ولما روى مسلم في صحيحه عن جندب بن عبد الله البجلي قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يموت بخمس يقول: «إن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك» والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، ونسأل الله أن يوفق المسلمين للتمسك بسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام والثبات عليها والحذر مما يخالفها إنه سميع قريب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرسالة الرابعة: وجه أيضا لسماحة الشيخ ابن باز هذا السؤال: عندنا من المشايخ الصوفية من يهتمون بعمل القباب على الأضرحة والناس يعتقدون فيهم الصلاح والبركة، فإن كان هذا الأمر غير مشروع فما هي نصيحتكم لهم وهم قدوة في نظر السواد الأعظم من الناس؟ أفيدونا بارك الله فيكم. اهـ.
الجواب: النصيحة لعلماء الصوفية ولغيرهم من أهل العلم أن يأخذوا بما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وأن يعلموا الناس ذلك، وأن يحذروا اتباع من قبلهم فيما يخالف ذلك؛ فليس الدين بتقليد المشايخ ولا غيرهم، وإنما الدين ما يؤخذ من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وما أجمع عليه أهل العلم وعن الصحابة - رضي الله عنهم - ، هكذا يؤخذ الدين لا عن تقليد زيد أو عمرو، ولا عن مشايخ الصوفية ولا غيرهم، وقد دلت السنة الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام على أنه لا يجوز البناء على القبور ولا اتخاذ المساجد عليها، ولا اتخاذ القباب ولا أي بناء، كل ذلك محمر بنص الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك ما ورد في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: «قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» قالت رضي الله عنها: يحذر ما صنعوا»، وفي الصحيحين عن أم سلمة وأم حبيبة رضي الله تعالى عنهما أنهما ذكرتا للنبي - صلى الله عليه وسلم - كنيسة رأتاها في أرض الحبشة وما فيها من الصور فقال - صلى الله عليه وسلم - : «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوره فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله» فأخبر عليه الصلاة والسلام أن الذين يتخذون المساجد على القبور هم شرار الخلق، وهكذا من يتخذ عليها الصور؛ لأنها دعاية إلى الشرك ووسيلة له؛ لأن العامة إذ رأوا هذا عظموا المدفونين واستغاثوا بهم ودعوهم من دون الله وطلبوهم المدد والعون، وهذا هو الشرك الأكبر وفي حديث جندب بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه - المخرج في صحيح مسلم رحمه الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد،ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك» هكذا رواه مسلم في الصحيح، فدل ذلك على فضل الصديق - رضي الله عنه - وأنه أفضل الصحابة وخيرهم، وأنه لو اتخذ النبي خليلا لاتخذه خليلا - رضي الله عنه - ، ولكن الله جل وعلا منعه من ذلك حتى تتمحض محبته لربه سبحانه وتعالى، وفي الحديث دلالة على تحريم البناء على القبور, واتخاذ مساجد عليها وعلى ذم من فعل ذلك من ثلاث جهات: إحداها: ذمه من فعل ذلك، والثانية: قوله: «فلا تتخذوا القبور مساجد»، والثالثة: قوله: «فإني أنهاكم عن ذلك».
فحذر من البناء على القبور بهذه الجهات الثلاث، فوجب على أمته أن يحذروا ما حذرهم منه، وأن يبتعدوا عما ذم الله به من قبلهم من اليهود والنصارى ومن تشبه بهم من اتخاذ المساجد على القبور والبناء عليها، وهذه الأحاديث التي ذكرنا صريحة في ذلك، والحكمة في ذلك كما قال أهل العلم: الذريعة الموصلة إلى الشرك الأكبر، فعبادة أهل القبور بدعائهم والاستغاثة والنذور والذبائح لهم وطلب المدد والعون منهم كما هن واقع الآن في بلدان كثيرة في السوادن ومصر وفي الشام وفي العراق وفي بلدان أخرى, كل ذلك من الشرك الأكبر، يأتي الرجل العامي الجاهل, فيقف على صاحب القبر المعروف عندهم فيطلبه المدد والعون كما يقع عند قبر البدوي والحسين وزينب والسيدة نفيسة، وكما يقع في السودان عند قبور كثيرة، وكما يقع في بلدان أخرى، وكما يقع من بعض الحجاج الجهال عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة وعند قبور أهل البقيع وقبور أخرى, يقع هذا من الجهال، فهم يحتاجون إلى التعليم والبيان والعناية من أهل العلم حتى يعرفوا دينهم على بصيرة، فالواجب على أهل العلم جميعا الذين من الله عليهم بمعرفة دينهم على بصيرة سواء كانوا من الصوفية أو غيرهم أن يتقوا الله وأن ينصحوا عباد الله، وأن يعلموهم دينهم، وأن يحذروهم من البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها والقباب أو غير ذلك من أنواع البناء، وأن يحذروهم من الاستغاثة بالموتى ودعائهم. فالدعاء عبادة يحب صرفها لله وحده، كما قال الله سبحانه: { فلا تدعوا مع الله أحدا } وقال سبحانه: { ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين }، يعني: من المشركين، وقال عليه الصلاة والسلام: «الدعاء هو العبادة»، وقال - صلى الله عليه وسلم - : «إذا سألت فأسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله» فالميت قد انقطع عمله وعلمه بالناس، وهو في حاجة أن يدعى له ويستغفر له ويترحم عليه لا أن يدعى من دون الله، يقول النبي - عليه السلام - : «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له».
