ويكرر المؤلف نفس الكلام عن العرش وقلب المؤمن فيقول:
"وإذا كان قلب المؤمن عرش الرحمن فلنا أن نفهم وجها آخر لقوله تعالى: (ثم استوى على العرش) فلا توجد فسحة أو مجال آخر ولو بقيد أنملة للأغيار، وذلك هو القلب السليم الذي أريد منا الإتيان به كما حكى عنه القرآن الكريم (إلا من أتى الله بقلب سليم) ، وقد سئل الإمام الصادق عليه السلام عن ذلك فقال: (السليم الذي يلقى ربه وليس فيه أحد سواه) وقد سئل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: ما القلب السليم؟ فقال صلى الله عليه وآله: (دين بلا شك وهوى، وعمل بلا سمعة ورياء) فتلك هي آفات القلوب ومدسسات البصيرة في التراب
وعن الإمام الصادق وهو يصف لنا القلب السليم بأوجز وصف: (هو القلب الذي سلم من حب الدنيا) ، ولذلك فإن (شر العمى عمى القلوب) ، بل (إنما الأعمى أعمى القلب) وذلك تصديقا لقوله تعالى: (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)"
والكلام عن كون القلب السليم الذي سلم من حب الدنيا خطأ يتعارض مع وجوب حب المسلم بمتاع الدنيا الحلال كما قال تعالى :
" قل من حرم زينة الله والطيبات من الرزق"
وهو ما فهمه العقلاء فقال:
" ولا تنس نصيبك من الدنيا"
وحدثنا الرجل بلغة الصوفية أو لغة الخصوص كما يزعمون فقال :
" فالقلب نافذة مشرعة إما تطل بصاحبها على الملكوت والساحة المقدسة الأسمائية والصفاتية إن تفرد القلب بحب الله تعالى وصفا له وتوحد به، فيبصر ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وإما تطل بصاحبها على تلك الصحاري المجدبة والظلمات الموحشة إن تصفحت عينا القلب وتنصتت أذناه إلى الأغيار فتكسر بذلك مصابيح القلب وتوقر أذناه روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله قوله: (ما من قلب إلا وله عينان وأذنان، فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح عينيه اللتين للقلب ليشاهد بهما الملكوت)
فإذا ما خلي القلب من الأغيار واختلى بمحبوبه الأوحد، سقي شرابا طهورا (وسقاهم ربهم شرابا طهورا) من كأس الحب والتطهير التام عما سوى المحبوب، ويا له من شراب عذب سائغ ومن سقي لا ظمأ بعده أبدا، ومن ساق أزال كل الوسائط عن محبيه (وسقاهم ربهم) فلا واسطة ولا مسافات تحجبهم عنه، وعندئذ يتميز من كان يعبد ربه حبا وشكرا عمن كان يعبده طمعا في جنته أو خوفا من ناره، فلا يكون بينه وبين محبوبه حاجب ولا ساتر، وهذا هو معنى القرب والفوز العظيم؛ يقول الطباطبائي: (وهؤلاء هم المقربون الفائزون بقربه تعالى، إذ لا يحول بينهم وبين ربهم مما يقع عليه الحس أو يتعلق به الوهم أو تهواه النفس أو يلبسه الشيطان، فإن كل ما يتراءى لهم ليس إلا آية كاشفة عن الحق تعالى، لا حاجبا ساترا، فيفيض عليهم ربهم علم اليقين، ويكشف لهم عما عنده من الحقائق المستورة عن هذه الأعين المادية العميقة، بعدما يرفع الستر فيما بينه وبينهم )
وبذلك نكون قد عرفنا أن المعرفة الإلهية هي الأصل الأصيل المورث للحب، وأن الحب بدوره يورث الإخلاص في قلب المحب لمحبوبه فعدم الإخلاص عدم للحب، وعدم الحب عدم للمعرفة الإلهية، (بل الإنسان على نفسه بصيرة) "
والخطأ هنا كون المعرفة الإلهية هي الأصل الأصيل المورث للحب فالأصل هو المشيئة التى تريد الإيمان وأما المعرفة فقد تضر صاحبها وتولد كفرا كما فى حالة عدم العمل بالمعرفة كما فى تشبيه العارفين بالحمار الحامل للكتب دون طاعة لها
|