الفتنة ومعناها
قال تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة}.
فالخير فتنة، والشر فتنة، ففي الخير يحتاج إلى الشكر، وفي الشر يحتاج إلى الصبر
كي يجتنب الفتنة.. وفتنة السراء أشد من فتنة الضراء، قال عبد الرحمن بن عوف:
- "بلينا بفتنة الضراء فصبرنا، وبلينا بفتنة السراء فلم نصبر"
وقال بعضهم:
- "فتنة الضراء يصبر عليها البر والفاجر، وفتنة السراء لا يصبر عليها إلا صديق".
- ولما ابتلي الإمام أحمد بفتنة الضراء صبر ولم يجزع، وقال: "كانت زيادة في إيماني"
فلما ابتلي بفتنة السراء جزع، وتمنى الموت صباحا ومساء، وخشي أن يكون نقصا في دينه.
ذلك أن فتنة السراء فيها التزين والخداع، فينساق وراءها الغر
وهو يظن أنها كرامة له من الله تعالى ورضا، وما درى أن الله تعالى يستدرج
قوما بالنعم، من حيث لا يشعرون..
إن العظماء هم الذين يرفعون رؤوسهم يردون الفتنة بقوة ويقين، لاتزحزح إيمانهم بالله تعالى..
هم الذين يخمدون نار الفتنة في أنفسهم، ومن حولهم، كما فعل الأنبياء والرسل
دعوا قومهم وهم في لجة الفتنة ونارها، فلم تضرهم، وتجرهم، بل تتبعوها بماء الإيمان
وبرد اليقين، فأخمدوها، واستخرجوا المفتونين، ودفعوا بهم خارجها آمنين
فالفتنة تتعرض وتستشرف وتؤذي، لا يسلم منها أحدا.
نعم..
لكنها لا تأكل كل أحد، لا تأكل أصحاب اليقين والعلو في الدين
إنما تأكل الضعفاء المرتابين، كما قال تعالى:
{ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جنهم لمحيطة بالكافرين}..
كان الجد بن قيس منافقا، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم للغزو
فاعتذر بالخوف على نفسه فتنة نساء الروم، فسقط في الفتنة..
فما يترك الخضوع للدين بدعوى خوف الفتنة إلا مفتون..
عرض على النبي صلى الله عليه وسلم الملك والمال ليدع دعوته
فلم يلتفت إلى هذه الفتنة، ومضى..
وعرض إبراهيم عليه السلام على النار ليترك دعوته، فلم يلتفت إلى هذه الفتنة، ومضى..
وسلم غلام الأخدود من الفتنة، فمات ولم يتزحزح عن دينه..
فكل من رسخ إيمانه، ثبت في الفتنة، فلم تضره، أما عابد الشهوات، فهو يطير خلف كل فتنة.
كان من دعائه صلى الله عليه وسلم:
( اللهم إن أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني
وإذا أردت فتنة في قوم، فتوفني غير مفتون، وأسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربني من حبك)
رواه الترمذي في تفسير سورة ص..
إن الفتن أنواع: منها فتنة الدنيا: مالها، نساؤها، رياستها، جاهها.. ومنها الكفر والبدع..
وفي الأثر النبوي مشروعية الدعاء على النفس بالموت إذا خيف الفتنة، وقد فعلها جمع من الصحابة رضوان الله عليهم
فهذا عمر لما حج آخر عمره، رفع يديه وقال:
" اللهم إنه قد كبر سني، ورق عظمي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون"..
ودعا بنحوه علي رضي الله عنه، ودعت زينب بنت جحش رضي الله عنها لما جاءها عطاء عمر من المال فاستكثرته،
وقال: "اللهم لايدركني عطاء لعمر بعدها"، فماتت قبل العطاء الثاني..
وعمر بن عبد العزيز لما ثقل عليه القيام بحق الرعية، طلب من رجل كان معروفا
بإجابة الدعاء أن يدعو له بالموت، فدعا له ولنفسه بالموت، فماتا..
وكان سفيان الثوري يتمنى الموت كثيرا، فسئل في ذلك فقال:
"ما يدريني لعلي أدخل بدعة، لعل أدخل فيما لايحل لي، لعلي أدخل في فتنة، أكون قد مت، فسبقت هذا .
اللهم ثبتنا على طاعتك .اللهم ابعد عنا الفتن