العودة   حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة الفـكـــريـة

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: الميسر والقمار فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال لغز زانا الأم الوحشية لأبخازيا (آخر رد :رضا البطاوى)       :: Can queen of England? (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: المعية الإلهية فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نقد رسالة في جواب شريف بن الطاهر عن عصمة المعصوم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: عمليات مجاهدي المقاومة العراقية (آخر رد :اقبـال)       :: نظرات فى مقال أسرار وخفايا رموز العالم القديم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال آثار غامضة ... هل هي أكاذيب أم بقايا حضارات منسية؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: خرافة وهم سبق الرؤية .. ديجا فو (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال هستيريا (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 09-02-2014, 03:11 PM   #1
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الإرادة العسكرية في إدارة الدولة

قالوا: المُلْك بالجُند، والجند بالمال والمال بالخَرَاج، والخَراج بالعمارة، والعمارة بالعدل.. وولي العدل الحاكم*1 وقالوا: لا جباية إلا بعمارة، ولا عمارة إلا بعدل وفي السياسة قالوا: بالعدل عمرت الأرض وقامت الممالك.

وكان أرسطو قد لخص ذلك بالقول: (الوطن بستان سياجه الدولة، والدولة سلطان تحيى به النفوس، والسُنة سياسة يسوسها الملك، والملك نظام يعضده الجند، والجند أعوان يكفلهم المال، والمال رزق تجمعه الرعية، والرعية عبيد يكتنفهم العدل، والعدل مألوف وبه قوام الوطن، وهو هكذا متصل ببعضه)*2

والجُند مصطلح يختلف عن العسكر، فالعسكر هم من يحترفون مهنة القتال ويقيمون في قلاع ومعسكرات ويتلقون رواتبهم وأرزاقهم من الدولة، أما الجُند فهم أُناسٌ يتم تجنيدهم في الحروب والقتال، ثم يعودون الى أعمالهم، الطبيب لعيادته والعامل لورشته والمزارع لحقله.

وقد مر على تطور تنظيم الجيوش في المناطق العربية والإسلامية ست مراحل حتى انتهت الى ما هي عليه الآن، ابتدأت المرحلة الأولى من عهد النبي صلوات الله عليه، وانتهت بنهاية العصر الأموي، فكانت القيادة مركزية بيد المركز وقيادات الجيوش(عربية صرفة) تُعين من الرسول أو الخليفة. ثم انتقلت الى شكلٍٍ آخر في العصر العباسي وامتدت الى نهاية حكم الأيوبيين بثنائية عرقية حدث من خلالها تمزيق مراكز القيادة والابتعاد عن الامتثال للخليفة. وفي المرحلة الثالثة: جاءت مع المماليك والعثمانيين لتكوّن حاميات أو قلاع تذود عن البلاد ولا تلتفت الى ما يجري في داخل البلاد. أما المراحل الثلاثة الأخيرة فكانت بعد التعرض للاستعمار الغربي ونيل الاستقلال. *3

في المراحل الثلاث الأولى، كان الحاكم (خليفة، أمير، سلطان) هو من يقود الجيوش، حتى نهاية حكم السلطان (سليمان القانوني)، وبعدها تُرك الأمر لقيادة متخصصة، قد تتحكم في مصير السلطان نفسه، لذلك نرى أن من بين سلاطين العثمانيين الستة والثلاثين، تم عزل أو اغتيال أربعة عشر سلطاناً منهم. وقد يكون هذا الأمر متبعا حتى في عصر العباسيين.

ممن يتكون عسكر اليوم؟

لم تختلف البلدان العربية والإسلامية كثيراً، عن الدول الأخرى في العالم من حيث النظرة الاجتماعية للمكانة التي يُشغلها كبار ضباط وقادة الجيش، فهي كانت حِكراً على أُسر الأشراف من السكان الإقطاعيين والبرجوازيين، وكان للفرسان في أوروبا مكانة عالية.

وقد انتبهت الكثير من الدول، لتنويع أفراد الجيش والقيادات، فكانت روما، مثلاً لا تبقي قائد الجيش إلا لسنة واحدة، ثم تصرفه خارج الجيش خوفا من الطمع في الحكم، حتى جاء يوليوس قيصر بعد أن احتل (الغال: فرنسا اليوم) واقتحم مجلس الشيوخ ونصب نفسه إمبراطوراً على روما..

