مـا لايعرفـه كثـيرٌ من الناس عن أسلوب النظام الإيراني تجاه قضايا الأمة الإسلاميـّة التي لايعترف بها أصلا _ قـد بيَّنـا سابقـا في مواضع متعـددة كيف أنَّ عقيدتهم قائمة على الطعـن فـي عصمة القرآن ، وعرض النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وفي الجيل الذي رباه ، وبالتالي السنة النبوية ، وفي تاريخ الأمـة ، فلـم يُبْقـوا شيئاً لأمة الإسلام _ أنه عندما يريد أن ينكـّل بأهل السنة في إيران ، أو عربهــم ، أو في العـراق إسلامه أو عروبـته ، إعتقــالا ، وإعداما ، وتعذيبـا ، وإختطافا ، وتهجيرا ، ومصادرةً لحقوقهـم ..إلـخ ،
فإنه يتحـيّن الفرصـة حتى تنزل كارثة على المسلمين _ غـزّة مثـالا _ فيطلق أبواقه الدعائية المنافقة التي تظهـر التعاطف ، وتفضح مواقف النظام العربي المتخاذل ، ثم تحت هذه الأبواق يُعـمل آلة الإبادة والتعذيـب ، حتـَّى تخفـي أصوات المعذبين ، وصيحات المضطهدين ، وصرير أعواد المشانق ، وبكاء الأرامل ، واليتامى على المفقـودين
ومن الأمثلة القريبة على هذا أعنـي في العام الماضي أو الذي قبـله ، ما اقترفه النظام الإيراني من جريمة بشعة عندما أعتقـل منظمي حفل ( ختم البخاري ) الذي أقامـته دار العلوم الإسلامية ، بعد أن هددهم ألاّ يقيموا الحفل لا لشيء إلاّ لأنهم علماء من أهل السنة يحتفلون بتخريج طلاب أتـمُّوا كتاب الإمام البخاري فـي الحديث الشريف!!
وهذا إنما هـو مثـال عابـر تذكرته ، ولو أردنا أن نتتبـَّع جرائم هذا النظام من إبادة ممنهجة للوجود السنـي ، بدءاً من ملاحقـة العلماء ، والمدارس ، ومساجد أهل السنة حتى صار هدم المسجد الكبير لأهل السنة في مشهـد وتحويله إلى حديقة عامة ! مضـرب المثل على كلّ لسان لظلم السلطة لأهل السنة ، ومرورا بإقامة مؤسسات شيعية كبرى في المدن السنية للتضييق على أهل السنة ، وإنتـهاء بالمشانق التي تقام كـلّ شهر تقريبـا لرموز السنة في إيـران ، لو أردنا أن ننتبع ذلك لطال بنا المقام جــدا ، وقـد ألقـيتُ الضـوء على طـرفٍ من ذلك في مقالات سابقة .
ولكن يكفي أن نذكـِّر هنـا بمطالبات عجيـبة لأهل السنة في إيران ، وهـي أن يُمنحـوا بعـض مـا يعطى يهود إيران من حقـوق !!
وهذه بعض الأمثـلة لمطالباتهــم :
أن يسمح لهم بتعلم العربية من غير مضايقات ، كما يسمح لليهود بتعلم العبرية بكل حريـة !
وأن يسمح لمليون سني في طهـران بإنشاء مسجد واحـد في العاصمـة كما لليهود أكثـر من 30 معبدا فيها !
وأن يسمح لهم بمنابر إعلامية حـرّة تنقل صورتهم للعالم كما تنقل معاناتهم ، تماما كما ليهـود إيـران ! ، فمن المعلوم أن لايسمح لأي عالم سني أن يظهـر على شاشة التلفزيون الإيراني ليتحـدث نيابة عن أهل السنة ومطالبهـم ، بينما يسمح لليهود بذلك !
وأن يسمح لهم بإقامة مؤسسات إجتماعية وثقافية كما يسمح لليهود بإقامة مقرات ، ومستشفيات ، ومؤسسات إجتماعية ، وثقافيـة ، تابعة لمعابدهـم في المدن الكبـرى!
