والجدل والنقاش كان مسلطا عليه أكثر مما كان مسلطا على الخاصيات ولما كان (القضاء والقدر) إسما واحدا لمسمى، ولو كان مركبا من كلمتين فهما مندمجتان مع بعضهما ومندرجة أحداهما تحت الأخرى، فقد غلب ظهور بحث القضاء والقدر فيما بعد على بحث فعل العبد أكثر منه على بحث الخاصيات التي يحدثها الإنسان واستمر النقاش في (القضاء والقدر) وصار كل يفهمه على وجه يخالف الوجه الآخر"
وبين المؤلف أن تاريخيا انتصر أهل السنة بسبب اختفاء المعتزلة من الوجود إلا نادرا فقال:
وقد جاء بعد شيوخ المعتزلة وشيوخ أهل السنة تلامذتهم وأتباعهم واستمر النقاش بينهم وتجدد في كل عصر، ونظرا لضمور المعتزلة وغلبة أهل السنة صار النقاش يميل إلى جانب رأي أهل السنة، وصار المتناقشون يختلفون في القضاء والقدر وصاروا يضعون لها معاني جديدة يتخيلونها من عند أنفسهم ويحاولون تطبيق ألفاظ اللغة أو ألفاظ شرعية عليه فصار بعضهم يقول (القضاء والقدر) سر من أسرار الله لا يعرفه أحد وصار بعضهم يقول لا يجوز البحث في القضاء والقدر مطلقا لأن الرسول ? نهى عن ذلك ويستدل بحديث [إذا ذكر القدر فأمسكوا] وصار بعضهم يفرق بين القضاء والقدر فيقول إن القضاء هو الحكم الكلي في الكليات فقط، والقدر هو الحكم الجزئي في الجزئيات وتفاصيله وبعضهم يقول: إن القدر هو التصميم، والقضاء هو الإنجاز، وعلى هذا الرأي أن الله يصمم العمل، أي يرسمه ويضع تصميمه، فيكون قد قدر العمل فهو القدر، وأنه تعالى ينفذ العمل وينجزه فيكون قد قضى العمل فهو القضاء ومنهم من قال إن المراد بالقدر التقدير وبالقضاء الخلق وبعضهم يجعل الكلمتين متلازمتين فيقول إن القضاء والقدر أمران متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، لأن أحدهما بمنزلة الأساس وهو القدر والآخر بمنزلة البناء وهو القضاء، فمن رام الفصل بينهما فقد رام هدم البناء ونقضه ومنهم من فرق بينهما فجعل القضاء شيئا والقدر شيئا آخر"
وبين المؤلف أن المسألة انتهت إلى أن القضاء والقدر أصبح له معنى واحد فقال :
"وهكذا ظل النقاش يدور في موضوع (القضاء والقدر) كمسمى معين سواء عند الذين فرقوا بينهما أو جعلوهما متلازمين إلا أنه كان له مدلول واحد عند الجميع؛ وعلى أي تفسير من التفاسير هو فعل العبد من حيث إيجاده هل أوجده الله أم أوجده العبد أم خلقه الله عندما قام به العبد؟ وتبلور البحث وتركز على هذا المدلول وظل النقاش يدور على نفس الصعيد وصار بعد وجود هذا البحث توضع مسألة (القضاء والقدر) في بحث العقيدة وجعلت أمرا سادسا من أمور العقيدة لأنها صارت تدل على أمر يتعلق بالله من أنه هو الذي يخلق الفعل ويخلق خاصيات الأشياء سواء أكان هذا الفعل وهذه الخاصيات خيرا أم شرا
ومن ذلك يتبين أن (القضاء والقدر) باعتبارهما إسما واحدا لمسمى واحد أو على حد تعبيرهم باعتبارهما أمرين متلازمين، لم توجد في أبحاث المسلمين إلا بعد وجود المتكلمين وأنه ليس في مسألتها أي (القضاء والقدر) إلا رأيان اثنان أحدهما حرية الاختيار وهو رأي المعتزلة والثاني الإجبار وهو رأي الجبرية وأهل السنة مع اختلاف بينهما بالتعابير والاحتيال على الألفاظ واستقر المسلمون على هذين الرأيين وحولوا عن رأي القرآن ورأي الحديث وما كان يفهمه الصحابة منهما إلى المناقشة في اسم جديد هو (القضاء والقدر) أو (الجبر والاختيار) أو (حرية الإرادة) "
بالقطع دون الدخول فى متاهات الحقيقة هى:
المسألة موجودة فى كتاب الله تحت مسميات مختلفة منها المشيئة ومنها المصيبة ومنها القضاء ومنها القدر ومن ثم لا علاقة لها باليونان إلا أن يكون الله أو وحيه يونانيا أى مسروق بلفظ أوضح من عندهم والعياذ بالله
حقائق المسألة :
1-قال تعالى "الله خالق كل شىء " ومن ثم كل ما يحدث فى الكون من أحداث من المخلوقين هو خلق الله بمعنى :
أن الله يشاء العمل فى نفس الوقت الذى يشاءه المخلوق كما قال تعالى :
" وما تشاءون إلا أن يشاء الله"
ولذا وصف إبراهيم عمل المخلوق بأنه مخلوق هو وصاحبه فقال :
" والله خلقكم وما تعملون"
وبناء على هذا خلق الهداية والضلال والصلاح والفساد ....وغير هذا
2- الله يخلق ما نسميه شر أى فساد أى كفر وهو لا يرضى عنه والمراد لم يشرع عمله أى لم يبحه وإنما جعله باطل وفى هذا قال تعالى :
"إن تكفروا فإن الله غنى عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم"
3- أعمال الإنسان على نوعين :
الأول العمل الإرادى وهو الذى يختاره بمشيئته من خير أو شر كما قال تعالى :
"فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها"
الثانى العمل الإجبارى وهو العمل المرتبط بأجهزة الجسم الداخلية كهضم المعدة للطعام والتنفس وهذا لا يتحكم فيه الإنسان
|