فكيف يدعى من دون الله؟ وهكذا الأصنام وهكذا وهكذا الأشجار والأحجار والقمر والشمس والكواكب, كلها لا تدعى من دون الله، ولا يستغاث بها، وهكذا أصحاب القبور وإن كانوا أنبياء أو صالحين، وهكذا الملائكة والجن لا يدعون مع الله، فالله سبحانه يقول: { ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون } فالله لا يأمر باتخاذ الملائكة والبنيين أربابا من دونه؛ لأن ذلك كفر بنص الآية، وفي حديث جابر عند مسلم في صحيح يقول: «نهى رسول الله عن تجصيص القبور وعن القعود عليها وعن البناء عليها» وما ذاك إلا لأن تجصيصها والبناء عليها وسيلة إلى الشرك بأهلها والغلو فيهم أما القعود عليها فهو امتهان لها، فلا يجوز ذلك، كما لا يجوز البول عليها والتغوط عليها، ونحو ذلك من أنواع الإهانة؛ لأن المسلم محترم حيا وميتا لا يجوز أن يداس قبره ولا أن تكسر عظامه، ولا أن يقعد على قبره، ولا أن يبال عليه، ولا أن توضع عليه القمائم، كل هذا ممنوع، فالميت لا يمتهن ولا يعظم بالغلو فيه ودعائه مع الله والطواف بقبره ونحو ذلك من أنواع الغلو، وبذلك يعلم أن الشريعة الإسلامية الكاملة جاءت بالأمر الوسط بشأن الأموات فلا يغلى فيهم ويعبدون مع الله، ولا يمتهنون بالقعود على قبورهم ونحو ذلك، وهي وسط في كل الأمور والحمد لله؛ لأنها تشريع من حكيم عليم يضع الأمور في مواضعها كما قال عز وجل: { إن ربك حكيم عليم }
ومن هذا ما جاء في الحديث الصحيح يقول - صلى الله عليه وسلم - : «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها»، فجمعت الشريعة الكاملة العظيمة بين الأمرين؛ بين تحريم الغلو بدعاء أهل القبور والاستغاثة بهم والصلاة إلى قبورهم، وبين النهي عن إيذائهم وامتهانهم والجلوس على قبورهم أو الوطء عليها والاتكاء عليها، كل هذا ممنوع فلا هذا ولا هذه، وبهذا يعلم المؤمن ويعلم طالب الحق أن الشريعة جاءت بالوسط لا بالشرك ولا بالإيذاء، فالميت المسلم يدعى له ويستغفر له ويسلم عليه عند زياراته, أما أن يدعى من دون الله أو يطاف بقبره أو يصلى إليه, فلا، أما الحي الحاضر فلا بأس بالتعاون معه فيما أباح الله؛ لأن له قدرة على ذلك، فيجوز شرعا التعاون معه بالأسباب الحسية، وهكذا الإنسان مع أخوانه ومع أقاربه يتعاونون في مزارعهم وفي إصلاح بيوتهم وفي إصلاح سيارتهم ونحو ذلك، يتعاونون بالأسباب الحسية المباحة المقدور عليها, فلا بأس بذلك، وهكذا مع الغائب الحي عن طريق الهاتف أو عن طريق المكاتبة ونحو ذلك، كل هذا تعاون حسي لا بأس به في الأمور المقدورة المباحة، كما أن الإنسان القادر الحي يتصرف بالأسباب الحسية, فيعينك بيده ويبني معك أو يعطيك مالا، هدية أو قرضا، فالتعاون مع الأحياء شيء جائز بشروطه المعروفة، أما الاستغاثة بالأموات أو بالغائبين بغير الأسباب الحسية, فشرك أكبر بإجماع أهل العلم ليس فيه نزاع بين الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم والإيمان وأهل البصيرة، والبناء على القبور واتخاذ المساجد عليها والقباب كذلك منكر معلوم عند أهل العلم، جاءت الشريعة بالنهي عنه؛ لكونه وسيلة إلى الشرك، فالواجب على أهل العلم أن يتقوا الله أينما كانوا، وأن ينصحوا عباد الله، وأن يعلموهم شريعة الله، وأن لا يجاملوا زيدا ولا عمرا، فالحق أحق أن يتبع بل عليهم أن يعلموا الأمير والصغير والكبير، ويحذروا الجميع مما حرم الله عليهم، ويرشدوهم إلى ما شرح الله لهم،