في بلداننا العربية، بعد أن اعتمدت الدول الاستعمارية أسلوب تنصيب الأقليات (أكراد، أرمن، شركس الخ) في قيادات الجيوش، حتى لا يتعاطف أبناء القبائل مع شعبهم، جرى بعد نيل الاستقلال تنصيب أبناء من القبائل العربية المقيمة كقادة للجيش، وكان الدافع هو نيل رضا القبائل الكبيرة لكي تحمي أنظمة الحكم. ويمر الضباط بمراحل من التصفية حتى يترقى للرتب الأعلى من هو أكثر ولاء وإخلاصا للنظم الحاكمة، أما البقية فتنصرف لأعمال غير مؤثرة كثيراً، كالتموين والنقل ومؤسسات الخدمة الاستهلاكية وغيرها، أو يحالوا الى التقاعد بوقت مبكر.

لم يتذمر أحدٌ من ذلك، فقد يكتفي بما ناله من رعاية صحية وراتب تقاعدي واستفادة من خدمات استهلاكية وسكنية أو تنظيم إعارة لهم في دول تطلبهم الخ.

طموحات العسكر وأهدافهم

كون السُلطة والنظم تقوم بالاعتماد على قوة الجيش والتنظيمات الأمنية الأخرى، فإنه من الطبيعي أن تجتاح عناصر الجيش والأمن مشاعر تجعلهم وكأنهم أصحاب الأيدي العليا في حفظ الأنظمة، ولا بُد لهم من مكافئات تتناسب مع تلك الخدمة الهامة، وطالما أن رؤوس الأنظمة من ملوك وأمراء ورؤساء دول، يعرفون تلك الحقيقة، فإنهم يتعاملوا معها بمنتهى الحذر، فهم يغدقون من رعايتهم لقيادات تلك التنظيمات، ويبثوا العيون من حولهم في نفس الوقت ليتم التأكد والاطمئنان لولائهم. وتلجأ الأنظمة لحماية الأنظمة الأمنية، وتنص الدساتير في كثير من البلدان العربية على استثناء الكتل الأمنية من الملاحقة الإعلامية ومن كشف حساباتهم الخ.

وعندما تختل العلاقة بين رأس النظام وقيادات القوى العسكرية والأمنية، فإن مصير رؤوس الأنظمة لن يكون مأموناً (تركيا، مصر، العراق، سوريا، السودان، اليمن الخ) أمثلة واضحة.

ويُلاحظ المتابع لتطورات الأنظمة العربية، اقتران أسماء الرؤساء برتبة عسكرية (الزعيم فلان، العقيد فلان، الفريق فلان، المشير فلان الخ).

وتلجأ الأنظمة المرتبطة بالعسكر، لبث خطاب يعلن أنهم جاءوا بناءً على طلب الشعب، وأنهم قد اكتشفوا مؤامرات خارجية خطيرة، وأنهم لن يتهاونوا في ملاحقة المتآمرين والخارجين على القانون، ولن يسموا حركتهم في جميع الأحوال بأنها انقلاب بل تصحيح وثورة على المتآمرين.


كيف ينظر الشعب الى تحركات العسكر؟

الشعب له ثلاث مستويات من الدوائر المؤثرة، دائرة العلم (بحوث تطبيقية وبحوث سياسية وفكرية) وهي تلك الممثلة بالجامعات ومراكز الدراسات والمعاهد الأكاديمية العليا؛ ودائرة الفكر وهي التي تحول البحوث الى رؤى فكرية كالصحافة والكتاب والمثقفين والفنانين والمعلمين والإعلام الخ؛ ودائرة الثقافة الشعبية التي تتأثر بعناوين الأحداث دون فهمها فهماً جيداً، فتنجر وتتأثر بفجاجة وتغير مجرى الأحداث حسب قدرة المؤثرين فيها (حالة مصر نموذجا).

ولو أخذنا حالة توجه (السيسي) في مصر لترشيح نفسه، فإننا نلمس التفكك في القيادات الحزبية من شيوعيين وناصريين وأتباع حزب الوفد، وغيرهم، فعندما أعلن (حمدين صباحي) عن نيته في ترشيح نفسه، بادر أقطاب حزب الوفد للوقوف الى جانب (السيسي)، وهكذا سيفعل الآخرون. لماذا؟ لأنه ليس هناك ما يسمى بالبرنامج الوطني المتفق عليه كما حدث في الهند وجنوب إفريقيا.. وهكذا فسيجد الشعب من أنه لا مناص من انتخاب (السيسي)، وستدور الدائرة مرة أخرى.


