قراءة فى كتاب آداب المؤمن أثناء الفتن
قراءة فى كتاب آداب المؤمن أثناء الفتن
المؤلف حسين حسين شحاته وهو يدور حول الفتن بالمعنى الشائع بين الناس وفى تمهيده قال :
" تمهيد
الفتن من سنن الله الجارية إلى يوم القيامة ، وهي متعددة وكثيرة ، فمنها فتنة الشيطان ، وفتنة النفس الأمارة بالسوء ، وفتنة النساء ، وفتنة المال ، وفتنة الأولاد وفتنة الاضطهاد والظلم ، وفتنة السجون ، وفتنة المرض والموت ، وغير ذلك من أنواع الفتن .
ولله سبحانه وتعالى فيها حكم عظيمة ، فكيف يكون آداب وسلوك المؤمن المبتلى نحوها حتى ينجو منها سالما ظافرا بالأجر العظيم من الله ، هذا ما سوف نتناوله في الفقرات التالية ."
واستهل شحاته كلامه بتعريف الفتن فقال :
" المقصود بالفتن
كلمة الفتنة مشتقة من الفعل فتن ، وتعني : صهر ونقى الشيء ، مثل قوله : فتن الذهب أي صهره ، لفصل الردئ عن الجيد ، وجمع فتنة : فتن وهي النوازل التي تنزل بالإنسان لصقله وبيان حقيقة إيمانه وصبره وثباته .
ويعرف العلماء والفقهاء والدعاء الفتن بأنها المحن التي تنزل بالإنسان بهدف الإمتحان والاختبار والتمييز ، ومن مرادفاتها في المعنى والمدلول : البلايا والمصائب والرزايا ، وهذا المعنى هو الذي نقصده في هذا المقام "
وهذا المعنى مخالف لمعنى الفتن فى القرآن وهو الامتحان بالخير والشر كما قال تعالى :
" ونبلوكم بالشر والخير فتنة"
فالفتن ليست قاصرة على المحن وهو الضرر أى الشر كما قال شحاته
وقسم المؤلف الفتن بفتن بالمكروه والمحبوب عائدا للمعنى القرآنى الصحيح فقال :
" أنواع الفتن
تقسم الفتن بصفة عامة إلى نوعين رئيسيين هما :-
(1) - فتن بما يكره الإنسان : - مثل فتنة الفقر والظلم والاضطهاد والإيذاء والسجن والنفي والمرض والموت ...... ونحو ذلك مما يحسبها المسلم شرا وقد تكون خيرا .
(2) - فتن بما يحب الإنسان :- مثل فتنة الغنى والعافية والمنصب والجاه والأولاد والنساء ..... ونحو ذلك ، مما يحسبه المسلم خيرا لأنها تتعلق بزهرة الحياة الدنيا ، وهو لا يدري ربما تكون شرا له .
وهذا التقسيم مستنبط من قول الله تبارك وتعالى : { ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون } ، وقوله عز وجل : { وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون }
وأشار لواجب المسلم تجاه الفتن وهو الشكر فى السراء والصبر فى الضراء فقال:
"ويجب على المؤمن في حالة الفتن بالسراء أن يشكر الله سبحانه وتعالى ، وفي حالة الفتن بالضراء أن يصبر ويقول الحمد لله على كل حال ، وهذا ما أشار إليه الرسول (ص)في حديثه الشريف : " عجبا لأمر المؤمن ، إن أمره كله خير ، وليس لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر ، فكان خيرا له " (رواه مسلم) ، ويقول العلماء أن مع كل محنة وفتنة نفحة ورحمة وأجر عظيم لمن يصبر ويثبت ويشكر "
والمقصود هو طاعة الله فى الحالين فليس معنى الصبر تحمل الآلام والأضرار وإنما معناه طاعة الله عند الشرور والشكر معناه الطاعة عند النعم وهى الخير وليس مجرد ول الحمد لله او الشكر لله
وتحدث عن سبب سن الله الفتن فقال:
" لماذا سن الله الفتن ؟
يتساءل كثير من الناس ، ما هي الحكمة من أن سن الله على عباده المحن والفتن؟
يقول العلماء أن حكم الله من الفتن كثيرة منها ما نعلمه ومنها ما لا نعلمه ، فهو سبحانه وتعالى الذي يعلم الخير لعباده مصداقا لقوله : { ألا له الخلق والأمر } وقوله عز وجل : { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير }، وكل ما يأتي من عند الله هو الخير ، ويقال : " لا يحمد على مكروه سواه " .
