هاقد عادت الأيام االسوداء مرة أخرى.... أين المفر؟؟إنه قدري الذي لا مفر ولا فكاكمنه . لكن ما يجري هذه المرة يبدو أنه ليس كالمرات السابقة ... الخطر ماحق... ومنذصدور التقرير الأمريكي الذي صنف أبناء هذا البلد على رأس قا ئمة من يعكرون صفوحلمهم بمشروع عالم إسلامي جديد ويظنكون عيشهم بدمائهم وأشلائهم على أرض الرافدين... صاروا منذ ذاك الحين كالكلاب المسعورة."حرك السيد السوط فضاعف العبدالمجهود".
هلنصيبي أن أعاني مرة أخرى وأ تعذب... فلم أكد أصدق أن خلاصي منهم قد حان حتى وقعتبين أيديهم من جديد...
الصدمة والمفاجأة تسيطر علي, رجحت أن الأمر قد كشف. كنت على وشك الرحيلإلى غير رجعة. نعم إلى غير رجعة. قررت أن أترك لهم الجمل وما حمل,وإن كنت لا أملكلا جمل ولا حمل. بل حتى ثمن كيلو من شحم سنامه لم أجده يوم احتجته كعلاج شعبي وصفلي لتسكين آلام صدري.
وأنا أنزل معهم الدرج... درج البيت خارت قواي... فشلتركبتاي... دارت بي الأرض... تبخرت أحلامي الجميلة ... واسود كل شيء أمامي ... تبالهم... لو أمهلوني أسبوعا فقط... أسبوعان على الأكثر... لقبضوا على الريح , ولميقبضوا علي....
جلبة وضوضاء غير معهودة تعم الحي في ذاك الوقت المتأخر من الليل... استفاق جل الجيران بعد أن أرغموا بعضهم على فتح أبوابهم واستعمال أسطح منازلهمللهجوم على بيتنا... أسلوب لإرهاب الناس وإنذار لكل من تسول له نفسه شيئا. الخبثاءيعلمون علم اليقين أنني لست مسلحا,ولا أشكل أي خطر على أي أحد. والعملية لن تحتاجلأكثر من فردين فقط, أو استدعاء للمثول بين أيديهم. أنا ضعيف البنية, معتل الصحة, رغم هذا فكل أصناف السيارات هنا. جيش من العمالقة احتل المكان اختيروا بعناية. لايقل طول الواحد منهم عن المترين مدججين بالأسلحة. هالني المنظر وازداد رعبي ويقينيفي أنها نهايتي.
وهميعبرون بي الزقاق الضيق صوب السيارة التي ستقلني نحوالمجهول=المعلوم..
تعالى فجأة صياح و صراخ احتجاج. حمدت الله,لا يزال في هذهالأمة من يرفض الظلم ويجهر باللهم إن هذا منكر.
زالعجبي حين عرفت من يكون ووصلت كلماته مسامعي . إنه هو ,عبد الله. صادفت عودته كعادتهفي ذاك الوقت المتأخر من الليل وجود الزوار. منذ فتحت عيني في هذا الزقاق وأناأعرفه على هذه الحالة. لا يكاد يصحو إلا في رمضان. مع ذلك كان يكن لي احتراما خاصارغم أنني في سن أصغر أبنائه الذين (حركوا)=هاجروا سرا للضفة الشمالية بعد وفاةوالدتهم وزواجه من بدوية في سن أصغرهم. لطالما أيقظتني الوالدة في جوف الليل للتدخلوإنقاذها من ركلاته ولكماته كلما عاد ثملا مهزوما في حلقاتالقمار.
فياليوم الموالي كان يعتذر لي أشد الاعتذار ويعدني بالتوبة وعدم التكرار مع التزامالصلاة بمسجد الحي.
يصرخ ويلعن...يرغي ويزبد...مترنحا وزوجته تحاول ثنيه وإدخاله بيته وهيتردد محاولة إلجام فمه بكفها (راه أحمق أسيدي ما تديوش عليه ,راه أحمق وعندو وراقالسبيطار...)= إنه أحمق يا سيدي لا تلتفتوا لكلامه. إنه أحمق وعنده أوراق المستشفىالتي تتبث ذلك.
وهويقاومها ويصيح: (الأحمق هو أبوك...هذا دري زوين ماعمرنا شفنا عليه شي حاجه خايبه. غير الدار للجامع الجامع للدار...سيرو شدوا كروش الحرام ...آش بغيتو عندو آولادالق...)
هذا شاب طيب لم نر منه شيئا سيئا. من البيت للمسجد ومن المسجد للبيت ...إذهبوا وألقوا القبض على أصحابالبطون المنتفخة بالحرام...ماذا تريدون منه ياأبناء العاهرات...
لميكد يكمل حتى رفع في الهوا...ذاب صراخه وسبابه ونحيبه وسط هدير محرك السيارة التيأركبوني إياها.
ستصير واقعته لاشك حديث المجالس وقد تغطي بعض الشيء علىحكايتي مع إضافة المزيد من البهارات والتوابل قصد التشويق والمتعة وتجزية الوقتوقتل الفراغ. تبا لهم...لكل المهووسين المسكونين بالإشاعة والمبالغة. حتى والدتيكادت بدورها أن تصدق ما روجوه عن وجود أسلحة ومتفجرات في العلب الكرتونية التيجمعوا فيها كل كتبي وأشرطتي وحاسوبي المتهالك, وحرصوا كل الحرص على إظهارهاواستعراضها أمام الجيران قبل شحنها بكل عناية في سيارة خاصة محروسة غير تلك التيأقلتني...كان أول ما سألتني عنه في أول زيارة لي بعد إحالتي على السجن هو محتوىالعلب الكرتونية التي أخرجوها من غرفتي...