هوامش
*1ـ ابن الأزرق/ بدائع السلك في طبائع الملك صفحة 59 [كُتب من التراث]
*2ـ ذكرها الطرطوشي وابن خلدون.
*3ـ فؤاد إسحق الخوري/ العسكر في البلدان العربية/لندن: دار الساقي 1990 [للتفصيل في الاطلاع على تلك المراحل]
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 15-02-2014, 12:27 PM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الدساتير وأثرها في تسيير البلاد


في السنوات الثلاث الفائتة، ثارت نقاشات حول الدستور بحجم كبير ، لم تكن تثار بذلك الحجم من قبل. في ثورتي تونس ومصر: هل الدستور أولاً أم انتخاب البرلمان والرئيس؟ وعندما تصاعدت الأمور لتصل الى ما وصلت إليه، عزى البعض الى الارتباك الحاصل في تلك الثورات يعود الى المسألة الدستورية وتوظيفها بشكل جيد..

لنرى، ما هو الدستور؟ وكيف يُكتب؟ ومن يكتبه؟ ومتى يُعدل؟ وما هي الآثار المترتبة على الأخطاء الواقعة من سوء نصوصه أو من سوء الالتزام به؟

ما هو الدستور؟

الدستور كلمة ليست عربية بل فارسية تعني (دست: قاعدة) و (وور: صاحب)،وقد تكون من كلمة (إدستر) وهي فارسية أيضاً وتعني الخيط الذي يستعمله البَنَّاء لجعل البناء مستقيماً*1. وقد أخذ العرب عن الأتراك تعريبه، ويعني أبو القوانين، أو القاعدة التي تنطلق منها القوانين.

يتناول الدستور عدة مسائل: منها تعريفية تعني بالهوية وطبيعة نظام الحكم واللغة والعلم والحدود؛ ومنها تقريرية: حدود حقوق الإنسان وإتباع الديانة وحق التملك الخ؛ ومنها تنظيمية من يصل للحكم وكيف ومتى يجب تنحيته ودور البرلمان ودور الشعب الخ. فلذلك تخضع كل التشريعات التي تصدر في الدولة للدستور من حيث الشكل والمضمون.

متى ظهرت الدساتير ؟

لم تعهد البشرية مسألة (الدساتير المكتوبة) قبل عام 1776 في الولايات المتحدة الأمريكية حيث كُتب أول دستور في العالم ثم تلاه الدستور الفرنسي عام 1791. أما في البلاد العربية والإسلامية فكان أول دستور مكتوب عام 1876 في أواخر عهد السلطان العثماني عبد العزيز (الشهيد: أو البخت سز: بِلا حظ) حيث حول الإمبراطورية من مملكة استبدادية الى دولة ملكية دستورية برلمانية، وعرف ذاك الدستور باسم (التنظيمات: أي الإصلاحات)*2

أما في البلدان العربية، فكان أول دستور لمصر عام 1882 في عهد الخديوي توفيق، وكان مكوناً من 53 مادة. أُبْطِل العملُ به من قبل سلطات الاحتلال الانجليزي، ثم وضع دستور عام 1923، وبقي حتى عام 1952. في لبنان وضع دستور من قبل سلطات الاحتلال الفرنسي عام 1924، ولا تزال معظم مواده دون تعديل. وباستثناء السعودية وعُمان، فقد وضعت الحكومات العربية المستقلة دساتير لها، تتشابه في (البسملة) والديباجة، وذكر الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع، وذكر اللغة والانتماء للأمة العربية.

هذا، وأن هناك دول كبريطانيا مثلاً ليس لها دستور مكتوب، بل حزمة أعراف تحدد سير البلاد، كذلك الكيان الصهيوني، فليس له دستور ولا لكيانه حدود!
ما هي العلاقات التي يتناولها الدستور؟

لكل دولة عدة مستويات من (التراتب) الوظيفي؛ 1ـ الشعب: وهو عموم المواطنين بكل أطيافهم، ويشكل أسفل أو قاعدة هرم الدولة. و2ـ الأحزاب والإعلام والمجتمع المدني. و3ـ الجهاز البيروقراطي المليء بالأفراد والوظائف التنفيذية. و4ـ الحكومة بسلطاتها الثلاثة التنفيذية والقضائية والتشريعية. و5ـ رأس النظام أو رأس الهرم.

الدستور يضع الأسس في وضع العلاقات بين تلك المراتب، حقوقها وواجباتها. وتقوم الأحزاب بإعلامها ونشاطها بمراقبة ضبط سير العلاقات بين الأطراف كلها ومتى يتم تجاوزها فتفضح المخالفات، فتسقط حكومة أو حكم. هذا في الدول التي اكتمل فيها بناء مؤسسات وتنظيمات الدولة والمجتمع.

