العودة   حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السيـاسية

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: نقد كتاب عظيم الأجر في قراءة القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في مقال الطاقة الروحية براهين من العالم الآخر (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نقد بحث لغز مركبات الفيمانا (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى كتاب حكم تنفيذ القصاص والإعدام بالوسائل الحديث في الفقه الإسلامي (آخر رد :رضا البطاوى)       :: The international justice court (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: نقد تنبيه الأنام على مسألة القيام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال الزراعة المثالية ولعنــة الأدويــة الكيماويــة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: New death (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: قراءة في مقال البروباغاندا الهدوءُ والفتك (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى كتاب إرشاد الأخيار إلى منهجية تلقي الأخبار (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 09-10-2009, 01:26 PM   #1
البدوي الشارد
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2009
الإقامة: حزيرة العرب
المشاركات: 760
إفتراضي تزوير التاريخ كسلاح في معركة الوعي -

تزوير التاريخ كسلاح في معركة الوعي

دياب أبو جهجه
17/07/2009
' التاريخ هو الكذبة المتفق عليها' هكذا عرف المفكر الفرنسي الكبير فولتير التاريخ. وعبر الكاتب جورج أورويل عن نفس الفكرة من ناحية تعليل الكذب التاريخي كأحد أساليب إنتاج علاقات القوة التي تحكم الديناميات الاجتماعية بقوله: 'من يسيطر على الماضي يسيطر على المستقبل ومن يسيطر على الحاضر يسيطر على الماضي'. أي أن تزوير التاريخ هدفه التحكم بالمستقبل وتقوية سلطة النسق القائم وقوى الستاتيسكو. ولكن وفي نفس الوقت تزوير التاريخ، أو إذا ما أردنا استخدام مصطلح أقل سلبية، صناعة الأساطير التاريخية هي جزء من أي عملية تجييش اجتماعية هدفها التغيير. فكما يصنع النسق القائم في مجتمع ما تاريخا مصطنعا الهدف منه تدعيم الستاتيسكو، تنتج حركات التغيير كذلك أساطير بديلة تهدف إلى زعزعة حالة الاستقرار هذه وتبرر للانقلاب على النسق وللتمرد عليه.

وتتميز الحركات الدينية والحركات القومية بغزارة إنتاجها للأساطير التاريخية المؤسسة حيث إنها تحتاجها أكثر من غيرها لبناء شرعية أخلاقية ما أو شرعية مطلبية. فالحركات الدينية تبحث دوما عن قدسية مفقودة تريد أن تسقطها على رموزها وقادتها وطبعا على عقيدتها ذاتها ولذلك تحاول دائما اختلاق معجزات سواء مباشرة أو غير مباشرة. كما تحاول دائما اجتناب الوعي التاريخي النقدي واستبداله بتاريخ أسطوري ملفق يأخذ طابعا تبريريا في مواضع الخطأ والصراعات الداخلية وطابعا تضخيميا مبالغا في مواضع النجاح والإنجازات. وكذلك تقوم الحركات القومية بتلفيق تاريخي مستمر هدفه خلق أسطورة أمة نبيلة مميزة وعادلة من الأخيار لا تعتدي بل تدافع عن نفسها ولا تظلم بل تعدل.

ويتضاعف الإنتاج الأسطوري وينشط العمل التزويري كلما ضعف المنتج القومي الذي يتم الترويج له ويضعف منسوب التزوير كلما كانت الهوية القومية المروج لها قوية. فمثلا، العروبة كرابطة قومية حضارية راسخة منذ آلاف السنين ومكرسة على امتداد الوطن العربي منذ 1400 عام بلغتها العربية المهيمنة والمحصنة والمحتضنة دينيا ودنيويا لا تحتاج إلى الكثير من التلفيق الأسطوري لتثبت وجودها كهوية. صحيح أن القوميين العرب يبيضون صفحات من تاريخنا ويبالغون في تمجيده والتغني به إلا أن لا أحد يستطيع أن ينكر عظمة تاريخ هذه الأمة وقوة هويتها العربية الإسلامية.

