|
|
|
14-05-2008, 05:05 PM
|
#11
|
كاتب إسلامي مميز
تاريخ التّسجيل: May 2007
المشاركات: 639
|
تأويل سورة قريش
--------------------
لإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) .
-------------------------------------------------------------
قال الطبري رحمه الله "
اختلفت القرّاء في قراءة: ( لإيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ ) , فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار بياء بعد همز لإيلاف وإيلافهم, سوى أبي جعفر, فإنه وافق غيره في قوله ( لإيلافِ ) فقرأه بياء بعد همزة, واختلف عنه في قوله ( إِيلافِهِمْ ) فروي عنه أنه كان يقرؤه: " إلْفِهِمْ" على أنه مصدر من ألف يألف إلفا, بغير ياء. وحَكى بعضهم عنه أنه كان يقرؤه: " إلافِهِمْ" بغير ياء مقصورة الألف.
والصواب من القراءة في ذلك عندي: من قرأه: ( لإيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ ) بإثبات الياء فيهما بعد الهمزة, من آلفت الشيء أُولفه إيلافا, لإجماع الحجة من القرّاء عليه. وللعرب في ذلك لغتان: آلفت, وألفت; فمن قال: آلفت بمدّ الألف قال: فأنا أؤالف إيلافا; ومن قال: ألفت بقصر الألف قال: فأنا آلف إلفا, وهو رجل آلف إلفا. وحكي عن عكرمة أنه كان يقرأ ذلك: " لتألف قريش إلفهم رحلة الشتاء والصيف ".
حدثني بذلك أبو كُرَيب, قال: ثنا وكيع, عن أبي مكين, عن عكرِمة.
وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك, ما حدثنا ابن حميد, قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن ليث, عن شهر بن حوشب, عن أسماء بنت يزيد, قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: " إلْفَهُمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ" .
---------------------------------------
قال الطبري رحمه الله "
واختلف أهل العربية في المعنى الجالب هذه اللام في قوله: ( لإيلافِ قُرَيْشٍ ) , فكان بعض نحويي البصرة يقول: الجالب لها قوله: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ فهي في قول هذا القائل صلة لقوله جعلهم, فالواجب على هذا القول, أن يكون معنى الكلام: ففعلنا بأصحاب الفيل هذا الفعل, نعمة منا على أهل هذا البيت, وإحسانا منا إليهم, إلى نعمتنا عليهم في رحلة الشتاء والصيف, فتكون اللام في قوله ( لإيلافِ ) بمعنى إلى, كأنه قيل: نعمة لنعمة وإلى نعمة, لأن إلى موضع اللام, واللام موضع إلى.
-----------------------------
قال الطبري رحمه الله "
"
وكان بعض نحويي الكوفة يقول: قد قيل هذا القول, ويقال: إنه تبارك وتعالى عجَّب نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: اعجب يا محمد لِنعَم الله على قريش, في إيلافهم رحلة الشتاء والصيف. ثم قال: فلا يتشاغلوا بذلك عن الإيمان واتباعك يستدل بقوله: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ) .
-----------------------
قال الطبري رحمه الله "
"
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن هذه اللام بمعنى التعجب. وأن معنى الكلام: اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف, وتركهم عبادة ربّ هذا البيت, الذي أطعهم من جوع, وآمنهم من خوف، فليعبدوا ربّ هذا البيت, الذي أطعمهم من جوع, وآمنهم من خوف. والعرب إذا جاءت بهذه اللام, فأدخلوها في الكلام للتعجب اكتفوا بها دليلا على التعجب من إظهار الفعل الذي يجلبها, كما قال الشاعر:
أغَــرَّكَ أنْ قَــالُوا لِقُـرَّةَ شـاعِرًا
فيالأبــاهُ مِــنْ عَــرِيفٍ وَشَـاعِرِ
فاكتفى باللام دليلا على التعجب من إظهار الفعل، وإنما الكلام: أغرّك أن قالوا: اعجبوا لقرّة شاعرا، فكذلك قوله:
(لإيلافِ) .