التعديلات الدستورية

عادةً، مَن يكتب الدستور، هم من وصلوا لقمة السلطة، ويجتهدون في أن يرضي الجميع، ولكنهم لن يرضوهم، فمجرد ما أن تختل قمة هرم السلطة حتى يتغير الدستور بالكامل (الكونغو مثلاً: تعدل من عام 1967 الى عام 1980، سبع مرات). وهذا شأن معظم الدول النامية التي تتعرض لاضطرابات سياسية.

في تركيا، جرت عدة انقلابات عسكرية، كان أولها عام 1908 ضد السلطان عبد الحميد الثاني، والثاني عام 1960، والثالث عام 1971، والرابع عام 1980. وكل تلك الانقلابات كانت تفضي لمكاسب دستورية لصالح الجيش المكون من (761 ألف مقاتل و 36 ألف ضابط)*3. ثم توقفت المكاسب الدستورية بعد وصول (تورغت أوزال) للحكم عام 1983، ورغم أنه كان عدواً لدودا للتيار الإسلامي في تركيا (حزب الرفاه آنذاك)*4، إلا أنه خدم ذلك التيار من حيث لا يدري في التعديلات الدستورية.

لقد بات الإسلاميون الأتراك يحسون بأنه لن يكون هناك انقلاب عسكري مرة أخرى بعد معارك الدستور وتعديلاته التي رجحت كفة المدنيين على العسكريين وحدت من تسلطهم، خصوصا تعديلات 2004، التي استثنت رئاسة مجلس الأمن الوطني من الجيش ليصبح مدنيا، وحجبت سلطة الجيش على الإعلام والتربية وغيره، وسمحت لمناقشة ميزانية الجيش ومحاسباته المالية في البرلمان.

وكان الصراع طويلا وشاقاً، اكتسب فيه الإسلاميون مراساً للمناورة والبقاء حتى ولو بأسماء مختلفة عن أصل اسم الحزب، واستفادوا من مراقبة الاتحاد الأوروبي لهم لتحجيم دور العسكر من أجل التحاق تركيا بالاتحاد الأوروبي. فهل يمكن للحركات الإسلامية السياسية العربية أن تتحلى بالصبر لإدراك ما وصل إليه الأتراك؟





هوامش
*1ـ مجيد محمد/ معجم المصطلحات والألفاظ الأجنبية في اللغة العامية العراقية/ بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة (1990) صفحة 20.
*2ـ محمد المجذوب/ دراسات قومية ودولية/ بيروت: مؤسسة ناصر للثقافة 1981 صفحة 31.
*3ـ إبراهيم خليل أحمد و خليل علي مراد/ إيران وتركيا: دراسة في التاريخ الحديث والمعاصر/ جامعة الموصل 1992 صفحة 285.
*4ـ الزركلي/ موسوعة الأعلام ملحق المجلد الأول ـ صناع القرار في تركيا صفحة 25.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 25-02-2014, 03:26 PM   #3
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الاقتصاد أم السياسة؟



لورقة النقد وجهان، لا يستطيع المرء أن يقوم بالبيع والشراء بوجه واحدٍ منهما، كذلك، هو الشأن العام، له وجهان أيضاً، السياسة والاقتصاد. لا تستسيغ الجماهير سياسة مليئة بالكلام والوعود، واقتصاد البلد مهزوز.

وتقوم السياسة بمفكريها وروّادها وعلمائها بوصف الحالة الاقتصادية، ووضع النظريات التي تعالج مكامن الخطر فيها، وتتطور السياسة مع تطور الاقتصاد جنباً الى جنب، وتعمل كعمل إشارات المرور، تنبه أن هناك منعطف أو منحدر أو هناك احتمال لتساقط الصخور، وتكون الإشارات قريبة من مواقع التنبيه، لا تسبقها بمسافات طويلة، ولا تضعها بعد المكان المراد التنبيه إليه.

