نقد الرسالة الفصيحة في فهم حديث الدين النصيحة
نقد الرسالة الفصيحة في فهم حديث الدين النصيحة
معد البحث هو عبد العلي بلامين وهو يدور حول شرح حديث الدين النصيحة وذكر رواياته وفى مقدمته القصيرة قال بلامين:
"أما بعد:
فهذا بحث متواضع قمت بإعداده تحت عنوان"الدين النصيحة " أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفع به"
وقد استهل البحث بذكر الروايات ومواضعها فى الكتب وهى :
1 – نص الحديث:
قال الإمام مسلم:
حدثنا محمد بن عباد المكي حدثنا سفيان قال: قلت لسهيل: إن عمرا حدثنا عن القعقاع عن أبيك. قال: ورجوت أن يسقط عني رجلا. قال: فقال: سمعته من الذي سمعه منه أبي كان صديقا له بالشام. ثم حدثنا سفيان عن سهيل عن عطاء بن يزيد عن تميم الداري أن النبي (ص)قال: الدين النصيحة قلنا لمن ؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
2 - درجة صحة الحديث
هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه – كتاب الإيمان: ( باب: بيان أن الدين النصيحة ) رقم 55 – من رواية سهيل عن عطاء بن يزيد الليثي عن تميم الداري. ورواه أيضا من طريق روح بن القاسم قال: حدثنا سهيل عن عطاء بن يزيد أنه سمعه وهو يحدث أبا صالح عن تميم الداري بمثله
وأخرج البخاري في صحيحه ما تضمنه هذا الحديث ضمن كتاب الإيمان – باب قول النبي (ص)" الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " وقوله تعالى: " إذا نصحوا لله ورسوله" رقم 57 " – عن جرير بن عبد الله قال: " بايعت رسول الله (ص)على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم".
فالبخاري جعل الحديث الذي أخرجه مسلم عن تميم الداري عنوانا لآخر باب في كتاب الإيمان، ولم يخرجه – البخاري - مسندا لكونه على غير شرطه، لكنه نبه بإيراده على صلاحيته في الجملة وأنه عمل بمقتضاه في الإرشاد إلى العمل بالحديث الصحيح دون السقيم
ونصيحة البخاري للمسلمين تكمن في جمعه للأحاديث الصحيحة وتبويبها لهم وإخراجها بهذا التصنيف الرائع فكانت نصيحة نقية صافية من شوائب الأحاديث السقيمة.
وروي هذا الحديث من طريق أخرى عن أبي هريرة اختلف فيها العلماء، يقول ابن رجب الحنبلي:" وقد روي عن سهيل وغيره عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي (ص) وخرجه الترمذي من هذا الوجه، فمن العلماء من صححه من الطريقين جميعا، ومنهم من قال: إن الصحيح حديث تميم والإسناد الآخر وهم " وقال البخاري في تاريخه:" لا يصح إلا عن تميم"وللحديث طرق دون هذه في القوة، منها ما أخرجه أبو يعلى من حديث ابن عباس والبزار من حديث ابن عمر"
ونجد الروايات المذكورة فى السابق متناقضة فرواية البخارى تجعل النصح لخمسة هم "الله وكتابه ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم" بينما رواية مسلم تقتصر على أن النصح لكل مسلم وهو ما يعنى الرسول(ص) والأئمة والعامة أى لثلاثة وهو تناقض عددى
وبعد ذلك شرح الرجل ألفاظ الحديث خاصة معنى النصيحة فقال :
"3 - شرح الألفاظ:
الدين: الإسلام كله ، إذ مدار الإسلام على هذا الحديث
النصيحة في اللغة والاصطلاح:
يقصد بالنصيحة في اللغة: الخلوص من الشوائب، فيقال: عسل ناصح أو نصوح، إذا لم يشبه شيء، وكل شيء خلص، فقد نصح، ونصح القول إذا أخلصه له، فالنصح نقيض الغش
كما يقصد بها التئام شيئين بحيث لا يكون ثم تنافر بينهما، فالنصح مصدر قولك: نصحت الثوب إذا خطته ومنه يقال للإبرة: المنصحة وللخياط: الناصح، ويقال للأرض المتصلة بالغيث أو المتصل نباتها بعضه ببعض: أرض منصوحة
والنصيحة اصطلاحا: إخلاص النية من الغش للمنصوح لهو يعبر عنها ابن حجر العسقلاني قائلا:" والمعنى أنه يلم شعث أخيه بالنصح كما تلم المنصحة، ومنه التوبة النصوح، كأن الذنب يمزق الدين والتوبة تخيطه "
الدين النصيحة: يحتمل أن يحمل على المبالغة، أي: معظم الدين النصيحة، كما قيل في حديث " الحج عرفة"، ويحتمل أن يحمل على ظاهره لأن كل عمل لم يرد به عامله الإخلاص فليس من الدين.
