قال الطبري رحمه الله"
وقوله: { إنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن بطش ربك يا محمد لمن بطش به من خلقه، وهو انتقامه ممن انتقم منه لشديد، وهو تحذير من الله لقوم رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، أن يُحِلّ بهم من عذابه ونقمته، نظير الذي حلّ بأصحاب الأخدود على كفرهم به، وتكذيبهم رسوله، وفتنتهم المؤمنين والمؤمنات منهم.
----------------------------------------
قال الطبري رحمه الله"
اختلف أهل التأويل في معنى قوله: { إنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ } فقال بعضهم: معنى ذلك: إن الله أبدى خلقه، فهو يبتدىء، بمعنى: يحدث خلقه ابتداء، ثم يميتهم، ثم يعيدهم أحياء بعد مماتهم، كهيئتهم. قبل مماتهم.
ثمّ ذكر من قال ذلك:
---------------------------------------
قال الطبري رحمه الله"
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنه هو يبدىء العذاب ويعيده.
ثمّ ذكر من قال ذلك:-----
-----------------------------------------
قال الطبري رحمه الله"
.وأوليَ التأويلين في ذلك عندي بالصواب، وأشبههما بظاهر ما دلّ عليه التنزيل، القول الذي ذكرناه عن ابن عباس، وهو أنه يُبدىء العذاب لأهل الكفر به ويعيد، كما قال جلّ ثناؤه:
{ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ ولَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ }
في الدنيا، فأبدأ ذلك لهم في الدنيا، وهو يعيده لهم في الآخرة.وإنما قلت: هذا أولى التأويلين بالصواب، لأن الله أتبع ذلك قوله { إنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } فكان للبيان عن معنى شدّة بطشه الذي قد ذكره قبله، أشبه به بالبيان عما لم يجر له ذكر ومما يؤيد ما قلنا من ذلك وضوحاً وصحة، قوله: { وَهُوَ الْغَفُورُ الوَدُودُ } فبين ذلك عن أن الذي قبله من ذكر خبره عن عذابه وشدّة عقابه.
------------------------------------------------
قال الطبري رحمه الله"
وقوله: { وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ } يقول تعالى ذكره: وهو ذو المغفرة لمن تاب إليه من ذنوبه، وذو المحبة له. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:----------------------------------
قال الطبري رحمه الله"
وقوله: { ذُو الْعَرْشِ المَجِيدُ } يقول تعالى ذكره: ذو العرش الكريم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ثمّ ذكر من قال ذلك:------------------------
قال الطبري رحمه الله"
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: { المَجِيدُ } فقرأته عامة قرّاء المدينة ومكة والبصرة وبعض الكوفيين رفعاً، ردّاً على قوله: { ذُو الْعَرْشِ } على أنه من صفة الله تعالى ذكره. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة خفضاً، على أنه من صفة العرش.والصواب من القول في ذلك عندنا: أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
------------------------------------------
قال الطبري رحمه الله"
وقوله: { فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ } يقول: هو غفار لذنوب من شاء من عباده إذا تاب وأناب منها، معاقب من أصرّ عليها وأقام، لا يمنعه مانع من فعل أراد أن يفعله، ولا يحول بينه وبين ذلك حائل، لأن له مُلك السموات والأرض، وهو العزيز الحكيم.
----------------------------------
قال الطبري رحمه الله"
وقوله: { هَلْ أتاكَ حَدِيثُ الجُنُودِ } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: هل جاءك يا محمد حديث الجنود، الذين تجندوا على الله ورسوله بأذاهم ومكروههم يقول: قد أتاك ذلك وعلمته، فاصبر لأذى قومك إياك، لما نالوك به من مكروه، كما صبر الذين تجند هؤلاء الجنود عليهم من رسلي، ولا يثنيك عن تبليغهم رسالتي، كما لم يَثْنِ الذين أرسلوا إلى هؤلاء، فإن عاقبة من لم يصدّقك ويؤمن بك منهم إلى عطب وهلاك، كالذي كان من هؤلاء الجنود، ثم بين جلّ ثناؤه عن الجنود من هم؟ فقال: { فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ } يقول: فرعون، فاجتُزىءَ بذكره، إذ كان رئيس جنده، من ذكر جنده وتُبَّاعه. وإنما معنى الكلام: هل أتاك حديث الجنود فرعون وقومه وثمود وخفض فرعون ردّاً على الجنود، على الترجمة عنهم، وإنما فتح لأنه لا يجرى وثمود.
يقول تعالى ذكره: ما بهؤلاء القوم الذين يكذّبون بوعيد الله، أنهم لم يأتهم أنباء من قبلهم من الأمم المكذّبة رسل الله، كفرعون وقومه، وثمود وأشكالهم، وما أحلّ الله بهم من النقم، بتكذيبهم الرسل، ولكنهم في تكذيب بوحي الله وتنزيله، إيثاراً منهم لأهوائهم، واتِّباعاً منهم لسنن آبائهم { وَاللّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ } بأعمالهم، مُحْصٍ لها، لا يخفى عليه منها شيء، وهو مجازيهم على جميعها.وقوله: { بَلْ هُوَ قُرآنٌ مَجيدٌ } يقول، تكذيباً منه جلّ ثناؤه للقائلين للقرآن هو شعرٌ وسجع: ما ذلك كذلك، بل هو قرآن كريم.------------------------------------
قال الطبري رحمه الله"
وقوله: { فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ } يقول تعالى ذكره: هو قرآن كريم، مثبت في لوح محفوظ.
------------------------
قال الطبري رحمه الله"
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: { مَحْفُوظٍ } فقرأ ذلك من قرأه من أهل الحجاز، أبو جعفر القارىء، وابن كثير. ومن قرأه من قرّاء الكوفة عاصم والأعمش وحمزة والكسائي، ومن البصريين أبو عمرو { محفوظٍ } خفضاً على معنى أن اللوح هو المنعوت بالحفظ. وإذا كان ذلك كذلك كان التأويل في لوح محفوظ من الزيادة فيه، والنقصان منه، عما أثبته الله فيه. وقرأ ذلك من المكِّيين ابن مُحَيْصِن، ومن المدنيين نافع «مَحْفُوظٌ» رفعاً، ردّاً على القرآن، على أنه من نعته وصفته. وكان معنى ذلك على قراءتهما: بل هو قرآن مجيد، محفوظ من التغيير والتبديل في لوح.والصواب من القول في ذلك عندنا: أنهما قراءتان معروفتان في قَرَأة الأمصار، صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وإذ كان ذلك كذلك، فبأيّ القراءتين قرأ القارىء فتأويل القراءة التي يقرؤها على ما بيَّنا.
# عن مجاهد { فِي لَوْحٍ } قال: في أمّ الكتاب.# عن قتادة { فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ } عند الله.
---------------------------
قال الطبري رحمه الله"
وقال آخرون: إنما قيل محفوظ، لأنه من جبهة إسرافيل.
:--------------------------
تمّ تاويل السّورة