فعل المفكرون في الغرب( ولا زالوا) فعلهم بمحاذاة النهضة الصناعية، عندما انتقل العمل من ورشة بيتية الى مصنع كبير، فنوقشت ساعات العمل وحقوق العامل، والسقف الأدنى والسقف الأعلى للأجور، ووضعت النظريات الفلسفية، فتبنى منهم العقيدة الاشتراكية، وتبنى آخرون العقيدة الرأسمالية، وكثرت المذاهب الاقتصادية. وواكب التطور الذهني التطور الحضاري والاقتصادي، فظهرت أجيال من النظريات، كما تظهر أجيال من السيارات، فقطعة غيار سيارة المرسيدس لموديل 1990 غيرها لسنة 2005، ففهم الحالة يحتاج وصفة كما يحتاج الميكانيكي قطعة غيار لتصليح سيارة بعد أن يعرف نوعها وموديلها.

في بلادنا، كان الارتباك واضحاً منذ البداية، فمنهم من أراد تقليد الاشتراكيين ولم يفلح ومنهم من أراد التشبه بالرأسماليين ولم يفلح، فلا يزال هناك من يستورد قطع غيار مرسيدس موديل (سنتها) ليستخدمها في تصليح (طمبر: أو عربة كانت تجرها البغال). والنتيجة كما نراها!

ويبدو أننا بحاجة ماسة للالتزام بالمقولة التي تنص على (أن الفلاسفة لا يخرجون من الأرض كما تخرج النباتات الفطرية. وإنما هم ثمار عصرهم وشعبهم، وهم العصارة الأرفع شأناً، والأثمن، والأبعد عن أن تُرى، والمعبرة عن نفسها بالأفكار الفلسفية. وأن الروح الذي يبني الأنظمة الفلسفية بعقول الفلاسفة، هو نفسه الروح الذي يبني السكك الحديدية بأيدي العمال. فليست الفلسفة خارجة عن العالم، كما أن الدماغ ليس خارجاً عن الإنسان).*1

هل للديمقراطية دور في إنشاء اقتصاد قوي؟


ما أن تهاوت الأنظمة الاستبدادية في الشرق والجنوب، وخرجت الولايات المتحدة منتصرة في الحرب الباردة على الاتحاد السوفييتي، الذي من بعد أن فقد إمبراطوريته وحزبه الجبار وتقدمه التقني، آل الى التلاشي؛ فنحن [الحديث لمؤلف الكتاب المُشار إليه] نعتقد أن الديمقراطية حققت الفوز وأنها تفرض نفسها اليوم على أنها الشكل الطبيعي للتنظيم السياسي، واقتصاد السوق تعبيرها الاقتصادي، والعلمنة تعبيرها الثقافي. غير أن هذه الفكرة، مهما تكن مطمئنة للغربيين، فهي على درجة من الخفة يجب أن تثير قلقهم.*2

يتساءل الكثير من السياسيين: لقد سرنا على نهج الدول الديمقراطية فمارسنا الانتخابات في الجزائر وفلسطين ومصر، ومُنعنا من التمتع بنتائجها! فلماذا؟ ويعتكف عشرات من المفكرين العرب ليضعوا مشروعاً ديمقراطياً تحت عنوان: لماذا انتقل الآخرون الى الديمقراطية وتأخر العرب؟*3


يخطئ كثيرون من المفكرين والمثقفين العرب، عندما يقرروا أن مشاكلنا الاقتصادية آتية من سوء الأوضاع السياسية، كان عليهم أن يؤمنوا بأن مشاكلنا السياسية وتردي الأحوال فيها آتية من تردي الأوضاع الاقتصادية، والدليل على ذلك هو أن الجماهير التي خرجت في تونس ومصر وليبيا وسوريا وغيرها من البلدان العربية، لم تخرج كلها إلا لأوضاع اقتصادية سيئة.

لم يكن هذا الاستنتاج، هو حصيلة أحداث سياسية راهنة، بل هو مَظهر رافق نشوء الدولة الإسلامية أو كان قد سبقها. فقبل الإسلام كانت الأحوال الاقتصادية تؤثر في مجالات كثيرة أهمها الاجتماعية والسياسية. فيرد في القرآن الكريم ذِكر وأد البنات، وذِكر قتل الأولاد من أو خشية (إملاق).*3. والإملاق هو الفقر الشديد، وعندما يحل في منطقة، ترافقه مظاهر السرقة وقطع الطرق والغارات والبغاء والدعارة ومختلف أنواع الفساد والفجور، وقد ذكر العلامة جواد علي في مفصله المشهور (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام)، ظاهرة غريبة وهي الانتحار الجماعي للأسر، حيث كانت الأسرة تغلق الباب على نفسها وتبقى جالسة حتى تموت، لكي لا تضطر الى ما يشوه شرفها كالتسول والبغاء وغيره، وكانت تلك الظاهرة تسمى (الاعتفاد: بالفاء وليس بالقاف).

