ارتبط التشكل الاجتماعي الجديد لمجتمع الجزيرة العربية الممتدة من الخليج العربي شرقًا إلى البحر الأحمر غربًا ومن تهامة جنوبًا إلى حقل شمالاً بتأسيس المملكة العربية السعودية ككيان لدولة موحدة مستقلة عام 1932. وإذا كان لهذا الارتباط أبلغ الأثر في إعطاء ملامح الهوية والانتماء صبغتها من ناحية وفي تشكيل الخطاب السياسي السعودي وتحديد مجرى التغير الاجتماعي ومسالكه من الناحية الأخرى، فقد كان لوجود الأراضي المقدسة في هذا الكيان دور رئيسي في رسم محددات وملامح الهوية والانتماء للمجتمع السعودي.
ولا يمكن استبعاد هذا المعطى الأساسي ونحن نحاول رصد حقوق المرأة السعودية وواجباتها الأسرية والاجتماعية بين الشرع والتقاليد من خلال استبيان آراء سعوديات من قلب المجتمع متنوعات الثقافة والتعليم.
شهادات حية
كشفت هذه الشهادات عن مساحة متراوحة بين العتمة والضوء وبين الاقتراب والابتعاد في حضور وغياب النساء في مشهد الواقع الاجتماعي وتحولاته الاجتماعية مع ما تكشفه من دور مركزي للتقاليد والعادات في المجرى الاجتماعي العام.
فالمرأة السعودية قطعت شوطًا لا يستهان به في التعليم النظامي -وهي بهذا كما يؤيده عدد من الآراء التي حملتها الشهادات- ساهمت في العديد من التحولات الاجتماعية مثل تحول المجتمع من شتات القبائل إلى الوطن الموحد وتحوله من الشفهي إلى المكتوب، وأيضًا تحول المجتمع من التشابه التعصبي إلى التعدد، ومن علاقات التجمعات الرعوية إلى علاقات المجتمع المدني بما لها من حقوق وما عليها من واجبات اجتماعية ووطنية.
إلا أن الملاحظ -وهذا وضع قد يكون بديهيًّا في المراحل الأولى للتحولات؛ إذ تسبق تغيرات الجوانب المادية تغير الجوانب المعنوية- هو أن التغير الذي شهده موقع المرأة التعليمي وإنجازها المعرفي والعلمي على وجه التحديد لم تصاحبه تغيرات معززة نحو تغيير إيجابي في مكانتها الاجتماعية عند نفسها وعند الأسرة والمجتمع.
يضاف إلى ذلك نظرة المرأة إلى نفسها؛ إذ لا تزال تنظر لنفسها في قطاع واسع من الوسط النسائي تلك النظرة الطفولية باعتبارها قاصرا غير قادرة على تحمل المسئولية أو اتخاذ قرارتها بنفسها حتى فيما يخصها أو يخص أسرتها أو واجباتها الوظيفية. فما المرأة التي تريد أن تعمل بأقل جهد وبأقل ساعات العمل في وظيفتها على سبيل المثال إلا امرأة لم يغير إنجازها العلمي وشهادتها نظرتها إلى نفسها كقاصر، وإن كان تشتتها بين الواجبات دون مردود حقوقي يسهم أحيانًا في تكريس تلك النظرة.
وماذا تكون المرأة التي لا تريد أن تكون المرأة رئيستها أو تلك الرئيسة التي تتفنن في أن تقف ضد بنات جنسها إلا نموذجا آخر من تلك العلاقات النسوية - النسوية التي تنم عن فقدان الثقة بين المرأة والمرأة بما يكشف مرة أخرى عن الخلل في عجز المنجز التعليمي عن تحقيق منجز اجتماعي يغير علاقة المرأة بنفسها وببنات جنسها التي ورثت جزءاً منها عن تقاليد وعادات غابرة في دسائس الجواري وتنافس الضرائر.
وماذا تكون نظرة الأسرة إلى ابنتها على أنها قاصر ولو تخطت الثلاثين عامًا وحصلت على أعلى الدرجات العلمية، وأن هناك من يجب أن ينوب عنها في اتخاذ قرارتها وفي تصريف شئونها عن وصاية لا عن تكريم بالضرورة وإن كان أخوها الذي يصغرها بما يزيد على عقد من الزمن، إلا تعبيرا أيضًا عن عجز التحولات الاجتماعية أن تعطي المرأة نصيبها من الجانب الإيجابي في تلك التحولات.
ومثل هذا الموقع للمرأة في المقعد الخلفي نجده يتكرر في علاقتها بزوجها أو حتى في علاقتها بأبنائها الذكور حين يشبون على الطوق.. ولن أتوقف عند أمثلة أخرى هي تنويع على ما تقدم من تلك النظرة الاجتماعية التي لم تواكب إنجاز الدولة في مجال تعليم المرأة من أمثلة عدم مواكبة الأنظمة في كثير من المرافق العامة فيما يتعلق بالمعاملات الخاصة بالمرأة لما تتطلبه حاجاتها كمواطنة عليها واجبات ولها حقوق المواطنة.
