(25)
الفصل الثاني
لغة القصيدة الحديثة
اللغة هي الأداة الأساسية لشاعر –وللأديب عمومًا- أو لنقل إنها الماة الأولى التي يشكل منها وبها بناءه الشعري بكل وسائل التشكيل الشعري المعروفة ، أو أنها الأداة الأم التي تخرج كل الأدوات الشعرية الأخرى من تحت عباءتها ،وتمارس دورها في إطارها .
وإذا كان النثر يستخدم اللغة كما يستخدمها الشاعر ،فإن ثمة فروقًاً جوهرية بين استخدام الشاعر اللغة ،واستخدام الناثر لها ، أو بين"لغة الشاعر " و"لغة النثر"لأن للشعر لغة خاصة داخل اللغة ينذر الشاعر نفسه ويفنيها في سبيل تحديدها وإبداعها.(1) .والفارق الأساسي بين الاستخدامين أنه في لغة الشعر يستهلك المضمون الشعري ، و في البناء اللغوي الذي "يتضمنه " بحيث يستحيل الفصل بينهما ؛فالمشاعر والأحاسيس والأ فكار ، وكل العناصر الشعورية والذهنية ، تتحول في الشعر إلى عناصر لغوية بحيث إذا تقوض البناء اللغوي في الشعر تقوض معه الكيان النفسي والشعوري المتضمن فيه ، يخلاف النثر الذي يظل المضمون فيه متميزًا إلى حد ما عن الشكل اللغوي الذي "يحمله "بحيث يمكن لهذا الشكل اللغوي أن يفنى ويتلاشى-بل إنه يفني ويتلاشى بالفعل – عقب إيصاله للمضمون الذي يحمله ، دون أن يتلاشى هذا المضمون أو يتأثر ،وذلك لاأن اللغة في النثر "وسيلة" تؤدي غرضًا محددًا ، وتوصل إلى غاية معينة ، ومن ثم فإن دورها –شأن كل وسيلة من الوسائل –ينتهي بالوصول إلى الغاية المستهدفة من ورائها ، على حين أن اللغة في الشعر " غاية" في ذاتها،والتشكيل اللغوي الذي يشكله الشاعر في القصيدة ليس وسيلة لأي هدف آخر وراءه.
______________
(22)انظر:Paul Valery p.85