ومن يبحث في أسباب انهيار الدول الإسلامية (الأمويين مثلاً)، يرى أن السبب الأول كان اقتصادياً. فكان الأمويون يدّعون أن السواد (أرض العراق) هو بستان لقريش*4، وكذلك فعلوا في خراسان حتى ثار عليهم الآخرون متمترسين وراء العباسيين*5


الفساد مظهر من مظاهر الاقتصاد الفاشل

تتفاوت الدول العربية في انتشار الفساد فيها، ومن حيث النزاهة(عكس الفساد) فتحتل قطر المرتبة الأولى عربياً، والمرتبة (22) عالمياً، وتحتل الإمارات (2) عربياً، و (30) عالمياً، وعُمان (3 عربياً و 39 عالمياً)، والبحرين (4 عربياً و 46 عالمياً)، والأردن (5 عربياً و 49 عالمياً)؛ والسعودية (6 عربياً، و63 عالمياً)؛ والجزائر ومصر وجيبوتي (10 عربياً، و 111 عالميا)، وسوريا (11 عربيا و 126 عالمياً) والعراق ( قبل الأخير عربياً و179 قبل الأخير عالميا).

أما لمن سيسأل من أكثر بلدان العالم نزاهةً؟ فهي حسب الترتيب: 1 نيوزلندا و2 الدنمرك و 3 سنغافورة والسويد و4 سويسرا ثم هولندا وأستراليا وكندا وأيسلندا وفنلندا والنرويج، وتحتل ألمانيا مرتبة14 الولايات المتحدة مرتبة 19.*6

سقوف الرواتب مثالاً للاقتصاد المهزوز

لنأخذ مصر، التي تراقبها عيون العرب، لكي تكون مثالاً يُحتذى به. في مصر 5.5 مليون موظف رسمي، و 560 ألف موظف أو مستخدم مؤقت. تدفع الدولة لهؤلاء 182 مليار جنيه مصري سنوياً (26 مليار دولار). منهم عشرون ألف موظف يتقاضون (64 مليار جنيه حوالي 9 مليار دولار) بمعدل (221 ألف جنيه مصري: 31 ألف دولار شهرياً)، وهناك من المعلمين من يتقاضى 120 جنيه شهرياً (18 دولار تقريبا)، ومن العمال المؤقتين من يتقاضى نحو 43 جنيه شهرياً (7 دولارات).*7

خاتمة

لا يحق لحزب أو فصيل سياسي أو حتى الجيش أن يزعم أنه يستطيع النهوض بأي بلد عربي وحده دون التعاون مع كافة الفصائل والمفكرين والجامعات، وإلا فإن التجريب والتقليد سيتبعه الفشل، فلا النموذج التركي يناسبنا ولا النموذج الصيني يناسبنا ولا النموذج العباسي، إن ما يناسبنا هو نموذج عربي يشارك الجميع في كتابته، حتى من هم في الحكم، ثم يُطرح أمام الشعب بتبسيط ليتعرف عليه ويناقشه ويبدي رأيه فيه.. ولا نتفاءل كثيراً من التحركات العربية الشعبية فهي تحتاج عدة عقود لنلحق بالعالم.


هوامش
*1ـ من مقالة كتبها ماركس في العدد 195 من جريدة (رينيه) 14/7/1842.
*2ـ آلان تورين/ ما الديمقراطية: دراسة فلسفية/ ترجمة: عبود كاسوحة/ دمشق: وزارة الثقافة 2000 صفحة 11.
*3ـ مشروع فكري ديمقراطي بدأ في أول التسعينات من القرن الماضي، وشارك فيه مجموعة كبيرة من المفكرين العرب صدر عنه حوالي عشرين كتاباً تجيب على معظم الأسئلة، وكانت تتنبأ بالانتفاضات العربية ومآلها. [نشر وتوزيع مركز دراسات الوحدة العربية].
*4ـ تاريخ الطبري، الجزء الأول طبعة ليدن 1879، صفحة 915.
*5ـ حسين مروة/النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية/ بيروت: دار الفارابي 1979 الجزء الثاني صفحة 154 وما بعدها.
*6ـ مجلة المستقبل العربي/مركز دراسات الوحدة العربية (عدد شهر شباط/فبراير 2010). عن: Transparency International, Corruption Perceptions Index (CPI) 2009
*7ـ صلاح جودة: خبير اقتصادي في لقاء مع قناة المحور أكتوبر 2013
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .