وقد يحصل الموت دون أن يحصل هذا المؤثر الخارجي والسبب لا بد أن ينتج المسبب حتما، فلم يبق إلا أن سبب الموت الحقيقي الذي ينتج المسبب حتما وهو الموت، هو غير هذه الأشياء "
والكلام هنا صحيح ويستشهد الكاتب على ما قاله بآيات الوحى فيقول:
"وهذا السبب الحقيقي لم يستطع العقل أن يهتدي إليه لأنه لم يقع تحت الحس فلا بد أن يخبرنا به الله تعالى، وأن يثبت هذه الأخبار عن السبب الحقيقي للموت بدليل قطعي الدلالة قطعي الثبوت حتى نؤمن به، لأن ذلك من العقائد وهي لا تثبت إلا بالدليل القطعي وقد أخبرنا الله تعالى في آيات متعددة بأن سبب الموت هو انتهاء الأجل، وإن الله هو الذي يميت فالموت يحصل حتما بالأجل ولا يتخلف مطلقا فكان الأجل سببا للموت، والذي يميت هو الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يباشر فعل الموت وقد ورد ذلك في آيات متعددة، قال تعالى: {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا} أي كتب الموت كتابا مؤجلا مؤقتا إلى أجل معلوم لا يتقدم ولا يتأخر وقال تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها} أي هو الذي يميت الأنفس حين تموت، فهو الذي يسلب ما هي به حية وقال تعالى: {ربي الذي يحي ويميت} أي هو الذي يباشر خلق الحياة وإيجادها وهو الذي يباشر فعل الموت وإيقاعه وقال تعالى: {والله يحي ويميت} وقد قال الله ذلك ردا لقول الذين كفروا فالآية هي {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحي ويميت والله بما تعملون بصير} أي الأمر بيد الله قد يحيي المسافر والغازي ويميت المقيم والقاعد كما يشاء وقال تعالى: {أينما تكونوا يدركم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة} أي في أي مكان تكونون، فإن الموت يدرككم ولو كنتم في حصون حصينة وقال تعالى: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم} وهذا جواب للكفار فالله يقول إنهم راجعون إلى ربهم فسوف يميتهم، إذ يرسل لهم ملك الموت ليتوفاهم، والآية هي: {وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون} أي يستوفي أنفسكم، فالتوفي استيفاء الروح وقال تعالى: {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم} أي إن الموت الذي تفرون منه وتهربون ولا تجسرون أن تتمنوه خيفة أن تؤخذوا بوبال كفركم لا تفوتونه وهو ملاقيكم لا محالة وقال تعالى: {إذا جاء أجلهم فلا يستاخرون ساعة ولا يستقدمون} أي إذا حل الأجل الذي قدره لهم، لا يتأخرون عنه أقل وقت ولا يتقدمون أقل وقت وإنما قال ساعة كناية عن أقل الوقت
وقال تعالى: {نحن قدرنا بينكم الموت} أي نحن قدرنا بينكم الموت تقديرا وقسمناه عليكم قسمة الرزق علىختلاف وتفاوت كما تقتضيه مشيئتنا، فاختلفت أعماركم من قصير وطويل ومتوسط فهذه الآيات وغيرها مما هو قطعي الثبوت قطعي الدلالة تدل دلالة لا تحتمل غير معنى واحد هو أن الله هو الذي يحيي ويميت بالفعل دون وجود أسباب ومسببات، وأن الإنسان لا يموت إلا بانتهاء أجله، وليس من الحالة التي حصلت، وظن أنها سبب الموت فيكون سبب الموت هو انتهاء الأجل فحسب وليس الحالة التي حصل فيها الموت "
وبعد كل هذا الكلام الصحيح أدخلنا الرجل فى متاهة من حلال تفسير قةله تعالى " وما رميت إذ رميت ولكن الله رم؟ فقال :
"ولا يقال إن إسناد الموت إلى الله باعتبار الخلق، أما المباشرة فهي من الإنسان أو من الأسباب التي نتج عنها الموت، كقوله تعالى: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} وكقوله: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} وقوله تعالى: {يضل من يشاء ويهدي من يشاء}
لا يقال ذلك، لأن هناك قرائن تصرف مباشرة الفعل عن الله إلى الإنسان، وتجعل المعنى أن الله خلق الرمي وخلق شرح الصدر وخلق ضيق الصدر وخلق الضلال وخلق الهداية، ولكن الذي يباشر ذلك فعلا ليس الله، وإنما هو الإنسان وهذه القرائن عقلية وشرعية، لأن قوله {رميت} معناه حصل الرمي من الرسول، ولأن معاقبته على الضلال وإثابته على الإسلام يدل على وجود الاختيار من الإنسان، يختار الإسلام أو يختار الكفر مما يدل على أن المباشر للفعل الإنسان ولو كان المباشر هو الله لما أثابه ولا عذبه وأيضا فإن الأمر المحسوس المعقول أن الرسول هو الذي كان يرمي، وأن الإنسان هو الذي يهتدي باستعمال عقله استعمالا صحيحا، ويضل بعدم استعمال عقله أو باستعماله استعمالا غير مستقيم، وهذا بخلاف الموت، فإنه لم ترد أي قرينة تدل على أن مباشرة الموت من غير الله، وأنه حصل بغير انتهاء الأجل فإنه ثبت أنه لا يوجد سبب محسوس للموت، ولا يوجد نص يصرف معنى الآيات عن معناها الصريح، ولا قرينة تدل على أن المباشر للموت غير الله، فتبقى الآيات على المعنى الذي وردت به صراحة حسب مدلول اللغة والشرع، وهو أن المباشر للموت هو الله تعالى"
تفسير الجملة هو والذى قذفت حين قذفت أى الله قذف ففعل المخلوق يحدث فى نفس وقت خلق الله له وهو ما فسره الله تعالى بقوله :
" وما تشاءون إلا أن يشاء الله"
فالفعل يحدث من المخلوق فى وقت خلق الله له ولذا قال إبراهيم (ص) :
" والله خلقكم وما تعملون"
ثم وصل المؤلف إلى النتيجة التالية:
"ومن ذلك كله يتبين أن الدليل العقلي، يدل على أن الأشياء التي يحصل فيها الموت عادة هي حالات وليست أسبابا وأن السبب الحقيقي هو غيرها، مما لا يقع تحت الحس وثبت بالدليل الشرعي أن هذه الأشياء التي يحصل منها الموت ليست هي التي توجد الموت ولا هي أسبابا للموت ودلت الآيات القطعية على أن سبب الموت هو أنتهاء الأجل، وأن المميت هو الله سبحانه وتعالى"
وهو ما يعنى أن السبب الوحيد للموت هو انتهاء الأجل وأما ما نسميه الأسباب فهذا هو تفسير بشرى وهو ليس تفسير صحيح
وقد غفل المؤلف عن نقطة هامة وهى :
ان الله أوكل الموت إلى ملك من الملائكة سماه ملك الموت فقال :
"قل يتوفاكم ملك الموت الذى وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون"
ومن ثم فالفعل وهو الموت يحدث من الله خلقا للموت ويحدث فى نفس الوقت من الملك بالطريقة التى علمه الله بها قبض النفوس
|