وأما القول الذي قاله من حَكينا قوله, أنه من صلة قوله: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ فإن ذلك لو كان كذلك, لوجب أن يكون " لإيلاف " بعض أَلَمْ تَرَ , وأن لا تكون سورة منفصلة من أَلَمْ تَرَ ، وفي إجماع جميع المسلمين على أنهما سورتان تامتان، كلّ واحدة منهما مفصلة عن الأخرى ما يبين عن فساد القول الذي قاله من قال ذلك. ولو كان قوله: ( لإيلافِ قُرَيْشٍ ) من صلة قوله: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ لم تكن أَلَمْ تَرَ تامَّة حتى توصل بقوله: ( لإيلافِ قُرَيْشٍ ) لأن الكلام لا يتمّ إلا بانقضاء الخبر الذي ذُكر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
---------------------------------------------------------------------------
ثمّ قال"
وقوله: ( إِيلافِهِمْ ) مخفوضة على الإبدال, كأنه قال: لإيلاف قريش لإيلافهم, رحلة الشتاء والصيف، وأما الرحلة فنُصبَت بقوله.( إِيلافِهِمْ ) , ووقوعه عليها.
وقوله: ( رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ) يقول: رحلة قريش الرحلتين: إحداهما إلى الشام في الصيف, والأخرى إلى اليمن في الشتاء.
-----------------------------
ثمّ قال
وقوله: ( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ) يقول: فليقيموا بموضعهم ووطنهم من مكة, وليعبدوا ربّ هذا البيت, يعني بالبيت: الكعبة.
------------------
وقال بعضهم: أمروا أن يألفوا عبادة ربّ مكة كإلفهم الرحلتين.
--------------------------------
---------------------------
قال الطبري رحمه الله "
وقوله: ( الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ ) يقول: الذي أطعم قريشا من جوع.
------------------
-----------------------------
قال الطبري رحمه الله "
ثم قال --( وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ) اختلف أهل التأويل في معنى قوله: ( وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ) فقال بعضهم: معنى ذلك: أنه آمنهم مما يخاف منه من لم يكن من أهل الحرم من الغارات والحروب والقتال, والأمور التي كانت العرب يخاف بعضها من بعض.
--------------------------------------
وقال آخرون: عُنِي بذلك: وآمنهم من الجذام.
----------------
----------------
قال الطبري رحمه الله "
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنه ( آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ) والعدو مخوف منه, والجذام مخوف منه, ولم يخصص الله الخبر عن أنه آمنهم من العدوّ دون الجذام, ولا من الجذام دون العدوّ, بل عمّ الخبر بذلك، فالصواب أن يعمّ كما عمّ جلّ ثناؤه, فيقال: آمنهم من المعنيين كليهما.
__________________
ملتقى أهل التأويل
|
|
|
19-05-2008, 08:59 PM
|
#12
|
كاتب إسلامي مميز
تاريخ التّسجيل: May 2007
المشاركات: 639
|
السلام عليكم
سورة الفيل
( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5) .
--------------------------------------------------------------------------
قال رحمه الله
(
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تنظر يا محمد بعين قلبك, فترى بها( كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ) الذين قَدِموا من اليمن يريدون تخريب الكعبة من الحبشة ورئيسهم أبرهة الحبشيّ الأشرم
( أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ )
يقول: ألم يجعل سعي الحبشة أصحاب الفيل في تخريب الكعبة
( فِي تَضْلِيلٍ ) يعني: في تضليلهم عما أرادوا وحاولوا من تخريبها.
************************************
قال رحمه الله
وقوله: ( وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ) يقول تعالى ذكره: وأرسل عليهم ربك طيرا متفرقة, يتبع بعضها بعضا من نواح شتي; وهي جماع لا واحد لها, مثل الشماطيط والعباديد ونحو ذلك. وزعم أبو عبيدة معمر بن المثنى, أنه لم ير أحدا يجعل لها واحدا.
وقال الفرّاء: لم أسمع من العرب في توحيدها شيئا. قال: وزعم أبو جعفر الرُّؤاسِيّ, وكان ثقة, أنه سمع أن واحدها: إبالة. وكان الكسائي يقول: سمعت النحويين يقولون: إبول, مثل العجول. قال: وقد سمعت بعض النحويين يقول. واحدها: أبيل.
-------------------------
ثمّ قال
(
وذُكر أنها كانت طيرا أُخرجت من البحر. وقال بعضهم: جاءت من قبل البحر.
ثم اختلفوا في صفتها, فقال بعضهم: كانت بيضاء.
وقال آخرون: كانت سوداء.
