الفاضلة أميرة الثقافة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رغم اختصاركم للموضوع الكبير الذي تم مناقشته في تلك الجلسة، لكنه يبقى كبيرا و هاما .. ولكن تماشيا مع محاولة إعطاء الموضوع بعض حقه، أرجو أن تأذني لي بمحاولة تفكيكه للتعرف على أجزاءه قبل محاولة إعادة تركيبه مرة أخرى .. وعليه سنناقش موضوع التعليم بقليل من الصبر ..
لو أراد أحدنا أن يسافر لأوكرانيا ـ مثلا ـ فإن أسئلته واستفساراته لن تكون حول بنما أو ساحل العاج، بل ستنصب حول أوكرانيا بالتحديد، عن طقسها وعملتها و أشهر الأماكن فيها إضافة لغرض الزيارة..
وهكذا هو العلم، عندما يخدم العلم قضية أو مجموعة قضايا لفرد أو فئة أو مجتمع بحاله، فإنه سيكون أمام من يتحكمون في مساره محوران لتشكيل النسق الذي سيوجهون العلم من أجله .. المحور الأول: الضرورة .. والثاني : الوظيفة .. فالضرورة تبرز أو يتدافع بروزها مع الحاجات المتتالية في توظيف العلم، فهنا ارتبطت الضرورة بالوظيفة ارتباطا عضويا متينا ..
سأحاول تفسير ما أخشى أن يكون لفه الإبهام ..
عندما أصيب الخليفة العباسي (أبو جعفر المنصور) بمرض التهاب القولون، تم إحضار أطباء من رعايا الدولة العباسية وجيرانها (كضرورة) .. ثم أخذ الناس امتهان الطب والترجمات ليوظفونها بخدمة البلاط والتقرب من الحكام، فبرز علم الترجمة عند العباسيين .. ثم أنشئت دور الحكمة للغوص بشتى العلوم الخ..
أحيانا يجلس أحد رجال الاقتصاد في تفحص مصير بضاعته التي ينتجها وقد انخفضت أرباحه وقلت مبيعاته نتيجة منافسات السوق، فيحاول توظيف بعض الأموال لتقليل الكلفة من أجل المنافسة بسعر السلعة أمام السلع الشبيهة لها في السوق .. هنا تنتفي فكرة العلم من أجل العلم وتحل محلها فكرة استخدام العلم كوسيلة لتعزيز المكانة الاقتصادية ..
هذه الطقوس شاعت في أوروبا لتواصل العهود المتماسكة منذ عهد الأنوار لعهد الإمبريالية ( بجانبها الاقتصادي) .. فكان السباق على العلم مربوطا بفكرة التقدم الاقتصادي. ولا ننسى التوظيف الأيديولوجي لخدمة تلك الأفكار وحملها، حتى أصبح المناخ العام مشجعا لتزايد براءات الاختراعات و انتشار العلوم التطبيقية ..
هذه المسألة طبقت في كل من الصين الحديثة والهند وجنوب شرق آسيا .. ونجحت نجاحا باهرا ..
في الصين مثلا، يذهبون بطلاب الخامس الابتدائي للمصانع ليشدوا بعض البراغي للعب أو (برايات) أو يقومون بتغليف بعض الصناعات الخفيفة .. ويبقون في تلك المصانع لمنتصف النهار حيث تقدم لهم وجبة طعام ..ثم يذهبون للمدارس ليتفقهون فيما عملوا أو ليتم تفسير ما رأوه بالمصانع ضمن منهاج تدريسي واضح ..
في بلادنا العلم ينفصل عن الحياة وينفصل عن الأداء الاقتصادي، ويحفظ الطالب ما تعلمه ليمتحن به ثم يطلقه طلاقا لا رجعة فيه ..
كما أن الإحساس المركزي بضرورة التعليم في بلادنا (أي ما يخص الدولة) ليس بالإحساس الوظيفي العضوي ..
وهذا بطبيعة الحال ليس له علاقة بالعرق أو المنشأ أو جنسية المواطن، فكثير من أبناء أمتنا يبدعون في مجالات عدة في دول غير دولهم، لأن تلك الدول تربط بين الوظيفة والضرورة للعلم، كما كان أجدادنا يربطونها ..
أخشى أن يكون ردي مطولا و ثقيلا
تقبلي احترامي و تقديري
__________________
ابن حوران
|