نقد كتاب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
نقد كتاب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
الكتاب بالقطع ليس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإنما هو كتاب من الكتب التى يكتبها البعض مدعيا أن الإسلام سبق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فى مضمونه ومن يكتبون تلك الكتب لا يعوون أنهم بذلك يحطون من قيمة دين الله عندما يقارنون بين كتاب الخالق وكتاب المخلوقين
الإسلام لا يحتاج إلى أن نحاول أن نلصق به الكفر فتلك الإعلانات التى أصدرها بنو الإنسان الكثير منها مخالف لكتاب الله
والكتاب يدور حول استخلاص المبادىء من خطبة الوادع وهى خطبة بنصوصها فى الكتاب لم يقلها النبى (ص) على الإطلاق لتضمنها ما يخالف الوحى الإلهى وقد استهل الكتاب بذكر الحقوق الأمنية فقال :
" [1] الحقوق الأمنية
فقد روى الإمام مسلم، من حديث جابر بن عبد الله في سياق حجة النبي قوله: (حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس، أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي، فخطب الناس، وقال: إن دماءكم، وأموالكم، حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا ألا كل شيء من أمر الجاهلية، تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع، من دمائنا؛ دم ابن ربيعة بن الحارث- كان مسترضعا في بني سعد، فقتلته هذيل- وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا؛ ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله فاتقوا الله في النساء! فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك، فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن، وكسوتهن بالمعروف وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده، إن اعتصمتم به، كتاب الله وأنتم تسألون عني! فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأديت، ونصحت فقال بإصبعه، السبابة، يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس: اللهم اشهد! اللهم اشهد! ثلاث مرات)
تتضمن هذه الخطبة الأخطاء التالية:
الأول كون أموال المسلمين حرام عليهم وأموال المسلمين حلال لهم وليست حرام لأنها لو كانت حرام ما جاز لهم أن ينفقوها فى أى شىء كما قال تعالى :
"الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم"
بل إن الله أباح لبعض المسلمين الانفاق من أموال بعضهم الأخر بالمعروف وهو العدل كما قال :
"وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن أنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف"
كما طالب بعض أخر أن يعطوها للعبيد المسلمين كى يتحرروا كما قال تعالى :
"والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وأتوهم من مال الله الذى أتاكم"
فلو كانت أموال المسلمين حرام على بعضهم البعض ما أذن الله بأخذها والانفاق منها ولا سمح لأصحابها بالنفقة منها فقال:
" لينفق ذو سعة من سعته من قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله"
الثانى وضع دماء الجاهلية والدماء لا توضع بسبب ارتكاب الجريمة قبل الإسلام ما دامت أدلة ثبوتها قد قامت عليها فإذا أسلما صاحب الحق والقاتل وجب تراضيهما بحكم الله والنبى(ص) لا يملك أن يضع تلك الدماء ومن يملك وضعها هم أهالى القتلى كما قال تعالى :
""يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم القصاص فى القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شىء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان"
فأهل القتيل هم من يعفون وليس الحاكم حتى ولو كان النبى(ص)
الثالث وضع ربا الجاهلية ومنه ربا عباس بن عبد المطلب وهذا الكلام يتعارض مع أن الربا محرم من المرحلة المكية فكيف يتم تأخير تحريمه إلى سنة الحج
الرابع القول أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه وأن عقاب الزنى الضرب غير غير المبرح هو إباحة للفاحشة وهى الزنى فالنساء لهم أن يجامعن من يرضى عنه أزواجهن وهو وطء الفرش
بينما العقوبة هى جلدهم الزناة مائة جلدة ضربا مبرحا ليس فيه رحمة كما قال تعالى :
"الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله"
والخطأ الخامس هو وجود جهة لله بدليل رفع الإصبع للسماء وهو ما يخالف أنه ليس كالخلق له جهة كما قال تعالى :
" ليس كمثله شىء"
ثم ذكر حديث أخر كرر نفس الأخطاء وهى :