وأن يسمح لهم بإقامة مكتباتهم ، ومعارضهم ، ونشر كتبهم ، ومؤلفاتـهم كما يسـمح لليهـود !
وأن يسمح لهم بحرية التنقـّل كما يسمح ليهود إيران بالسفر حتى إلى الكيان الصهيونـي!
وأن ينالوا نفس الحقوق السياسية التي ينالها يهود إيران ! فيهود إيران نسبة تمثيلهـم 1 لكل 30 ألـف ، بينما نسبة تمثيـل السنة 1 لكل 1,7 مليـون !
وأن يُكـَفَّ عن هـدم مساجـدهم ، ومدارسهـم ، أسوة بمعابد اليهود ، ومدارسهم !
وأن يُكَـفَّ عن إعتقال ، وتعذيب ، وإغتيال علماء أهل السنة أسوة بإحترام حاخـامات اليهود في إيـران !
وأن يُكـَفَّ عن طباعة الكتب الشيعية التي لاتحصى بعدد ، وكلُّها تشـتم ، وتحقـر ، وتصف معتقدات السنة بأبشع الأوصـاف ،
وعلى رأسهـا أعني معتقدات أهل السنة ، أعني المسلميـن : إحترام عصمة القرآن من التحريف ، وإحتـرام رعيـل الإسلام الأول أصحاب ، وأنصار، وأحباب رسول صلى الله عليه وسلم ، وعلى رأسهم أصهاره ، وخلفاؤه من بعده ، الصديق ، والفاروق ، وذو النورين .
ولعلـّك أيها القارىء ستعجب من هذا كلـِّه ، وأنـَّك لأول مـرّة تعلم حجم معاناة ثلث سكان إيـران ، من أهـل السنـّة ، والذين قـد سبق وجودهـم في هذه الأرض ، سـبق المذهب الصفوي بقرون مديـدة ، كانت فيها مدن إيران الكبرى ، قبلة طلاب العلوم الشرعية السنـيّة ، وعواصم الثقافة الإسلامية السنية ، وقـلاع حفظ السنـة ، ونشـر الحديث.
ولعلك أيضـاً ستقول في نفسك أين نحـن ؟! وأيـن كنـّا عن هذا كلـِّه ؟! وما هي الأسباب التي أدت إلى إخفـاء كلّ هذا الظلم ، والإضطهاد العظيميـن عن بصـر ، وسمـع العالـم الإسلامي !
والجـواب أنَّ لهذا سبعة أسـباب :
السبب الأول هو خبرة الإعلام الرسمي الإيراني في إزدواجية الخطاب التي أكتسبها من عقيدة التقية التي تبيح لهم النصب ، والكذب ، والدجـل ، بغية خداع الآخـرين ، للوصول إلى الأهـداف الخبيثة ،
وقد بيّنـا سابقـاً أن من أعظـم أسباب تبنـّي هذا النظام للقضيـّة الفلسطينيّة أنهـا تشكـّل بالنسبـة إليــه أنسب غـطاء يستتر به عندما يقتـرف جرائمة الشنيعة سواء داخـل إيران ، أو في العراق الجريح الذي يئـنّ تحت خناجـر الغدر ، والحقـد الإيرانيـة .
فالملايين التي يدفعها هذا النظام للملف الفلسطينيّ ، يشتري بها ملايين الأبصـار ، والعقـول التي يصرفهـا عن جرائمه في إيران ، والعـراق ، في حـقّ الإسلام ، والعروبـة أيضــا.
وهذا يستتبعه وينبني عليه السبب الثانـي : وهـو أنَّ أهل السنة الذين هم عظـم أمـّة الإسلام ، وجسدها الأعـظم ، وجماهيـرها العظمـى الممتدة من أندونيسيا إلى نواكشـوط ، ليس عندهم في عقيدتهم إجترار الأحقـاد التاريخية ، والتنادي بالثـأر في مشاهـد الدماء ، والأشـلاء ، والصراخ ، والعويـل ، كما يفعل الشيعة ،