وهذا هو الواجب على أهل العلم أينما كانوا من طريق الكلام الشفهي ومن طريق الكتاب ومن طريق التأليف أو من طريق الخطابة في الجمعة وغيرها، أو من طريق الهاتف أو من أي الطرق التي وجدت الآن والتي تمكن على تبليغ دعوة الله ونصح عباده، والله ولي التوفيق
الرسالة الخامسة: وقد سئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين السؤال: هذه الرسالة وردتنا من الأردن, يقول فيها الأخ خليل يزد محمد النعامي: هل يجوز بناء القبر، وإذا لم يجوز أفيدوني ماذا أفعل؟
الجواب: لا أدري هل يريد ببناء القبر اتخاذ مكان للإنسان بدفن فيه مبنيا، أو أنه يريد ببناء القبر البناء عليه، فإن كان الأول وهو أن يتخذ مكانا يدفن فيه, فإن السنة هو أن يكون القبر ملحدا، أي: أن تحفر حفرة ويجعل في مقدمة القبر من ما يلي القبلة حفرة أخرى بمقدار جسم الميت يدفن فيها هذا هو السنة التي ثبتت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى هذا فمن اتخذ قبرا مبنيا ببناء, فإنه يكون مخالفا للسنة، وأما إذا كان يريد البناء على القبور, فإن هذا محرم وقد نهى عنه - صلى الله عليه وسلم - ؛ لما فيه من تعظيم أهل القبور وكونه وسيلة وذريعة إلى أن تعبد هذه القبور وتتخذ آلهة مع الله, كما هو الشأن في كثير من الأبنية التي بنيت على القبور فأصبح الناس يشركون بأصحاب هذه القبور مع الله سبحانه وتعالى
وقد سئل رحمه الله في فتاوى نور على الدرب السؤال الآتي: جزاكم الله خيرا السائل أحمد من اليمن من محافظة إب يقول في هذا السؤال: نرجو منكم أن تفتوننا في هذا السؤال يوجد لدينا قبر رجل ويقولون بأنه ولي وقد بني عليه قبة وبجانبه ما يقارب من ثلاثة قبور أخرى والقبة المذكورة قد جعلوا فيها مقدمة ومكانا يصلى فيه والقبور المذكورة تقع خلف المصلين, ونحن نصلي في هذه القبة والقبور من خلفنا, فنرجو من فضيلة الشيخ النصح والتوضيح هل صلاتنا صحيحة أو لا, جزاكم الله خيرا.
الجواب: البناء على القبور محرم، وكل بناء بني على قبر فإنه يجب هدمه، ولا يجوز إقراره والصلاة فيه لا تصح بل هي باطلة؛ فلا يحل لكم أن تصلوا في هذه الساحة، وإن صليتم فأنتم آثمون وصلاتكم باطلة مردودة عليكم ثم إني أقول: من قال إن هذا قبر ولي قد يكون دجلا وكذبا ثم أقول: ما هو الولي قد يكون دجالا دجل على الناس, وقال إنه من أولياء الله وهو من أعداء الله وأولياء الله تعالى هم المؤمنون المتقون لقوله تعالى: { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون } "
والملاحظ على الرسائل التى ضمها الجربوع لرسالة الفوزان هى :
أولا تكرار لنفس الأحاديث
ثانيا ابتعاد كل الرسائل عن القرآن تماما وكأن لا علاقة له بالإسلام
ثالثا ربط بناء القباب بدعاء الأموات وهو ربط لا ينطبق على القبور المبنية كلها فالكثير من القبور المبنية هى مجرد تقليد لعادة أهل البلد في بناء القبور
|