وقال آخرون: كانت خضراء, لها خراطيم كخراطيم الطير, وأكفّ كأكفّ الكلاب. )
-----------------------------
ثمّ قال"
وقوله: ( تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ )
يقول تعالى ذكره: ترمي هذه الطير الأبابيل التي أرسلها الله على أصحاب الفيل, بحجارة من سجيل.
وقد بيَّنا معنى سجيل في موضع غير هذا, غير أنا نذكر بعض ما قيل من ذلك في هذا الموضع, من أقوال مَنْ لم نذكره في ذلك الموضع.
وهاهي مختصرة
# ابن عباس ( حِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ) قال: طين في حجارة.
#عن ابن عباس ( تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ) قال: من طين
# عن ابن عباس ( حِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ) قال: سنك وكل.
# عن عكرمة, في قوله: ( تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ) قال: من طين.
# قال: سمعت عكرمة يقول: ( تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ) قال: سنك وكل.
# عن عكرمة, قال: كانت ترميهم بحجارة معها, قال: فإذا أصاب أحدهم خرج به الجُدَرِيّ, قال: كان أوّل يوم رُؤى فيه الجدريّ; قال: لم ير قبل ذلك اليوم, ولا بعده.
# قال: ذكر أبو الكُنود, قال: دون الحِمَّصة وفوق العدسة.
:
-----------------------------------
ثمّ قال"
وقال آخرون: معنى ذلك: ترميهم بحجارة من سماء الدنيا.
# قال ابن زيد, في قوله: ( تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ) قال: السماء الدنيا, قال: والسماء الدنيا اسمها سجيل, وهي التي أنـزل الله جلّ وعزّ على قوم لوط.
وانتقد الطبري قول ابن زيد فقال "
وهذا القول الذي قاله ابن زيد لا نعرف لصحته وجها في خبر ولا عقل, ولا لغة, وأسماء الأشياء لا تدرك إلا من لغة سائرة, أو خبر من الله تعالى ذكره.
--------------------------------------------------------------
ثمّ قال رحمه الله"
كان السبب الذي من أجله حلَّت عقوبة الله تعالى بأصحاب الفيل, مسير أبرهة الحبشيّ بجنده معه الفيل, إلى بيت الله الحرام لتخريبه.
--------------------------
ثمّ ذكر قصّة الفيل كاملة --ونعرض عنها التزاما منّا بكونها غيبا يلزمه التوكيد
------------------------------------------------------------
ثمّ قال رحمه الله
"
وقوله: ( فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ )
يعني تعالى ذكره: فجعل الله أصحاب الفيل كزرع أكلته الدواب فراثته, فيبس وتفرّقت أجزاؤه; شبَّه تقطُّع أوصالهم بالعقوبة التي نـزلت بهم, وتفرّق آراب أبدانهم بها, بتفرّق أجزاء الروث, الذي حدث عن أكل الزرع.
وقد كان بعضهم يقول: العصف: هو القشر الخارج الذي يكون على حبّ الحنطة من خارج, كهيئة الغلاف لها.
والأقوال التي ذكرها هي--
#عن قتادة ( كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ) قال: هو التبن.
#قال ابن زيد, في قوله: ( فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ) قال: ورق الزرع وورق البقل, إذا أكلته البهائم فراثته, فصار رَوْثا.
#عن ابن عباس ( كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ) قال: البرّ يؤكل ويُلقى عصفه الريح والعصف: الذي يكون فوق البرّ: هو لحاء البرّ.
# عن حبيب بن أبي ثابت: ( كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ) قال: كطعام مطعوم.
-----------------------------------------------
آخر تفسير سورة الفيل
ا
|
|
|
21-05-2008, 05:24 AM
|
#13
|
كاتب إسلامي مميز
تاريخ التّسجيل: May 2007
المشاركات: 639
|
تفسير سورة ويل لكل همزة
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)
.------------------------------------------
--قال الطبري رحمه الله"
يعني تعالى ذكره بقوله:
( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ ) الوادي يسيل من صديد أهل النار وقيحهم,( لِكُلِّ هُمَزَةٍ ) : يقول: لكل مغتاب للناس, يغتابهم ويبغضهم, كما قال زياد الأعجم:
تُــدلِي بــوُدِّي إذا لاقَيْتَنِـي كَذِبـا
وَإنْ أُغَيَّــبْ فـأنتَ الهـامِزُ اللُّمَـزَهْ
ويعني باللمزة: الذي يعيب الناس, ويطعن فيهم.
