قراءة فى كتاب التبليغ خلف الإمام وما فيه من المحاذير
قراءة فى كتاب التبليغ خلف الإمام وما فيه من المحاذير
المؤلف عبدالله بن محمد الطريقي والكتاب يدور حول التبليغ خلف الإمام وتحدث الطريقى عن سبب التأليف ورحلته فى البحث فى الموضوع فقال:
" وبعد فقد لفت نظري ما شاهدت في الحرمين الشريفين وغيرها من المساجد – خاصة الكبيرة – ما يفعله بعض المؤذنين أو غيرهم من تبليغ التكبيرات والتحميد والسلام خلف الإمام، خاصة في هذا الزمن الذي توافرت فيه مكبرات الصوت وصار صوت الإمام واضحا كوضوح صوت المبلغ أو قريب منه، حتى صار كبر المسجد وكثرة الجماعة لا يؤثر على سماع صوت الإمام بل قد يسمعه من بعد ولم يدخل في الصلاة مع الإمام كما يسمعه من قرب.
ومع أن فعل المبلغين هذا فيه تشويش على المصلين واقتطاع جزء من الصلاة يضيع بسبب الصوت المزعج مع ما يلحق ذلك من لحن في بعض التكبيرات أو التحميد، لهذا ولغيره اهتممت بهذه المشكلة وأحببت أن أقرأ ما كتبه العلماء الأفذاذ والذين حازوا قصب السبق في هذا المجال، وقد وجدت منهم من أفردها بالبحث والتأليف والتصنيف كابن عابدين من الحنفية، وعبدالله أحمد الشهير بالطاهر من المالكية، مع ما هو مدون في بطون أمهات الكتب عن أحكام التبليغ خلف الإمام في كتب أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم.
ولما تصفحت هذه الكتب وقرأت مالم أكن أعرفه من قبل عن حكم التبليغ خلف الإمام أردت أن أجمع شتات ما قرأت وأرتبه وأظهر منه بنتيجة يستفيد منها من حصل له وقفة في حكم هذه المسألة كما حصل لي "
وقد استهل البحث بضرورة الحفاظ على الصلاة ثم ذكر معنى التبليغ لغويا فقال:
" معنى التبليغ:
التبليغ مصدر بلغ بمعنى أوصل، يقال: بلغه السلام إذا أوصله، وبلغ الكتاب بلوغا أي وصل، فالتبليغ بمعنى الايصال، وذلك الإبلاغ
والمراد بالتبليغ هنا: إيصال صوت الإمام للمأمومين بالتكبير والتحميد والسلام وذلك بالدخول في الصلاة والخروج منها والانتقال إلى أجزائها
والسنة في حق الإمام الجهر بالتكبير كله وكذا التسميع والسلام والقراءة الجهرية وذلك بأن يسمع من خلفه وأدناه سماع غيره"
وبعد ذلك تحدث عن أدلة وجود التبليغ كما ظن فقال :
"وقد دلت الأدلة على ذلك ومنها ما يأتي:
- ما روى سعيد بن الحارث قال:"صلى لنا أبو سعيد فجهر بالتكبير حين رفع رأسه من السجود وحين سجد وحين رفع وحين قام من الركعتين وقال: هكذا رأيت النبي (ص)"
ووجه الاستدلال من الحديث أن فيه التصريح بالجهر بالتكبير من أبي سعيد وبيان أنه رأى النبي (ص) يفعل ذلك.
- ما روى أبو هريرة قال: كان رسول الله (ص) إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة ثم يقول وهو قائم ربنا لك الحمد ثم يكبر حين يهوي ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس
ووجه الاستدلال منه أن فعله – (ص) - للتكبير ونقل الصحابة له دليل على أنه كان يجهر به
- ما روى أبو هريرة أن رسول الله (ص)قال: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون"
ووجه الاستدلال منه أن قوله (ص) "فإذا كبر فكبروا" دليل على الجهر بالتكبير وإلا فكيف يكبر المأموم بعد تكبير الإمام لو كان الإمام يسر بالتكبير.
