* ما هذا الغباء والجهل .. وما هذه النفوس المريضة .. هلا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له .. إن القضية إذا ليست قضية الحق والباطل .. إنها قضية هذه الدعوة وهذا النبى الذى جاء بها .. إنه الحقد والغل والحسد من ناحية .. ومن ناحية أخرى هذه الدعوة بكل ما أتت به وبكل ما تدعو إليه .. إن هذا يفسر لى على الأقل عجيب قولهم هذا .. ولهذا أقسموا على الله أن يهلكهم إن صدقت هذه الدعوة وهذا الدين الجديد .. فلا حياة لهم بعدها .. ولا طاقة لهم بالبقاء إزاءها حتى وإن لم يتبعوها .. عندما تظلم العقول وتصير أسيرة للجهل .. وعندما تمتلأ النفوس بالحقد وتصبح سجينة للوهم .. عندما يجتمع العقل المظلم والنفس الحاقدة .. فإنهما يدمران كل شىء ويبدآن أول شىء بصاحبهما ..
* وصدق الشاعر حين قال عنهم :
أبوا الخروج إليك من أوهامهم *** والناس فى أوهامهم سجناءُ
ومن العقول جداولٌ وجلامدٌ *** ومن النفوس حرائر وإماءُ
* يا إلهى .. حتى فرعون .. جبار هذه الأمة .. تأمر نبيك أن يدعوه بالرفق واللين .. إن من خلق هذه النفس البشرية لهو عالم بأسرارها .. ومهما طغت النفس وتجاوزت فى شرها وعصيانها .. فتحت هذا الكيان المروّع خيط من النور طغى عليه الشر .. إن النفس لتنفر بطبيعتها من القول الغليظ .. تميل إلى الحوار وتنبذ التسلط والأمر الجاف .. فقد جُبلت على الحرية والإنطلاق ..
كم بلغت هذه الدعوة أقسى القلوب بلينها .. انظروا لعمر الفاروق فى جاهليته قيل أنه وأد بنتا له .. فيا لقسوة قلبه .. هو هو عمر الذى صار على أمته أرحم من الأم على أطفالها .. شتان ما بين العمرين ..
إنى لأعجب .. كيف يحثنا المولى عز وجل على محاورة أمثال فرعون والنمرود وأبى جهل وأخذهم بكل رفق وبكل لين .. أمثال هؤلاء الجبابرة وعتاة الكفر .. فكيف بإخوتنا من المسلمين .. أين نحن من هذا الحوار الدافىء الحنون .. كم نغلظ لهم فى القول ..
إننا لم نصبح هذه الأمة التى انحنى لها التاريخ إعظاما وإجلالا إلا بمجتمع هذه صفته .. الرفق .. اللين .. الحب .. الإيثار .. الرحمة ..