-------------------------------
ثمّ عقب على ما روي عن مجاهد ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) قال: الهمزة يأكل لحوم الناس, واللمزة: الطعان.
وعلى الرواية المختلفة عنها "
عن مجاهد ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ ) قال: الهمزة: الطعان, واللمزة: الذي يأكل لحوم الناس.
بقوله ". وهذا يدلّ على أن الذي حدث بهذا الحديث قد كان أشكل عليه تأويل الكلمتين, فلذلك اختلف نقل الرواة عنه فيما رووا على ما ذكرت.
-----------------------------------------------
ثمّ قال رحمه الله "
قال ابن زيد, في قول الله: ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) قال: الهمزة: الذي يهمز الناس بيده, ويضربهم بلسانه, واللمزة: الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم.
واختلف في المعني بقوله: ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ ) فقال بعضهم: عني بذلك: رجل من أهل الشرك بعينه, فقال بعض من قال هذا القول: هو جميل بن عامر الجُمَحِيّ. وقال آخرون منهم: هو الأخنس بن شريق.
--------------------------------------------
ثمّ قال"
وقال بعض أهل العربية: هذا من نوع ما تذكر العرب اسم الشيء العام, وهي تقصد به الواحد, كما يقال في الكلام, إذا قال رجل لأحد: لا أزورك أبدا: كل من لم يزرني, فلست بزائره, وقائل ذلك يقصد جواب صاحبه القائل له: لا أزورك أبدا.
وقال آخرون: بل معنيّ به, كل من كانت هذه الصفة صفته, ولم يقصد به قصد آخر.
-------------------------------------
ثمّ ذكرهم بأقوالهم
------------------------------------------
ثمّ رجّح قائلا"
والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إن الله عمّ بالقول كلّ همزة لمزة, كلّ من كان بالصفة التي وصف هذا الموصوف بها, سبيله سبيله كائنا من كان من الناس.
----------------------------------------
ثمّ قال"
وقوله: ( الَّذِي جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ )
يقول: الذي جمع مالا وأحصى عدده, ولم ينفقه في سبيل الله, ولم يؤد حق الله فيه, ولكنه جمعه فأوعاه وحفظه.
******************************************
قال رحمه الله
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأه من قرّاء أهل المدينة أبو جعفر, وعامة قرّاء الكوفة سوى عاصم: " جَمَّعَ" بالتشديد, وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والحجاز, سوى أبي جعفر وعامة قرّاء البصرة, ومن الكوفة عاصم, " جَمَعَ" بالتخفيف, وكلهم مجمعون على تشديد الدال من ( وَعَدَّدَهُ ) على الوجه الذي ذكرت من تأويله. وقد ذكر عن بعض المتقدمين بإسناد غير ثابت, أنه قرأه: " جَمَعَ مَالا وَعَدَدَهُ" تخفيف الدال, بمعنى: جمع مالا وجمع عشيرته وعدده. هذه قراءة لا أستجيز القراءة بها, بخلافها قراءة الأمصار, وخروجها عما عليه الحجة مجمعة في ذلك.
وأما قوله: ( جَمَعَ مَالا ) فإن التشديد والتخفيف فيهما صوابان, لأنهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار, متقاربتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
*********************
قال رحمه الله
وقوله: ( يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ )
يقول: يحسب أن ماله الذي جمعه وأحصاه, وبخل بإنفاقه, مخلده في الدنيا, فمزيل عنه الموت. وقيل: أخلده, والمعنى: يخلده, كما يقال للرجل الذي يأتي الأمر الذي يكون سببا لهلاكه: عطب والله فلان, هلك والله فلان, بمعنى: أنه يعطب من فعله ذلك, ولما يهلك بعد ولم يعطب; وكالرجل يأتي الموبقة من الذنوب: دخل والله فلان النار.
وقوله: ( كَلا ) يقول تعالى ذكره: ما ذلك كما ظنّ, ليس ماله مخلِّده,
ثم أخبر جلّ ثناؤه أنه هالك ومعذب على أفعاله ومعاصيه, التي كان يأتيها في الدنيا, فقال جل ثناؤه: ( لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ) يقول: ليُقذفنّ يوم القيامة في الحطمة, والحطمة: اسم من أسماء النار, كما قيل لها: جهنم وسقر ولظى, وأحسبها سميت بذلك لحطمها كلّ ما ألقي فيها, كما يقال للرجل الأكول: الحطمة. ذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك: " لَيُنْبَذَانِّ فِي الحُطَمَةِ" يعني: هذا الهمزة اللمزة وماله, فثنَّاه لذلك.