الشرع والتقاليد
وفيما يلي جدول بالمسائل الخاصة بحقوق المرأة وواجباتها بين التقاليد والعادات والموقف الشرعي.. والتي تم رصدها من نماذج من شهادات المرأة السعودية:
مسائل اجتماعية في حقوق وواجبات المرأة في الأسرة والمجتمع
موقف العادات والتقاليد
1 - الرؤية الشرعية في الخطبة (بهدف الزواج)
موقف العادات والتقاليد
ليس هناك عادة أو تقليد اجتماعي متداول بذلك والموقف أقرب إلى التحفظ
الموقف الشرعي
الإباحة بوجود محرم ولهدف البناء. لقول الرسول صلى الله عليه وسلم للمغيرة: "اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما".
2 - محددات (مواصفات) زوج/ زوجة المستقبل
موقف العادات والتقاليد
تعطى أولوية للنسب القبلي على حساب المواصفات الجوهرية، تدين، خلق، علم، استطاعة مالية
الموقف الشرعي
من يُرتضى دينه وخلقه مع استطاعة المهر ولو كان رمزيًّا
3 - المهر
موقف العادات والتقاليد
التقاليد القديمة لا تعارض المهر المعتدل وكان فيه نوع من التكافل الاجتماعي. تقاليد وعادات الزواج المستجدة كالاحتفالات تعرقل اعتدال المهر.
"فلا تأخذوا منه شيئًا أتأخذونه بهتانًا وإثما مبينًا" (سورة النساء: 20)
الموقف الشرعي
واجب واعتداله مستحب
"أقلهن مهرًا أكثرهن بركة"
4 - قرار الزواج
موقف العادات والتقاليد
لا تحبذ الأخذ برأي البنات
الموقف الشرعي
البكر تستأذن والثيب تستأمر ولا يجوز العضل. "أن بكرًا أتت الرسول صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم
5 - الواجبات المنزلية
موقف العادات والتقاليد
تناط بالمرأة وحدها
الموقف الشرعي
الرسول صلى الله عليه وسلم خير الناس لأهله
6 - المشاركة في القرارات الأسرية
موقف العادات والتقاليد
المرأة كزوجة وكابنة تهمش في القرارات، بينما قد يرجع لرأي الأمهات الكبيرات من قبل الأبناء
"ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" (سورة الروم: 21)
الموقف الشرعي
مشاركة الرسول صلى الله عليه وسلم لزوجاته في السراء والضراء. أخذه برأي أم سلمة رضي الله عنها في شأن خطير من شئون الأمة
7 - المشاركة في تربية الأطفال والإنفاق
موقف العادات والتقاليد
تناط بالأم وبمساعدة القريبات والجارات. مع اقتصار دور الأب على الوظيفة التأديبية للأبناء الذكور خاصة
الموقف الشرعي
حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"
8 - الطلاق
موقف العادات والتقاليد
مستنكر. ويجهل عامة النساء تفاصيل أحكامه الشرعية وحالاته.
الموقف الشرعي
أبغض الحلال وله تفاصيل محكمة في سورة الطلاق خاصة وفي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم
9 - الحضانة والنفقة في حالة الطلاق
موقف العادات والتقاليد
كان حق الأم في الحضانة يقر وينفذ بمساندة كبار المجتمع والأسرة. وكان بنفس آلية الضغط الاجتماعي
يلزم الأب بحق النفقة عليهم وتحصيلها
الموقف الشرعي
"وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها" (سورة البقرة: 233) "أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن" (سورة الطلاق: 7)
حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بحق الأبناء في تخير حضانة الأم أو الأب عند بلوغ سن التمييز وقبلها للأم. رواه أبو هريرة
10 - التعليم
موقف العادات والتقاليد
لم تكن تساند حق البنات في الالتحاق بالتعليم النظامي
الموقف الشرعي
"طلب العلم فريضة على كل مسلم" عن الرسول صلى الله عليه وسلم
11 - العمل
موقف العادات والتقاليد
تعرقل رغبة المرأة في العمل بعد الزواج
الموقف الشرعي
"للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن" (سورة النساء: 32)
12 - أهلية التصرف بالمال
موقف العادات والتقاليد
تتحفظ على هذه الأهلية
الموقف الشرعي
"يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم" (سورة النساء: 29)
13 - التقاضي
موقف العادات والتقاليد
لا تشجع وتستنكر لجوء المرأة للقضاء
الموقف الشرعي
"قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير" (المجادلة: 1)
14 - الإقرار بالواجبات والحقوق
موقف العادات والتقاليد
لا تساند الوعي الاجتماعي في التعرف على الحقوق والواجبات خارج منظومتها
الموقف الشرعي
يحق الحق ويوجب الواجب "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" (سورة البقرة: 228)
15 - المشاركة في الحياة العامة
موقف العادات والتقاليد
لا تعتد بالدور الاجتماعي للمرأة كمواطنة
الموقف الشرعي
"وأمرهم شورى بينهم" (سورة الشورى: 38)
--------------------------------------------------------------------------------
*المقال قامت بإعداده محررة "حواء وآدم " بتصرف من دراسة بعنوان "حقوق المرأة وواجباتها في الأسرة والمجتمع بين العادات والتقاليد والأحكام الشرعية" للباحثة د.فوزية بنت عبد الله أبو خالد.
اسلام اون لاين
http://www.islamonline.net/servlet/S...ve%2FAEALayout