قراءة نقدية لمحاضرة التربية الذاتية
قراءة نقدية لمحاضرة التربية الذاتية
المحاضر هو محمد الدويش وتعبير التربية الذاتية هو تعبير خاطىء مأخوذ من العلوم الاجتماعية الغربية ولا جود له في الإسلام لأن التربية عملية خاصة بالصغر ويقوم بها هم من يربونه كما قال تعالى :
" وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا"
وعرف الدويش التربية الذاتية فقال :
"ماذا نعني بالتربية الذاتية عندما نتحدث عن التربية الذاتية أو عن دور الشاب في تربية نفسه فإننا نقصد بها ذلك الجهد الذي يبذله الشاب من خلال أعماله الفردية، أو من خلال تفاعله مع برامج عامة وجماعية لتربية نفسه؛ فهي تتمثل في شقين:
الأول : جهد فردي بحت يبذله الشاب لنفسه،
الثاني :جهد فردي يبذله من خلال تفاعله مع برامج عامة، وسيأتي مزيد توضيح لهذا الجانب."
كما سبق القول ما يقوم به الإنسان العاقل ليس تربية ذاتية وإنما حساب للنفس أو بالتعبير القرآنى تغيير النفس للحسن كما قال تعالى:
" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"
وطرح الدويش سؤالا عن سبب التربية الذاتية أى تقويم النفس وتعديلها وأجاب فقال :
"لماذا التربية الذاتية؟
عندما نطالب الشاب بأن يدرك مسؤوليته عن تربية نفسه، ونطالب الشاب بأن يقوم بجهد في تربية نفسه، فلماذا هذه المطالبة؟ وما المبررات والمسوغات للحديث عن هذه التربية الذاتية؟ إننا نقول لكل شاب، بل نقول لكل مسلم صغيرا كان أم كبيرا، ذكرا كان أم أنثى: لابد أن تتحمل مسؤوليتك في تربية نفسك، فالذي يدفعنا لذلك مبررات عدة، منها:
أولا: مبدأ المسؤولية الفردية إن المسلم بل كل إنسان في هذه الحياة مسؤول مسؤولية فردية يقول - جل وعلا - [ ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى] ، ويقول سبحانه [كل نفس بما كسبت رهينة] .
إنك حين تقرأ في نصوص القرآن الكريم أو في نصوص السنة النبوية تجد التأكيد الواضح على أن كل فرد مسؤول مسؤولية خاصة عن نفسه، حتى ذاك الفرد يتعرض إلى الإضلال والغواية من خلال الضغط الذي يمارسه عليه غيره، سواء أكان ضغطا نفسيا أم ضغطا اجتماعيا -أيا كان مصدر هذا الضغط- لا يعفيه ذلك من المسؤولية، ونقرأ في القرآن الكريم في آيات عدة نماذج من الحوار الذي يدور يوم القيامة بين الذين اتبعوا وبين الذين اتبعوا، أو بين الذين استضعفوا والذين استكبروا، فيأتي المستضعفون يطالبون أولئك المستكبرين الذين كانوا سببا في إضلالهم وغوايتهم أن يتحملوا عنهم جزءا من العذاب [ وقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص] ،[ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار]. وقال(ص):"من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان له من الوزر مثل أوزار من تبعه غير أنه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا". وفي الحديث الآخر: "ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا". "
الأحاديث السابقة باطلة والخطأ فيها هو أخذ الداعى للهدى أو المستن أجر كأجور التابعين أى المستنين به وتحمل الداعى للضلال أو المستن للضلال ذنوب الأخرين الذين اضلهم واستنوا به وهو يخالف أن الإنسان ليس له سوى أجر سعيه أى عمله مصداق لقوله تعالى بسورة النجم"وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ".
