عندما تغسل الخادمة محفظتك ..
عندما يرزق المرء بخادمة لا تعرف الكلل و الملل ، كالنحلة دؤوبة الحركة نشيطة من دور إلى دور و غرفة إلى غرفة .. مقسمة أسبوعها بل يومها ما بين غسيل و كي و طبخ و مسح و ترتيب و كنيس ، مضحية بجهدها و وقتها و صحتها مخلصة في عملها ، إنها حينئذ تستحق لقب وزيرة العمل في كل بيت و لا فخر ، و إنه يتوجب عليه حينئذ أن يشكر الرب على هذه النعمة ...
رزقنا في بيتنا بواحدة من هاتيك النساء المجدات ، لكنها أحيانا تقوم بأعمال لا تغتفر إلا إذا غمست في بحر حسناتها و فضائلها ...
في يوم لا أدري أهو ذو برد قارص أو حر قائض ، أخطئت خادمتنا خطأ لا يغتفر ، لقد رمت الثوب بما حمل في 'الغسالة' بما فيه من محفظة و أقلام و مفاتيح ، ثم أحست بوقع المصيبة عندما أنتهت كعادتنا و مباشرة طلبت حق اللجوء السياسي عند الوالدة _ حفظها الله _ ثم أخبرتني لتتشمت بي فقط لا غير ، أخرجت _بضم التاء _ المحفظة و أنا أقول متهكما : يعني فيها ريال و لا ريالين ، ( مواطن غلبان عادي جدا )
و البطايق ضد الماء ، الحمدالله على كل حال ..
حملت المحفظة و إذا بوزنها تقريبا نصف كيلو جرام ، كاد خيالي أن يذهب بي بعيدا لأتخيل نفسي و قد أصبحت من أصحاب المحافظ الثقيلة ، لكن أوقفتني أشارة حمراء عند مصيبة تولدت عن المصية الأولى و هكذا هي المصائب ، وجدت مئتي ريال لونها بين الحمرة و الإخضرار و ورقة من فئة اليورو ، رميت المحفظة لأهرب من هذه المشكلة إلى النوم كالعادة ..
و تعب السفينة بحر الأيام إلى ذلك اليوم الذي أحتجت فيه المئتين _ التي كنت أخبؤها في أحد الدروج حتى تلجأني الأيام إلى حل هذه المشكلة _ كان بطني خاليا و رصيد الجوال خاليا ، ذهبت إلى صاحب البقالة الهندي أو البنقالي أو المصري نسيت لكني متأكد أنه ليس سعوديا ، أخرجت له المئتين بكل ثقة و طلبت منه بطاقة شحن الأقل سعرا قلب نظره في _ بتشديد الياء _ و في المئتين ثم قال : لا يوجد صرف لدينا !! ..
ذهبت إلى جاره صاحب البوفية ، طلبت منه مباشرة دون أن أخبره عن المئتين متعلما من درسي الأول ، أنهى جميع الطلبات و ضعها في الكيس ، أخرجت له المئتين الخضراء أخذها بسرعة لكن بدأت السرعة تقل و تقل إلى أن وصل إلى الدرج ، فردها أمامه و كأنه ينظر إلى خريطة بلد يريد أن يشن حربا عليه همس بصاحبه في العمل تراطنوا بكلام لا أفهمه ، أخذ المئتين ليختفي دقيقة خلف باب المحل ثم ليخبرني : ان لا صرف ، قلت : ابحث جيدا في الصندوق ،
اخرج لي الدرج كاملا و قال : لا صرف ، قلت : و الطلبات ، قال : تسددها بعدين ، شكرته على الثقة العمياء و سألت الله أن يرفع مصيبتي ،
أستشرت بعض أهل الخبرة ، فأشاروا إلي قائلين : مالك إلا هيفا أقصد المجمعات الكبيرة ثم إذا أعيتك الحيلة إتجه إلى البنك ..
فورا توجه المواطن الغلبان إلى مجمع كبير و أخذ يجول و يصول مثل كثير من الناس لا يدري ما يشتري ، و الوقت لا يعرف الإنتظار أو الإمهال أخيرا السلة أتاها من يسليها ، حثثت الخطا إلى المحاسب السعودي هذه المرة ، أخرجت المئتين الخضراء نظر فيها ذهب عند مرؤوسه عاد إلي معزيا قائلا : مالك إلا هيفا _ آسف مرة أخرى _ البنك أو مؤسسة النقد ..
قفزت إلى البنك أخرجت المئتين الخضراء ، قال : مؤسسة النقد ، قلت : ليست مزورة مغسولة فقط !! ، قال : مصدقك لكن مالك إلا .. أستفسرت عن المكان ذهبت كالبطل إلى نفس الشارع ، سألت أحد الأشخاص قال ذلك المبنى في آخر الشارع ، شكرته و بعد دقائق و أنا هناك ..
رأيت الصبات المنتشرة حول المبنى فأخذت أكرر يا ساتر استر يا لطيف ألطف ، أوقفت سيارتي بعيدا عن المبنى كي لا يشتبه في و فيها ، و صلت المبنى هالني عدد الصبات و الكميرات ، و أخذت أمشي و أمشي حول المبنى بحثا عن الباب الرئيسي لكني مترت المبنى تمتيرا و على ما أعتقد أن عرضه يزيد على طوله 15 مترا ، رجعت و أنا أقول في نفسي أكلت المقلب : لقد دلوني على سجن المباحث ..؟!
و عند رجوعي رأيت رجلا يدخل مع باب كان مقفلا عندما مررت به ، أردت أن ألحق به لكن الباب أقفل مرة أخرى ، نظرت فإذا برجل الأمن في غرفته بيني و بينه كما بين الرئيس الياباني و شعبه إذا أراد أن يحدثه قال لي : وش عندك
قلت : مئتين أريد أن أبدلها و أخرجتها له
قال : الساعة 12 أنتهى الدوام
قلت : إبتدائية على غفلة _ في نفسي طبعا _ ، تكفى أرجوك أنا داخل على الله ثم عليك ...
ثم وقفت أمامه متأملا حالي و حال كل من تغسل فلوسه ، فجأة رأيت أناس يدخلون وأحدهم يقول لصاحبه قله : أنا جايك من طرف أبو زيد ..
قلت : يا أبو زيد أنا طيب أرجوك أبو زيد أبو زيد ..
لكن (كنك يا أبو زيد ما ناديت ) ..
نظر إلي العسكري ثم قال : أدخل أدخل ..
دخلت وجدت حراس أمن قالوا أو قبل لا يقولون أخرجت المئتين ثم قالوا : الدوام انتهى لكن يمكن يمشونك ..
ذهبت إلى أحد الشبابيك و أنا مستحضر جميع الأيمان : قلت بعد مقدمات أي مواطن لأي مسأول ( كان الله في عونكم بيض الله وجيهكم ..) أخرجت المئتين و أخذت أسرد له قصتها لكنه نظر فيها ثم بدلها لي ..
خرجت من مؤسسة النقد و أنا فرح و حذر فرح بإنتهاء هذه المعاملة مكللة بالنجاح و حذر على محفظتي من الغسيل ..
أخيرا اسأل الله ان لا يرزقكم بخادمة تغسل ملابسكم و فيها محافظكم ..
" فرناس "
|