وقال الخطابي: النصيحة كلمة جامعة معناه حيازة الحظ للمنصوح له، وهي من وجيز الكلام، بل ليس في الكلام كلمة مفردة تستوفى بها العبارة عن معنى هذه الكلمة قالوا: لمن يا رسول الله ؟: واللام هنا في قولهم: "لمن" للاستحقاق، يعني: من يستحقها في الدين؟ فأجابهم النبي (ص)بقوله: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم""
بالقطع كلمة الدين النصيحة كلمة خاطئة فالدين ليس النصيحة وإنما الدين هو الإسلام كما قال تعالى :
" إن الدين عند الله الإسلام"
ومن ثم فالنصيحة تكون من الناس للناس ومن ثم لا يمكن أن يكون الدين النصيحة وهذا هو ما أكدته الرواية الثانية" والنصح لكل مسلم"وهو ما أكدته كلمة نوح (ص) :
" ولا ينفعكم نصحى إن أردت أن أنصح لكم"
وأما الدين فهو من الله وليس من الناس كما قال تعالى :
"شرع لكم من الدين "
ثم قال :
"4 - الفكرة المحورية:
وجوب الامتثال لأوامر الله والرسول (ص)ومحبتهما، ويتجلى ذلك في العمل بالكتاب والسنة، والسمع والطاعة للإمام في الأمور الشرعية، وتحقيق التناصح بين عامة المسلمين بالإخلاص وحب الخير لهم.
5 - المعنى الإجمالي:
هذا الحديث عظيم الشأن ومن جوامع كلم الرسول الكريم (ص)وعليه مدار الإسلام، فلو عمل أفراد المسلمين وجماعتهم بما تضمنه من معاني النصيحة لنالوا سعادة الدنيا والآخرة ولعاشوا إخوة متحابين تجمعهم عقيدة واحدة وراية واحدة ومنهج واحد في حياتهم.
قال الحافظ أبو نعيم: هذا الحديث له شأن عظيم، وعن أبي داود أن هذا الحديث أحد الأحاديث التي يدور عليها الفقه وذكر محمد بن أسلم الطوسي أنه أحد أرباع الدين.
وقال النووي: بل هو وحده محصل لغرض الدين كله لأنه منحصر في الأمور التالية:
1 – النصيحة لله:
وذلك بالإيمان به سبحانه وتعالى والاعتقاد الجازم بأنه رب كل شيء ومليكه، وأنه الخالق وحده، المدبر للكون كله، وأنه هو الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له، وأن كل معبود سواه، فهو باطل وعبادته باطلة، قال تعالى:" ذلك بأن الله هو الحق وأن ما تدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير" وأنه سبحانه وتعالى متصف بصفات الكمال ونعوت الجلال، منزه عن كل نقص وعيب وهذا هو التوحيد بأنواعه الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات."
هناك معضلة كبيرة فى الحديث وهى النصح لله فتفسيره السابق تفسير باطل فمعنى العبارة النصح لله تعنى أن الله تعالى عن ذلك محتاج للناس فهو يعرفونه الحق من الباطل لأن النصيحة هى تعريف الغير الحق من الباطل ليتبع المنصوح الحق ويترك الباطل وهو ما يناقض قوله تعالى :
" إن الله لغنى عن العالمين "
فالله لا يحتاج لأى شىء من أى مخلوق
وتفسير بلامين أو من نقل عنهم هو" بالإيمان به سبحانه وتعالى والاعتقاد الجازم بأنه رب كل شيء ومليكه، وأنه الخالق وحده، المدبر للكون كله، وأنه هو الذي يستحق العبادة" يعنى أن النصح للإنسان وليس لله فكيف نجعل الله فى الحديث هو الإنسان فى التفسير
الغريب ان بلامين بنى على تفسيره الذى هو تفسير الكثيرين توحيد مقسم لثلاث أقسام لا علاقة لكل ما ذكره فيها من كلام بموضوع الحديث فقال :
"توحيد الربوبية:
والنصيحة لله في ربوبيته تتجلى في الإقرار بأن الله وحده هو الخالق للعالم، وهو المدبر، المحيي، المميت، وهو الرزاق، ذو القوة المتين المتصرف في هذا الملكوت وحده، لاشريك له في ربوبيته، ولا في تدبيره للأمر، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، يحكم ما يشاء، ويفعل ما يريد.
والإقرار بهذا النوع مركوز في الفطر، ...ولم ينكر توحيد الربوبية ويجحد الرب إلا شواذ من المجموعة البشرية- هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا- لم يحققوا النصيحة لله، وإنما حققوها للطبيعة والمادة اللتين تشهدان أنه لا إله إلا الله.
توحيد الألوهية:
والنصيحة لله في ألوهيته هي أن يعبد وحده بجميع أنواع العبادات، وألا يتوجه بشيء من العبادات إلا له سبحانه وتعالى، فمن دعا غير الله، أو ذبح أو نذر لغير الله، أو استعان أو استغاث بميت أو حي حاضر فيما لا يقدر عليه إلا الله، فقد أشرك الشرك الأكبر وأذنب الذنب الذي لا يغفر إلا بالتوبة...
توحيد الأسماء والصفات:
والنصيحة لله في أسمائه وصفاته تكمن في إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من صفات الكمال، ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه رسوله من صفات النقص، على حد قول الله تعالى: " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"
|