قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ

[جمال الشرباتي]

قال تعالى في سورة يونس

{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }

قال فيها الطبري رحمه الله ما يلي

(يقول تعالى ذكره: وإذا قرىء على هؤلاء المشركين آيات كتاب الله الذي أنزلناه إليك يا محمد بينات واضحات على الحقّ دالات. { قالَ الَّذِينَ لا يَرْجَوْنَ لِقاءَنَا } يقول: قال الذين لا يخافون عقابنا ولا يوقنون بالمعاد إلينا ولا يصدّقون بالبعث لك: { ائْتِ بقُرآنٍ غيرِ هَذَا أوْ بَدّلْهُ } يقول: أو غيره. قُلْ لهم يا محمد: { ما يَكُونُ لي أنْ أُبَدّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي } أي من عندي.

والتبديل الذي سألوه فيما ذُكر، أن يحوّل آية الوعيد آية وعد وآية الوعد وعيدا والحرام حلالاً والحلال حراماً، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم أن ذلك ليس إليه، وأن ذلك إلى من لا يردّ حكمه ولا يتعقب قضاؤه، وإنما هو رسول مبلغ ومأمور متبع.

وقوله: { إنْ أتَّبِعُ إلاَّ ما يُوحَى إليَّ } يقول: قل لهم: ما أتبع في كلّ ما آمركم به أيها القوم وأنهاكم عنه إلا ما ينزله إليّ ربي ويأمرني به.)

وتفسيره لها جليل متين إلّاأننا نريد إضافة ما يلي--

# قوله تعالى { لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا } فيه وجه آخر غير قوله رحمه الله "قال الذين لا يخافون عقابنا ولا يوقنون بالمعاد إلينا ولا يصدّقون بالبعث لك " وهو " لا يطمعون في ثوابنا " ويمكن أن تكون الجملة التفسيرية "قال الذين لا يخافون عقابنا ولا يوقنون بالمعاد إلينا ولا يصدّقون بالبعث لك ولا يطمعون في ثوابنا "

# فرق بين الإتيان بغيره وتبديله ---هذا الفرق هو أنّ الإتيان بالغير لا يقتضي الرفع ---أمّا التبديل فيقتضي رفع المُبدّل ووضع آخر غيره

# لا يجوز أن يترك الأمر لهم فتتحقق طلباتهم لأنّهم قالوا ما قالوا على سبيل التعنّت والتّحكم ولو جاز أن يستجاب لطلبهم لقالوا في القرآن البديل مثل ما قالوا في الأول

# لا يمكن أن يكون قوله تعالى
: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي } دليلا على منع نسخ القرآن بالسنّة --لأنّ نسخ القرآن بالسنّة الصحيحة ليس نسخا لألفاظه إنّما هو نسخ لأحكامه ---فعليه الصلاة والسلام لا يجوز له أن يبدّل ألفاظ القرآن وهو مبدّل لبعض أحكامه بالنسخ بالسنة الصحيحة التي هي وحي يوحى بألفاظ الرسول عليه الصلاة والسلام

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى }