وجنينه أبدا لأول منزل
روى الإمام أحمد في المسند بإسناد جيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو أن رجلا يجر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يوم يموت هرما في طاعة الله – عز وجل – لحقره يوم القيامة " وإنما ذلك لما يرى ويكشف له عيانا من عظيم نواله ؛ وباهر عطائه فأخلق بمثل هذا إذا عاين جنة الرضوان أن يتمثل قول القائل :
وكنت أرى أني قد تناهى بي الهوى.....إلى غاية ما عبدها لي مذهب
فلما تلاقينــــا وعـــــــــاينت حسنها.....تيـقنـت أنــــي كنـــــت ألعب
إن كبير الهمة لا يعتد بما له فناء ، ولا يرضى بحياة مستعارة ، ولا بقُـنْـيَـة مستردة ، بل همه قنية مؤبدة ، وحياة مخلدة فهو لا يزال يحلق في سماء المعالي ، ولا ينتهي تحليقه دون عليين ، فهي غايته العظمى ، وهمه الأسمى ، حيث لا نقص ولا كدر ، ولا تعب ولا نصب ، ولا هم ولا غم ولا حزن ، إنما هي نور يتلألأ ، وريحانة تهتز ، وقصر مشيد ، ونهر مطرد ، وفاكهة نضيجة ، وزوجة حسناء جميلة ، وحلل كثيرة ، في مقام أبدي ، في حبرة ونضرة ، في دور عالية بهية ، وهناك فقط تقر عينه ، وتهدأ نفسه ، ويستريح قلبه ، قال تعالى في أهل الجنة " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا ، خالدين فيها لا يبغون عنها حولا "..
والجنة هي الوطن ، والأوطار إنما تطلب في الأوطان ، أما الدنيا فهي دار غربة منذ أهبط إليها الأبوان :
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى....ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتـى....وحنينه أبدا لأول منــــزل
فحي على جنــــــــات عدن فإنها....منازلنا الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبــي العدو فهـــل تــرى....نعــــود إلى أوطــاننا ونسلم
من كتاب علو الهمة لفضيلة الشيخ الدكتور محمد بن إسماعيل المقدم حفظه الله تعالى .......
|