخائن إلى الأمريكان بعد البريطانيين مقابل سمعهم وطاعتهم , فصار يتلقى المدد من الأسياد الجدد (الأمريكان) , ويعطيهم الولاء كما كان الحال مع أسلافهم الإنجليز.
ومما نشر من وثائق تلك المرحلة موافقة عبد العزيز على برامج الإنجليز في الهجرة الصهيونية إلى فلسطين وعدم الاعتراض على إعطائها لليهود . وموافقته على وعد بلفور.
وفي عام (1936م) قامت الثورة الكبرى التي أشعلها الشيخ عز الدين القسام رحمه الله في فلسطين ضد المستوطنين اليهود , الذين بدؤوا يزحفون على فلسطين بإشراف الإنجليز الذين كانوا قد تعهدوا بإعطاء فلسطين وطنا قوميا لليهود عبر وعد "بلفور" رئيس وزراء بريطانيا سنة(1917م). وعجزت بريطانيا عن إخماد الثورة , فاستنجدت بعميلها (الملك عبد العزيز), الذي أرسل ولده ووزير خارجيته (فيصل) ليتحايل على عرب فلسطين وزعماء ثورة (1936م) , من أجل إيقافها بعد أن كفل لهم وفاء (صديقتنا بريطانيا) على حد وصفه , فأوقفت الثورة ثم أخمدت , وكان ذلك أول خطوات ضياع القدس .
ثم أشرفت الجيوش العربية السبعة وحكام بلادها على الانسحابات الشكلية للجيوش العربية بإشراف بريطانيا , لتقوم على إثر تلك الهزائم المبرمجة دولة إسرائيل سنة (1947م) على أكثر أرض فلسطين , وليضيع معها النصف الغربي للقدس .
وعبر مؤامرة شبيهة سنة ( 1967م) تَمّ لإسرائيل احتلال القدس الشرقية وفيها مسجد الصخرة والمسجد الأقصى ضمن ما احتلت من الضفة الغربية وأجزاء من سوريا ومصر والأردن.
ثم تتالت فصول المؤامرة - وليس هذا الكتاب محل تفصيلها - لتمر بمحطة مؤتمر مدريد للسلام سنة (1991م) من أجل التطبيع مع اليهود حيث شاركت فيه السعودية وصدرت الفتاوى التاريخية بإباحة ذلك والتدليل عليه بالآيات والأحاديث من قبل هيئة كبار العلماء في السعودية ورئيسها - أبوهم الوالد - الشيخ (عبد العزيز بن باز) . بعد أن كانوا قد أفتوا بإباحة دخول جيوش الصليبيين الأوربيين والأمريكان لجزيرة العرب بدعوى ضرورة مواجهة خطر صدام حسين !
ثم تابع قطار المؤامرة والكوارث مسيره ليصل إلى (مبادرة الأمير عبد الله بن عبد العزيز) ولي العهد السعودي , والحاكم الفعلي الحالي للرياض أواسط عام (2002م) ليعرض التطبيع الكامل مع اليهود والاعتراف بإسرائيل مقابل إعادة ما احتلته سنة (1967م) متنازلا عن باقي فلسطين ! ولينعقد مؤتمر القمة العربي الذي حول مبادرته إلى مشروع عربي كان الغرض منه إجهاض الانتفاضة التي انطلقت بعنف وقوة في رجب ( 1423هـ) أي قبل المبادرة بسنة . وقام (سعود الفيصل ) وزير خارجية السعودية بتسويق المبادرة عربيا وعالميا ليكمل ما قام به أبوه وعمه وجده من قبل .. رغم أن إسرائيل قبلت نصف المبادرة ( التطبيع والاعتراف بها ) ورفضت نصفها ( الانسحابات مما احتلته سنة 1967) وتوجت ذلك بالإطاحة بالسلطة الفلسطينية وإعادة احتلال ما خولتها إياه من الضفة الغربية وقطاع غزة. وصعدت مجازرها للفلسطينيين منذ ذلك الحين.
وخلال تلك السنيين وفي أواخر (1990م) وأوائل (1991م) زحفت جيوش التحالف الدولي وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا لتنـزل في جزيرة العرب مليون جندي بمعداتها وآلياتها العسكرية وبوارجها وطائراتها تحت ستار تحرير الكويت ليبدأ الاحتلال والتمركز المنظم للأمريكان والهجمة الصليبية الحديثة على الشرق الأوسط ( جزيرة العرب والشام ومصر والعراق ). وهكذا وضعت مقدسات المسلمين الثلاثة (مكة والمدينة وبيت المقدس) تحت الاحتلال الصليبي المباشر بإشراف حكام آل سعود وأمراء جزيرة العرب التي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوصي المسلمين وينشدهم بقوله ( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ). وبوجود ( القدس ) تحت احتلال اليهود بمساعدة الأمريكان وتعهد الإنجليز تكون مقدسات المسلمين الثلاثة قد وضعت تحت احتلال اليهود والصليبيين , وهذا من أظهر مظاهر فساد الدين لدى المسلمين الذين خلوا بين أعدائهم وأقدس مقدساتهم وللأسف.
|