الذاكرة

[علي]

الذاكرة ضرورية جدا لاسترجاع ما تم تعلمه. وحين تعاني الذاكرة من ضعف أو اضطراب ما ، فإن هذا سينعكس على الأداء والتعلم . يعتبر موضوع الذاكرة من أهم موضوعات علم النفس ،
وقد أثيرت الكثير من التساؤلات ، كما وضعت العديد من الافتراضات المتعلقة بطبيعة الذاكرة وعملها وآليتها ، لما لهذا من آثار ونتائج في الكثير من الميادين : التعلم والتربية ، القضاء والقانون ، الطب ، العلاج النفسي ، الاستجواب ، الشهادة ...الخ. وقد وهب الله بعض الناس ذاكرة قوية بالفطرة ، ولكن النسيان نعمة في الوقت نفسه ، لأننا لا نستطيع الاحتفاظ بكل الخبرات والمعلومات والمثيرات التي نمر بها في حياتنا ، وهي ليست مهمة جميعها بالنسبة إلينا ، بل نحتفظ بالمهم منها والمفيد. وللذاكرة أهمية كبيرة في حياة الفرد ، وما لم تحدد مفاهيمها العامة وتعين مراميها الخاصة ، فستبقى لفظة مبهمة ومجردة. والذاكرة بمعناها الشامل هي تجريد عام يشير الى أنواع متباينة من الأنشطة العقلية العامة والخاصة. من جهة ثانية ، فهي تعبير مبهم في معظم الحالات قد ترمي الى أوجه نشاط عقلي يتجلى معناها بمدلول ما يراد بها من وراء التعبير . فللذاكرة إذن مفهومان: احدهما لا يخلو من التجريد والشمول. ولعل خير دلالة عليها هو وصفها بما ترمي اليه ، كأن يذكر مثلاً أن هناك ذاكرة للوجوه ، وأخرى للأماكن ذات الأثر التاريخي ، وثالثة لتذكر الارقام ، ورابعة لتذكر الألفاظ المجردة.

لمحة تاريخية :

تعد أبحاث ابنجهاوس (Ebbinghous ,1885) من أشهر المحاولات الأولى التي اهتمت بدراسة الذاكرة على نحو علمي . فلقد استخدم ابنجهاوس ما يعرف بالقوائم المتسلسلة لقياس أداء الأفراد على الاكتساب والتذكر . وتمثلت الأساليب المستخدمة آنذاك في تعريض المفحوصين إلى مجموعة من القوائم التي تحتوي كلمات معينة بحيث يطلب منهم حفظها ثم استدعائها بنفس التسلسل ; وكان الهدف من ذلك هو قياس السرعة التي يستطيعون فيها اكتساب هذه المفردات والزمن اللازم لاستدعائها (روبرنا ، 1995) . ومن الأساليب التي استخدمها في دراسة الذاكرة تلك التي تمثل في استخدام المقاطع عديمة المعنى ، حيث كانت تعرض على المفحوص مجموعات من المقاطع تتالف كل منها (16) مقطعاً ، ويتألف المقطع الواحد منها من (3) أحرف تشكل كلمة غير مألوفة للمفحوص وذلك لتجنب انتقال أثر تعلم سابق على أدائه في الاكتساب والاستدعاء. وكان ابنجهاوس يقيس الزمن الذي يحتاجه المفحوص في اكتساب وحفظ هذه المقاطع ، وبعد مرور فترة من الزمن كان يطلب من المفحوص إعادة حفظ هذه المقاطع مرة أخرى بهدف تحديد الزمن الذي يحتاجه المفحوص لحفظها ، فوجد أن الزمن اللازم لحفظ المقاطع في المرة الثانية كان يقل عنه في المرة الأولى ، وتوصل إلى معادلة يمكن من خلالها قياس نسبة الاقتصاد في الزمن اللازم لإعادة التعلم تتمثل في : نسبة الاقتصاد ـ الزمن اللازم لتعلم المقاطع في المرة الأولى- الزمن اللازم لإعادة حفظ المقاطع الزمن اللازم لتعلم المقاطع في المرة الأولى . ومن ابرز إسهامات ابنجهاوس في مجال دراسة الذاكرة تلك التي تمثلت في ابتكار القوائم المتسلسلة لقياس قدرة الأفراد على الحفظ والتذكر إضافة إلى استخدامه طرقا منهجية تخضع لعامل الزمن في قياس قدرتي الاكتساب والتذكر (Hilgrad & Power 1981) . وقد ادخل ابنجهاوس متغيرات أخرى في دراسة هذه العمليات مثل طول المادة او القائمة المراد حفظها ودرجة التمكن من إدراك المعنى وأسلوب تقديم المادة للمتعلم، الأمر الذي ساهم في ازدهار البحث التجريبي في هذا المجال.