********************************
قال رحمه الله"
وقوله: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ ) يقول: وأيّ شيء أشعرك يا محمد ما الحطمة,
ثم أخبره عنها ما هي, فقال جل ثناؤه: هي ( نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأفْئِدَةِ ) يقول: التي يطلع ألمها ووهجها القلوب; والاطلاع والبلوغ قد يكونان بمعنى، حُكي عن العرب سماعا: متى طلعت أرضنا; وطلعت أرضي: بلغت.
********************
قال رحمه الله
وقوله: ( إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ ) يقول تعالى ذكره: إن الحطمة التي وصفت صفتها عليهم, يعني: على هؤلاء الهمازين اللمازين
( مُؤْصَدَةٌ ) : يعني: مطبقة; وهي تهمز ولا تهمز; وقد قُرئتا جميعا.
-----------------------------
ثمّ قال"
واختلف أهل التأويل في معنى ذلك, فقال بعضهم: (إنها عليهم مؤصدة بعمد ممددة ) أي مغلقة مطبقة عليهم, وكذلك هو في قراءة عبد الله فيما بلغنا.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنما دخلوا في عمد, ثم مدت عليهم تلك العمد بعماد.
وقال آخرون: هي عمد يعذّبون بها.
----------------------------------------------
وبعد أن ذكر أقوال كلّ فئة وقائليها عمد إلى قوله فقال "
وأولى الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال: معناه: أنهم يعذّبون بعمد في النار, والله أعلم كيف تعذيبه إياهم بها, ولم يأتنا خبر تقوم به الحجة بصفة تعذيبهم بها, ولا وضع لنا عليها دليل, فندرك به صفة ذلك, فلا قول فيه, غير الذي قلنا يصحّ عندنا, والله أعلم.
---------------------------------------------
آخر تفسير سورة الهمزة
|
|
|
23-05-2008, 02:37 PM
|
#14
|
كاتب إسلامي مميز
تاريخ التّسجيل: May 2007
المشاركات: 639
|
السلام عليكم
سورة الفيل
( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5) .
--------------------------------------------------------------------------
قال رحمه الله
(
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تنظر يا محمد بعين قلبك, فترى بها( كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ) الذين قَدِموا من اليمن يريدون تخريب الكعبة من الحبشة ورئيسهم أبرهة الحبشيّ الأشرم
( أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ )
يقول: ألم يجعل سعي الحبشة أصحاب الفيل في تخريب الكعبة
( فِي تَضْلِيلٍ ) يعني: في تضليلهم عما أرادوا وحاولوا من تخريبها.
وقوله: ( وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ) يقول تعالى ذكره: وأرسل عليهم ربك طيرا متفرقة, يتبع بعضها بعضا من نواح شتي; وهي جماع لا واحد لها, مثل الشماطيط والعباديد ونحو ذلك. وزعم أبو عبيدة معمر بن المثنى, أنه لم ير أحدا يجعل لها واحدا.
وقال الفرّاء: لم أسمع من العرب في توحيدها شيئا. قال: وزعم أبو جعفر الرُّؤاسِيّ, وكان ثقة, أنه سمع أن واحدها: إبالة. وكان الكسائي يقول: سمعت النحويين يقولون: إبول, مثل العجول. قال: وقد سمعت بعض النحويين يقول. واحدها: أبيل.
وبنحو الذي قلنا في الأبابيل: قال أهل التأويل.
-------------------------
ثمّ قال
(
وذُكر أنها كانت طيرا أُخرجت من البحر. وقال بعضهم: جاءت من قبل البحر.
ثم اختلفوا في صفتها, فقال بعضهم: كانت بيضاء.
وقال آخرون: كانت سوداء.
وقال آخرون: كانت خضراء, لها خراطيم كخراطيم الطير, وأكفّ كأكفّ الكلاب. )
-----------------------------
ثمّ قال"
وقوله: ( تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ )
يقول تعالى ذكره: ترمي هذه الطير الأبابيل التي أرسلها الله على أصحاب الفيل, بحجارة من سجيل.
وقد بيَّنا معنى سجيل في موضع غير هذا, غير أنا نذكر بعض ما قيل من ذلك في هذا الموضع, من أقوال مَنْ لم نذكره في ذلك الموضع.