إلا أن من يحتاج إلى بناء أساطير مكونة للهوية هم أولئك الذين يريدون الانسلاخ عن الأمة وهويتها لسبب أو لآخر ويحتاجون من أجل ذلك إلى بناء وعي تاريخي بديل يؤسس لهوية بديلة. ونختار هنا نموذجا عن تزوير التاريخ الذي تقوم به جماعات مماثلة من المنادين بالقومية اللبنانية والذين يطرحون تميز لبنان كأمة عن محيطه العربي.

التزوير الأول للتاريخ في حالة الطرح الكياني اللبناني يبدأ من خلال مد التسمية اللبنانية التاريخية خارج حدود جبل لبنان. فتخبرنا كتب التاريخ اللبناني بأن لبنان ككيان له جذور تاريخية بحدوده الحالية بينما التاريخ النقدي والمجرد يشير بأن هذا الاسم كان منحصرا بمنطقة جبل لبنان. ويبدأ التزوير بمقاربة الحقبة الفينيقية كحقبة لبنانية. والفينيقيون شعب سامي كان يسمي نفسه بالكنعاني ويعيش في أرض كنعان وهي منطقة تغطي أجزاء كبيرة من سورية ولبنان الحالي وفلسطين. ولم يكن عند الفينيقيين بحسب المخطوطات المتوفرة تاريخيا أي لبس حول انتمائهم الكنعاني. والأنكى من ذلك أن الفئة التي تتاجر بالهوية الفينيقية لا تمت بصلة لا من قريب ولا من بعيد إلى الفينيقيين الأصليين وهي هاجرت أساسا إلى لبنان من الداخل السوري هربا من القمع الديني لتستقر في الجبال أي أنها فئة وافدة في مرحلة متأخرة إلى هذه الأرض. والانتماء الحقيقي لهذه الفئة هو إلى مزيج من أرومة عربية بدوية وأرومة سريانية سامية. والسريان كما يوحي اسمهم هم شعب سامي سكن سورية وتحدث لغة مشتقة من الآرامية سميت باللغة السورية (السريانية). وسورية هو الاسم الروماني لبلاد الشام وتضم سورية الطبيعية الجمهورية السورية الحالية ولبنان والأردن وفلسطين (ولم تضم يوما العراق كما ينظر لذلك القوميون السوريون في نسختهم الخاصة من التاريخ المفبرك). ولا يعترف التاريخ اللبناني المزور مثلا بأن الدولة اللبنانية سلخت عن سورية بالرغم من شعبها وذلك في إطار معاهدة سايكس بيكو التي سلخت كذلك الأردن وفلسطين تمهيدا لاستعمارها من قبل الصهاينة. وفي تقرير لجنة كينغ كراين الأممية التي استطلعت رغبات الشعب العربي في سورية اختار 70 بالمئة من اللبنانيين بجميع طوائفهم أن يبقى لبنان جزءا من سورية ولكن البطريركية المارونية والفئات النخبوية المروجة لمشروع الكيان البناني من النخب المارونية وبعض النخب السنية نسقت عملها مع المحتل الفرنسي من أجل خلق دولة لبنانية (أي جبل لبنانية) تضم إليها بيروت ومناطق جبل عامل والبقاع وطرابلس وعكار. وكتب بعضهم كما يذكر فواز الطرابلسي في كتابه المهم 'تاريخ لبنان الحديث' إلى الفرنسيين مبررا ضم هذه المناطق إلى لبنان بأن لبنان يحتاج مستعمرات كما تحتاجون أنتم إلى استعمار الجزائر. وهنا يظهر جليا أن تكوين الكيان اللبناني لم يكن فقط استعماريا من جهة الدور الفرنسي والبريطاني فيه بل وأن النخب التي أيدت تكوينه وسلخه عن الوطن السوري كانت أيضا تنظر إلى المناطق التي ضمت إلى لبنان وإلى ساكنيها نظرة استعمارية داخلية كانت من أهم مسببات الحرب الأهلية اللبنانية. أما ثورة أدهم خنجر البطولية في جبل عامل ضد هذا الكيان فهي نقطة معتم عليها في كتب التاريخ اللبناني ورواياته وإذا ما ذكرت فهي توضع في خانة الإجرام وقطع الطرق بينما الواقع أنها كانت ثورة عروبية وطنية سورية واعية.