ولقد استنبط العلماء والفقهاء من القرآن والسنة حكمة الله من نزول الفتن كما يلي :-
" - التمييز بين الناس في صدق العبودية لله ، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى : { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين } "
- بيان حب الله سبحانه وتعالى لعباده الصابرين الصادقين ، حيث يقول رسول الله (ص)"وإن كان أحدكم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء"(رواه بن ماجه) ، ويقول رسول الله (ص)" إذا أحب الله قوما ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط " (رواه الترمذي)."
والخطأ فى الحديث الأول فرح المؤمن بالبلاء فالمسلم لا يفرح بالضرر الذى يصيبه ولا يفرح بالرخاء وإنما يطيع الله فى الحالين لكراهية الله للفرحين وهو العصاة لله كما قال :
"إن الله لا يحب الفرحين"
والخطأ فى الحديث الثانى أن الله إذا أحب قوما ابتلاهم وهو ما يخالف أن حياة المسلم والكافر كلها ابتلاءات كما قال تعالى:
" الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا"
ومن ثم يكون الله بذلك محبا للكفار لأنه ابتلاهم كما قال:
"وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون"
وحدثنا عن سبب ثالث فقال :
" - رفع الدرجات وبلوغ المنزلة الرفيعة لعباده الصابرين المحتسبين ، فعن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله (ص)قال : " صداع المؤمن حتى الشوكة يشاكها أو أي شيء يؤذيه ، يرفعه الله بها يوم القيامة درجة ، ويكفر عنه ذنوبه " (رواه أحمد)."
والحديث لا يصح كسابقيه فالدرجات حسب الحديث كثيرة درجة مقابل كل صداع أو شوكة أو أى أذى أخر وهو ما يناقض أن الجنة كلها درجتين واحدة للمجاهدين وواحدة للقاعدين وفى هذا قال تعالى:
"فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
ثم ذكر سبب رابع فقال :
" - تكفير الذنوب والخطايا والسيئات لبعض عباده المذنبين ، حيث يقول رسول الله (ص)" إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا ، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة " (أخرجه الترمذي وحسنه) .
الحديث لا يصح فتعجيل العقوبات وإمساكها حتى القيامة يتعارض مع أنه يصيب الكفار فى الدنيا بالعقوبات وهى العذاب الأدنى كإنذارات لهم حتى يرجعون ولكنهم يستمرون فى كفرهم وفى إصابته الكفار بالعقوبات العاجلة كالمسلمين فى الدنيا قال :
"ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون"
ثم ذكر أسبابا أخر فقال :
" - تطهير القلوب ، وإصلاح النفوس : يقول ابن القيم في كتابه شفاء العليل : "لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلا وآجلا "
" - رد الناس إلى الله سبحانه وتعالى والاستقامة على طريقه المستقيم ، يقول الله تبارك وتعالى : { وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون }
" - اليقين التام بأن الله هو المغيث وهو اللطيف وهو المنجي : ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى : { أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض } وقوله تبارك وتعالى أيضا على لسان أيوب (ص): { أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين }
" - تقوية صلة المؤمن بالله عز وجل وتحسين عمله ، يقول الله تبارك وتعالى : { تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور } ، كما يلجأ المؤمن المبتلى إلى الله - عز وجل - ، يقول الله تبارك وتعالى : { أم من هو قانت آناء الليل ساجدا يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه } وقوله تبارك وتعالى : { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا }
" - التذكير بنعم الله العديدة التي لا تظهر إلا في حالات المحن والفتن ، يقول الله تبارك وتعالى : { وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون }
" - تربية النفس على الصبر والثبات والمرابطة لتنال الأجر والمثوبة من الله عز وجل : يقول الله تبارك وتعالى : { لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور } ، ويقول رسول الله (ص)" عجبا لأمر المؤمن ، إن أمره كله خير ، وليس لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر ، فكان خيرا له " (رواه مسلم) ، ومن وصايا رسول الله (ص)" ... واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا " (رواه أحمد).
وإذا تدبرنا هذه الحكم من المحن والفتن والبلايا نجدها كلها خير للمؤمن الذي يصبر ويحتسب ما أصابه من بأساء وضراء ، فسوف يوفيه الله سبحانه وتعالى أجره العظيم مصداقا لقوله تبارك وتعالى : { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} وقوله تبارك وتعالى : { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } "
وكل ما سبق يخالف القرآن فى كون سببى البلاء هما :
|