والرجل بهذا الكلام نقض كلام المسئولية الفردية وحاول الاستدلال عليه بآيات القرآن فقال :
"فهذا فلان من الناس اتبع زميله أو صديقه أو أباه، وسار وراءه وأصبح ظلا له، حتى قاده إلى طريق الضلالة والانحراف سيأتي يوم القيامة هذا الذي أضله يحمل وزر نفسه ووزر هذا الذي أضله [ ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون] "
والآية يفسرها على غير ما ورد في القرآن وتفسيرها هو :
،يبين الله للنبى(ص) أن الكفار يحملون أوزارهم كاملة يوم القيامة والمراد يعرفون أفعالهم تامة يوم البعث وهى أثقالهم ويعرفون أوزار الذين يضلونهم بغير علم والمراد ويعلمون أثقال أى أعمال الذين يبعدونهم بغير وحى مصداق لقوله بسورة العنكبوت "وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم "وهذا يعنى أنهم يعرفون أعمالهم وأعمال غيرهم من خلال تسلم كتبهم المنشرة ومشاهدتها ،ويبين لنا أنه ساء ما يزرون والمراد قبح ما يعملون مصداق لقوله تعالى "إنهم ساء ما كانوا يعملون""
وتحدث عن أن الضعف لا يحمى من يطيع القوى وهو يعلم بأنه يطيع كافر يطلب منه معصية الله فقال :
"ولكن هذا المستضعف لن يعفيه ذلك من المسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى، ولن يغنيه أن يتلفت يمنة ويسرة، تارة يطالب صاحبه الذي أضله ، وتارة يرجو منه أن يتحمل عنه جزءا من العذاب ]إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار] ومع ذلك لا يعفيه من العذاب، أليس هذا وحده دال على المسؤولية الفردية للإنسان، في أي بيئة وفي أي مجتمع وجد، وحتى لو سار وراء صاحبه وهو يظن أنه يحسن صنعا فإن ذلك لا يعفيه أمام الله عز وجل، أرأيتم هذا القطيع الهائل الذي يسير وراء مشايخ أهل الضلال والخرافة، أو وراء غيرهم من أصحاب البدع والانحراف والضلال، كم يظن أولئك أنهم يحسنون صنعا؟ وكم يظن هؤلاء أن أسيادهم وعلماءهم وأئمتهم يقودونهم إلى الطريق المستقيم الذي لا طريق سواه، إنهم ممن قال الله تعالى فيهم [قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذي ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا]."
وضرب الرجل لنا مثلا من التاريخ المزور فقال :
"لنأخذ مثالا من السيرة يجلي لنا هذه الصورة تجلية واضحة، فحين نقض بنو قريظة العهد في غزوة الأحزاب، سار إليهم الرسول (ص)بأمر الله سبحانه وتعالى حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ - - فحكم عليهم سعد أن تقتل مقاتلتهم وأن تسبى ذراريهم، فكانوا يكشفون عن عوراتهم فمن وجدوه قد أنبت قتلوه، فهل قتل ذاك الشاب الذي لايزال في العقد الثاني من عمره ظلما؟ كلا لم يقتل ظلما وقد شهد (ص) على هذا الحكم بأنه حكم الله من فوق سبع سماوات، إن هذا الشاب ولد في بيئة تربيه على الكفر والضلال، أبوه يهودي وأمه يهودية، وسائر أقاربه وجيرانه كذلك، ومع ذلك فهو يتحمل المسؤولية عن نفسه، كان عليه أن يبحث عن طريق الهداية والنجاة، وعن طريق الحق والخير، وما كان ربك ليظلم أحدا سبحانه وتعالى وهو أحكم الحاكمين، فإذا كان هذا الشاب الذي عاش في هذا المجتمع الغارق في الانحراف والغواية تمارس تجاهه كل وسائل التضليل، وتطمس عليه الحقائق وتصور له بغير صورها، ومع ذلك لم يكن معذورا فغيره من باب أولى."
والحقيقة أن الدويش هنا يمثل الظلم بعينه وهو ظلم مخالف لكتاب الله الذى يجعل الطفل غير مكلف وغير مسئول فيعتبره كافر لأن أبويه كافرين من اليهود وهو ما يناقض اعتبار الله الأطفال سفهاء كما قال تعالى :
" ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"
الغريب أن الرجل صدق أن ما يروى حكم الله والله لم يحكم بوجود سبى في الإسلام أى اتخاذ النساء إماء وإنما بين أن هذا فعل الكفار كقوم فرعون فقد قال :
"ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم"
لقد حكمت الرواية بحكم الكفار وليس بحكم الله
ولو كان حكم الرواية صحيحا فلماذا استنكر موسى(ص) استعباد فرعون لقومه فقال :
" وتلك نعمة تمنها على أن عبدت بنى إسرائيل"
ثم قال :
ثانيا: الحساب الفردي يوم القيامة إن من لوازم المسؤولية الفردية أن كل إنسان سوف يحاسب يوم القيامة حسابا فرديا، قال عز وجل [واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون]
|