ومن الأدلة السابقة نعلم أن الجهر بالتكبير من قبل الإمام سنة وهو مطلوب لما فيه من متابعة المأمومين للإمام واقتدائهم به، ويكون الجهر بالتكبير حسب الحاجة فإن زاد الإمام بالجهر به على الحاجة زيادة كبيرة كره ذلك لما قد يسببه من تشويش على المصلين في صلاتهم
وقد قال علماء المالكية إن الأفضل للإمام والمأموم رفع صوت الإمام بجميع التكبير وسمع الله لمن حمده ليقتدي به المأمومون من غير احتياج المسمع وهذه هي السنة التي كان عليها السلف الصالح "
وكل ما سبق من روايات ليس فيه أى دليل على أمر التبليغ المزعوم وهو قيام واحد من المصلين بترديد التكبيرات والحمد والسلام وهى دالة على تقليد المأمومين للإمام فقط فكل الأحاديث ليس فيها ذكر للمبلغ أو إشارة له
ولو اتبعنا ما تقوله الأحاديث السالفة لوجب التبليغ الجماعى وليس الفردى لأن المطلوب فيها هو تقليد الإمام فى أقواله وأفعاله وهو قولها" إنما جعل الإمام ليؤتم به"
وحدثنا الرجل عما إذا كان صوت الإمام لا يبلغ المصلين فقال :
"إذا كان صوت الإمام لا يبلغ المصلين:
"جميع التكبيرات والتسميع والتحميد والتسليم تكون من الإمام فإن كان صوته لا يبلغ من وراءه إما لضعف في صوت الإمام أو لكثرة المصلين وبعدهم عن الإمام أو غير ذلك فينبغي التبليغ عنه من أحد المأمومين
قال ابن قدامة في المغني:
"ويستحب للإمام أن يجهر بالتكبير بحيث يسمع المأمومين ليكبروا فإنهم لا يجوز لهم التكبير إلا بعد تكبيره فإن لم يمكنه اسماعهم جهر بعض المأمومين ليسمعهم أو ليسمع من لا يسمع الإمام"
وقال النووي:
"يسن للإمام الجهر بتكبيرات الصلاة كلها ويقول سمع الله لمن حمده ليعلم المأمومون انتقاله فإن كان ضعيف الصوت لمرض وغيره فالسنة أن يجهر المؤذن أو غيره من المأمومين جهرا يسمع الناس وهذا لا خلاف فيه"
وقال في موضع آخر:
"يستحب للإمام أن يجهر بتكبيرة الإحرام وبتكبيرات الإنتقالات ليسمع المأمومين فيعلموا صحة صلاته فإن كان المسجد كبيرا لا يبلغ صوته إلى جميع أهله أو كان ضعيف الصوت لمرض ونحوه أو من أصل خلقته بلغ عنه بعض المأمومين أو جماعة منهم حسب الحاجة"
والأصل في مشروعية التبليغ خلف الإمام ما يأتي:
- عن جابر قال:"اشتكى رسول الله (ص) فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره فالتفت إلينا فرآنا قياما فأشار إلينا فقعدنا فصلينا بصلاته قعودا فلما سلم قال: إن كدتم آنفا لتفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا ائتموا بأئمتكم إن صلى قائما فصلوا قياما وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا"
وفي رواية عن جابر قال:"صلى بنا رسول الله (ص) وأبو بكر خلفه فإذا كبر رسول الله – (ص) كبر أبو بكر ليسمعنا.."
- عن عائشة – رضي الله عنها – قالت:"لما مرض النبي – (ص) - مرضه الذي مات فيه أتاه بلال يؤذنه بالصلاة فقال: مروا أبا بكر فليصل قلت: إن أبا بكر رجل أسيف إن يقم مقامك يبك فلا يقدر على القراءة، قال: مروا أبا بكر فليصل فقلت مثله فقال في الثالثة أو الرابعة إنكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل فصلى وخرج النبي (ص) يهادى بين رجلين كأني أنظر إليه يخط برجليه الأرض فلما رآه أبو بكر ذهب يتأخر فأشار إليه أن صل فتأخر أبو بكر وقعد النبي – (ص) إلى جنبه وأبو بكر يسمع الناس التكبير"
- وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: لما ثقل رسول الله (ص) جاء بلال يؤذنه بالصلاة فقال: مروا أبا بكر أن يصلي بالناس فقلت: يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى ما يقم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر فقال: مروا أبا بكر يصلي فقلت لحفصة قولي له إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر قال: إنكن لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر أن يصلي بالناس فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله (ص) في نفسه خفة فقام يهادى بين رجلين ورجلاه يخطان في الأرض حتى دخل المسجد فلما سمع أبو بكر حسه ذهب أبو بكر يتأخر فأومأ إليه رسول الله (ص) فجاء رسول الله (ص) حتى جلس عن يسار أبي بكر فكان أبو بكر يصلي قائما وكان رسول الله (ص) يصلي قاعدا يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله (ص) والناس مقتدون بصلاة أبي بكر
قال النووي:
"قولها وأبو بكر يسمع الناس التكبير فيه جواز رفع الصوت بالتكبير ليسمعه الناس ويتبعوه، وأنه يجوز للمقتدي اتباع صوت المكبر وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور ونقلوا فيه الاجماع وما أراه يصح الإجماع فيه فقد نقل القاضي عياض عن مذهبهم أن منهم من أبطل صلاة المقتدي ومنهم من لم يبطلها ومنهم من قال إن أذن الإمام في الإسماع صح الاقتداء وإلا فلا، ومنهم من أبطل صلاة المسمع ومنهم من صححها ومنهم من شرط إذن الإمام ومنهم من قال إن تكلف صوتا بطلت صلاته وصلاة من ارتبط بصلاته وكل هذا ضعيف والصحيح جواز كل ذلك وصحة صلاة المسمع والسامع ولا يعتبر أذن الإمام والله أعلم"
وهل كان أبو بكر إماما أو مأموما خلاف والذي دلت عليه الروايات أن النبي (ص) كان هو الإمام وأبو بكر مبلغا عنه، قال النووي: وإن كان بعض العلماء زعم أن أبا بكر كان هو الإمام والنبي (ص) مقتدى به لكن الصواب أن النبي (ص) كان هو الإمام
|