خائن كامل الدسم

[ابن حوران]

خائن كامل الدسم

يمتشق رياءه، وينفخ رئتيه بالكذب، ليحلق عاليا في السماء، كعبوات الزبالة التي ترفعها الزوابع، تلفت نظر المارة للحظات فقط، فما أن يتعرف عليها من يشاهدها، حتى ينصرف لشأنه الذي سبق ظهور طيفها الأسود.

هناك من يبرر الخنوع، بحجة العجز وعدم امتلاك القوة، ومفاجئته بالحدث وعدم الاستعداد لمواجهة الحدث كما يواجهه الرجال، ويعصر كل عضلات جسمه الظاهرة والمخفية لجعل من يستمع إليه أن يصدقه، وهذا الصنف طال مكوثه بيننا وأحد أسباب مكوثه الطويل أن من يسأله يصوغ سؤاله ب (ما أنت فاعل إزاء الحدث؟)، ولو صاغ له السؤال بشكل (لماذا تصر على البقاء طالما أنك تعجز عن فعل ما يلزم؟) لكان أثر السؤال أقوى.

تلك الأشكال التي تطل علينا صباحا مساءً هي من صنف الخونة منزوعة الدسم. وقد تعود المواطن على التعايش معها كمن يتعود على (حدبة) في ظهر أبيه، أو زعيق زوجته أو قلة أمطار موسمه!

أما الصنف الأخطر فهو الخائن (كامل الدسم) والذي أصبح ظاهرة منتشرة على شاشات التلفزيون، ولن يعاني فيصل القاسم من إيجاد أحدهم في كل مجال يريد أن يعرضه في برنامجه، فإن أراد الحديث بالاقتصاد استخرج قائمة طويلة ليتصل بأحدهم بالقرعة ليجلس لمناكدة من يقابله بالدرجة الأولى وليضع (علة) على كل قلب مشاهد يراهن أن يستمر في مشاهدته. وإن أراد الحديث بالسياسة أو الفن أو المفاعلات النووية لا تواجهه أي مشكلة في ذلك.

إن هؤلاء الأصناف من الخونة يتهكمون على أمتهم ونضالها وشهداءها وماضيها وحاضرها، ويسخرون ممن يحلم لتلك الأمة بمستقبل أفضل. إنهم خونة بكامل دسمهم.

إن كانت المأكولات الغنية بالشحوم والكولسترول تسبب حدوث الجلطات، فإن هؤلاء لا يقلون عنها أذى، وأظن أن من يوظفهم ويحركهم يعلمون أثرهم، فلذلك النصيحة بالابتعاد عن وضعهم على موائدكم حتى لو كان معهم أطباق صحية.