"وكرر ذلك يوم النحر، فيما رواه ابن عباس، وأبو بكرة (خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، قال: أتدرون أي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم فسكت، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى: قال: أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم فسكت، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس ذو الحجة؟ قلنا: بلى قال: أي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم فسكت، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليست بالبلدة الحرام؟ قلنا: بلى
قال: فإن دماءكم، وأموالكم، عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربكم ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم قال: اللهم اشهد! فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)"
ثم قام المؤلف بشرح الحديث فقال :
إن هذه الخطبة البليغة، ذات أهمية بالغة، من ناحية زمانها، ومكانها، وحال الخطيب، وحال المخاطبين:
1 - فالزمان: عشر ذي الحجة، أفضل أيام العام عملا صالحا، لحديث ابن عباس، - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله، من هذه الأيام، يعني أيام العشر) قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟! قال: (ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه، وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء) [رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، وأحمد]
ولأجل ذا، نبه النبي على حرمة الزمان، ومناسبته، فقال في مستهل خطبته: أي يوم هذا، أي شهر هذا فاليوم يوم عرفة؛ خير يوم طلعت فيه الشمس، ويوم النحر، يوم الحج الأكبر، والشهر شهر ذي الحجة، أحد الأشهر الحرم"
والحديث باطل الخطأ فيه هو أن أى عمل صالح أحسن من الجهاد فى تلك الأيام والنبى(ص) لم يقله لأن الجهاد هو أفضل العمل فى أى وقت كما قال تعالى:
"فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
ثم قال :
2 - والمكان: صعيد عرفات، ومشعر منى، خير بقاع الدنيا، ولهذا نبه على حرمة المكان، في مستهل خطبته، فقال: أي بلد هذا؟ أليست بالبلدة الحرام؟
3 - والخطيب: رسول الله، وخاتم النبيين، وسيد ولد آدم، وحامل لواء الحمد يوم القيامة، وقائد الغر المحجلين، وخليل رب العالمين، في أعز موقف ديني، ودنيوي، مر به! ففيه نزل عليه: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) وهو يعلم، بأبي، هو، وأمي، أنها (حجة الوداع)، إذ كان يقول في أكثر من موقف: (لعلي لا أراكم بعد عامي هذا) [رواه النسائي، والترمذي]
فقد اجتهد لهم في الموعظة، ومحضهم خالص النصح، واستشهدهم أمام ربه، واستبرأ لدينه، فقال: (ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد)
4 - والمخاطبون: مائة ألف أو يزيدون، وصفهم شاهد عيان، جابر بن عبد الله - - بقوله: (فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله - صلى الله عليه وسلم- ويعمل مثل عمله حتى إذا استوت به ناقته على البيداء، نظرت إلى مد بصري، بين يديه؛ من راكب، وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به) [رواه مسلم]"
وتحدث عن الحقوق الموجودة فى الخطبة فقال :
"لقد كان محفلا هائلا، وتجمعا غير مسبوق، تجلت فيه عزة الإسلام، وكمال الشريعة، وتمام النعمة، فلا غرو أن يتم الإعلان فيه عن مقاصد الإسلام، وبيان حقوق الإنسان الحقيقية، كما أعلنها نبي البشرية، في عرفة، لا كما سطرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بعد هذه الإعلان الإيماني، بنحو أربعة عشر قرنا، عام 1948م، في جنيف فلنتبين هذه الحقوق العظيمة:
أولا: الحقوق الأمنية
(إن دماءكم، وأموالكم، حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا ألا كل شيء من أمر الجاهلية، تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع، من دمائنا؛ دم ابن ربيعة بن الحارث)
يا لها من رعاية عظيمة للحقوق الأساسية، للنفس البشرية! إن من حق الإنسان أن يأمن على نفسه، وعلى ماله فلا يطيب العيش مع الخوف، والجوع، ولهذا امتن الله على قريش باجتماع هاتين النعمتين (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)
كما ضرب مثلا بالقرية التي جمعهما لها، فقال: (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون)
إن الشريعة تكفل هذين الحقين الأساسيين؛ فلا تسمح لمعتد أن يلغ في الدماء، ويزهق الأرواح، ولا لطامع أن يستبد بالمال، وينهب الثروات بل إن الأصوليين يجعلون النفس، والمال، إحدى الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة بصيانتها ويكفي في بيان تعظيم حرمة الدماء:
|