وهاهي مختصرة
# ابن عباس ( حِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ) قال: طين في حجارة.
#عن ابن عباس ( تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ) قال: من طين
# عن ابن عباس ( حِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ) قال: سنك وكل.
# عن عكرمة, في قوله: ( تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ) قال: من طين.
# قال: سمعت عكرمة يقول: ( تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ) قال: سنك وكل.
# عن عكرمة, قال: كانت ترميهم بحجارة معها, قال: فإذا أصاب أحدهم خرج به الجُدَرِيّ, قال: كان أوّل يوم رُؤى فيه الجدريّ; قال: لم ير قبل ذلك اليوم, ولا بعده.
# قال: ذكر أبو الكُنود, قال: دون الحِمَّصة وفوق العدسة.
:
-----------------------------------
ثمّ قال"
وقال آخرون: معنى ذلك: ترميهم بحجارة من سماء الدنيا.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ) قال: السماء الدنيا, قال: والسماء الدنيا اسمها سجيل, وهي التي أنـزل الله جلّ وعزّ على قوم لوط.
قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنا عمرو بن الحارث, عن سعيد بن أبي هلال, أنه بلغه أن الطير التي رمت بالحجارة, أنها طير تخرج من البحر, وأن سجيل: السماء الدنيا.
وانتقد الطبري قول ابن زيد فقال "
وهذا القول الذي قاله ابن زيد لا نعرف لصحته وجها في خبر ولا عقل, ولا لغة, وأسماء الأشياء لا تدرك إلا من لغة سائرة, أو خبر من الله تعالى ذكره.
--------------------------------------------------------------
ثمّ قال رحمه الله"
كان السبب الذي من أجله حلَّت عقوبة الله تعالى بأصحاب الفيل, مسير أبرهة الحبشيّ بجنده معه الفيل, إلى بيت الله الحرام لتخريبه.
--------------------------
ثمّ ذكر قصّة الفيل كاملة --ونعرض عنها التزاما منّا بكونها غيبا يلزمه التوكيد
------------------------------------------------------------
ثمّ قال رحمه الله
"
وقوله: ( فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ )
يعني تعالى ذكره: فجعل الله أصحاب الفيل كزرع أكلته الدواب فراثته, فيبس وتفرّقت أجزاؤه; شبَّه تقطُّع أوصالهم بالعقوبة التي نـزلت بهم, وتفرّق آراب أبدانهم بها, بتفرّق أجزاء الروث, الذي حدث عن أكل الزرع.
وقد كان بعضهم يقول: العصف: هو القشر الخارج الذي يكون على حبّ الحنطة من خارج, كهيئة الغلاف لها.
والأقوال التي ذكرها هي--
#عن قتادة ( كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ) قال: هو التبن.
#قال ابن زيد, في قوله: ( فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ) قال: ورق الزرع وورق البقل, إذا أكلته البهائم فراثته, فصار رَوْثا.
#عن ابن عباس ( كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ) قال: البرّ يؤكل ويُلقى عصفه الريح والعصف: الذي يكون فوق البرّ: هو لحاء البرّ.
# عن حبيب بن أبي ثابت: ( كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ) قال: كطعام مطعوم.
-----------------------------------------------
آخر تفسير سورة الفيل
|
|
|
31-05-2008, 03:26 PM
|
#18
|
عضو مميز
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
|
مرحبا هنا بالأخ الفاضل جمال الشرباتي وجزاكم الله خيرا علي ماتقدمونه من الوجيز في تأويل الكتاب العزيز من العنوان كنت أظن أن الكتاب لابن عطيه.
تحياتي لكم وكامل تقديري
قابلتك في الفصيح وها أنا ذا أقابلك ثانية هنا .
أخوكم . السيد عبد الرازق . الجعافرة.
|
|
|
02-06-2008, 08:47 PM
|
#19
|
كاتب إسلامي مميز
تاريخ التّسجيل: May 2007
المشاركات: 639
|
الأخ الطيب السيد عبد الرازق
السلام عليكم
بارك الله بكم --
وليتنا نتواصل بواسطة الماسنجر--
jsharabati@hotmail.com
|
|
|
04-06-2008, 03:55 AM
|
#20
|
كاتب إسلامي مميز
تاريخ التّسجيل: May 2007
المشاركات: 639
|
|
|
|
عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
|
|
قوانين المشاركة
|
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts
كود HTML غير متاح
|
|
|
| |