كنت أتصفح أحد المنتديات فلفت نظري موضوع مثير للاهتمام يتحدث عن الهجمات الاستشهادية. الموضوع تلقى ما يصل الى 55 تعليق من المستخدمين يناقش شرعية هذا العمل، وإذا ما كان مبررا على الصعيدين الوطني والديني. هدف المستخدم الأول كان تبرير هذه الهجمات مدعيا أنها تستهدف المحتلين والأعداء مثل حلف شمال الاطلسي وايران واسرائيل وغيرها ... ومدعيا أنها لحماية النساء والأطفال المسلمين. كثيرون خالفوه ، وكثر أيدوا رأيه، لذلك قررت أن أدلي بدلوي وأساهم في التعبير عن وجهة نظري الخاصة عبر تقديم الحقائق.
في الثالث من سبتمبر 2011 ، قدمت دراسة تحت عنوان الإصابات بين المدنيين وجنود التحالف من التفجيرات الانتحارية في العراق ، بين 2003-10 20 ، نشرتها المجلة الطبية البريطانية لانسيت أول وصف مفصل لتأثير التفجيرات الانتحارية في العراق منذ عام 2003.
https://www.iraqbodycount.org/analys...s/lancet-2011/
وقد كشفت الدراسة أن ما لا يقل عن 1003 هجوم انتحاري تسبب بسقوط ضحايا من المدنيين في العراق 2003-2010.
ولأول مرة، وصف الباحثون تأثير التفجيرات الانتحارية على كل من القوات العسكرية وقوات التحالف والمدنيين العراقيين. فوجدوا أن هناك تفاوت كبير في أعداد القتلى بين الطرفين ، عدد المدنيين الذين قتلوا يساوي 60 ضعف عدد الجنود (12284 مقابل 200). هذا التفاوت هائل بأي معيار من المعايير، ودليل على أن المدنيين ليسوا مجرد "أضرار جانبية" لعمليات الانتحاريين في العراق ولكنهم الهدف المقصود بعينه.
كما أن ما لا يقل عن 30644 من المدنيين العراقيين جرحوا في التفجيرات الانتحارية. بطبيعة الحال المصابون عرضة للموت أيضا؛ فالإصابات تسبب كثيرا من التلف للأعضاء الداخلية ، وكسور العظام، والحروق، وإصابات في العين التي غالبا ما تؤدي إلى العمى، وأجزاء من فقدان الأطراف التي تتطلب البتر، والعديد من الجروح العميقة التي تخترق الجسم من الشظايا والمعدن والخشب، وحتى قطع من المهاجم نفسه .
علاوة على ذلك، تتطلب هذه الإصابات الشديدة والمعقدة عادة علاجا معقدا وإعادة التأهيل البدني في وقت لاحق، وهو غير متوفر للكثير من العراقيين، وبالتالي إحتمال موتهم في وقت لاحق أو تعطيلهم أو تشوههم بسبب إصاباتهم يصبح كبيرا. كما أن التأثير الضمني لهذا العدد من المصابين ينذر بالخطر، وخاصة في ضوء النقص المستمر الذي يعاني منه العراق في الأطباء والإمدادات الطبية.
من ناحية أخرى الأطفال هم أقل عرضة للبقاء على قيد الحياة من الكبار.
جميع الأديان التوحيدية في هذا العالم تحظر بشدة الانتحار، وتدين تدمير الذات ، ولا تسمح بالصلاة على من قام بهذا العمل. يذكر القرآن والتلمود ما معناه أن جميع الناس ينحدرون من شخص واحد، وبالتالي أخذ حياة واحدة مثل تدمير العالم كله، وإنقاذ حياة واحدة هو بمثابة إنقاذ العالم بأسره.
بالطبع العقائديون يستخدمون كلمة جذابة جدا ودينية؛ استشهاد. الاستشهاد كلمة لا تغير طبيعة العمل الانتحاري أو معناه الحقيقي. إن تبرير فعل الانتحار والجريمة ضد البشر الآخرين من خلال وصفها بالشهادة والجاني بالشهيد هو أقصى أنواع الخداع للعالم والتلاعب والاستخفاف بمن تم غسل أدمغتهم الذين يرتكبون القتل معتقدين بخلاف ذلك لأنه جُمّل بصفة منمقة.
يجب أن نلاحظ أيضا أن ما يسمى العمليات الاستشهادية لم تؤد حقا إلى تغيير حقيقي. لا أعتقد أبدا أن زيادة التدابير الأمنية في العالم بأسره، والكاميرات، و زيادة التفتيش ، والقوانين الجديدة التي تحد من الخصوصية الفردية هي نتيجة إيجابية.
أما بالنسبة للمثال الفلسطيني ، فبين عامي 1993 و 1999 (وهو العام الذي جمع البيانات المبلغ عنها)، نفذت جماعات المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين 18 هجمة انتحارية تسببت بوفاة 149 إسرائيلي و 872 إصابة.
يعتقد الكثيرون أن هذه الأعمال دفعت بإسرائيل لبناء الجدار العازل؛ فهل أفادت بشيء ، أو على العكس من ذلك قد زادت الكراهية والخوف؟