ومَنْ من اللبنانيين يعرف أن جبران خليل جبران وزملاءه من الأدباء في المهجر مثل ميخائيل نعيمة كانوا يسمون أنفسهم سوريين وجبران كان يتحدث عن سورية كوطنه؟. يسلخ التزوير التاريخي وعي جبران وهويته الذاتية ويحوله إلى رمز للقومية اللبنانية مستندا على ذكره اسم منطقته التي يتحدر منها أي جبل لبنان بعض الأحيان في كتاباته وهذا كمن أخذ قصيدة لشاعر أمريكي يتحدر من تكساس عن ولايته لينظر لانفصالها عن أمريكا. ومن الوثائق التي يبرزها فواز الطرابلسي في كتابه رسالة من أعيان بيروت يشتكون فيها من 'الأطماع اللبنانية' في مدينتهم. فبيروت تاريخيا لم تكن جزءا من جبل لبنان. ومن المهم التأكيد هنا أن الفكرة الوطنية السورية لم تكن أبدا مناقضة للطرح القومي العربي بل كانت مندمجة معه. مثلا المعلم بطرس البستاني أحد أهم منظري العروبة والنهضة العربية كان يعتبر أن الانتماء القومي والحضاري هو العروبة أما الوطن فهو سورية وعبر عن ذلك في كتاباته وكذلك في مجلته التي تعتبر إحدى أولى المجلات العربية في حينه وكان اسمها 'نفير سورية'. والثوار المقاومون العرب في فلسطين أمثال عز الدين القسام كانوا يوقعون بياناتهم الحربية في الثلاثينات بـ ' القيادة العامة للثورة العربية في سورية الجنوبية'. والوعي الوحدوي السوري كان يمثل خطوة على طريق الوحدة العربية في أذهان معظم الذين أيدوه في تلك المرحلة ورفضوا انتاجات سايكس بيكو. بل وحتى الإرساليات الأجنبية كانت تدرك هوية هذه البلاد وتسميتها لدرجة أن المبشرين البروتستانت الذين أسسوا الجامعة الأمريكية في بيروت أسسوها تحت اسم ' الكلية الإنجيلية السورية' وكانت الدراسة فيها باللغة العربية حصرا مما شكل خرقا كبيرا في بلد كان يرزح حينها تحت نير الاحتلال العثماني الذي كان يمنع التدريس بالعربية إلا في مدارس الإرساليات المسيحية بينما كان المسلمون مجبرين على أن يتعلموا بالتركية وذلك قبل أن تصل حركة الاتحاد والترقي القومية الطورانية الى الحكم وهذا نضعه في رسم من يروجون لأساطير تاريخية أخرى عن كون الدولة العثمانية حامية الاسلام والمسلمين. طبعا لا ينحصر تزوير التاريخ في بلادنا على الانعزاليين اللبنانيين، فكل الانعزاليين من أعداء العروبة يروجون لنسختهم الخاصة من التاريخ المزور. مثلا الانعزاليون الأمازيغ في المغرب العربي يحاولون أن يشوهوا صورة المجاهد العربي الأمازيغي البطل عبد الكريم الخطابي ويحولونه إلى انفصالي أمازيغي بينما الواقع هو أن عبد الكريم كان أول من نظر لمفهوم المغرب العربي عندما أسس 'لجنة تحرير المغرب العربي' ونراهم يغيرون اسم اللجنة في كتاباتهم إلى 'لجنة تحرير شمال أفريقيا' وهو عين التزوير. أما وثيقة تأسيس اللجنة التي خطها عبد الكريم بيده عام 1948 ويقول فيها بالحرف الواحد 'المغرب جزء لا يتجزأ من بلاد العروبة' فتختفي من الذاكرة التاريخية بسحر ساحر لما فيها من تدمير لأسطورتهم الانعزالية على يد أهم رمز أمازيغي معاصر. هكذا يغتصب التاريخ من أجل أن يغتصب الحاضر والمستقبل.
' كاتب من لبنان
البدوي الشارد غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .