قراءة فى رسالة أخطاء في تربية الأبناء
قراءة فى رسالة أخطاء في تربية الأبناء
الكتاب يدور حول بعض الأخطاء التى يقع فيها المربون أثناء تربية أولادهم وهو يبين أن عملية التربية لابد فيها من المعرفة لما يقال ولما يفعل فيها وهو ما قاله المؤلف فى المقدمة :
"أما بعد فإن تربية الأبناء ليست عملية عشوائية سهلة يمارسها كل أحد دون علم أو دراية، وإنما هي عملية معقدة ذات معايير دقيقة ومنضبطة بالضوابط الشرعية، وقابلة للاجتهادات الشخصية والرؤى النفسية المبنية على تحقيق مصالح الأطفال وتنمية مداركهم وتوسيع أفقهم، ودرء المفاسد والشرور عنهم ونظرا لأن هناك من يمارس عملية التربية بشكل نمطي جامد، من خلال تقليد الآباء، وتوارث الأجيال، فقد نتج عن ذلك كثير من الأخطاء في التربية، وتأثر بذلك الأبناء، حيث تولدت لديهم العديد من السلوكيات والعادات السلبية، التي تعاني منها الأسر والمجتمعات وفي هذه الرسالة سوف نشير إلى بعض تلك الأخطاء المهمة مع ذكر العلاج والتصحيح، والله الموفق والمعين"
قبل الحديث عن التربية يجب القول أن خطأ فى التربية يرجع إلى أحد أمرين الأول الجهل بأحكام الله والثانى إرادة معصية الله والمجتمعات التى نحيا فيها حاليا مجتمعات لا تحكم بحكم الله ومن ثم شاع الجهل وشاعت المعصية
واستهل الكتاب بطرح مسألة الاستهانة بالتربية فقال :
"1 - الاستهانة بقضية التربية
فبعض الآباء لا يولي تلك القضية أدنى اهتمام، وإنما يترك أبناءه هكذا ينشأون دون أدنى مسئولية، ويرى أن مسؤوليته لا تتعدى توفير المأكل والمشرب والملبس والمأوى، وينسى قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا}
وقال علي بن أبي طالب : (علموهم وأدبوهم) وينسى كذلك قول (ص): «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل في أهله راع، ومسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية ومسئولة عن رعيتها» (متفق عليه)
قال شوقي:
فرب صغير قوم علموه
سما وحمى المسومة العرابا
وكان لقومه نفعا وفخرا
ولو تركوه كان أذى وعابا
فعلم ما استطعت لعل جيلا
سيأتي يحدث العجب العجابا
وقال ابن القيم: (فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارا، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كبارا، كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال: يا أبت! أنت عققتني صغيرا، فعققتك كبيرا، وأضعتني صغيرا، فأضعتك شيخا) (تحفة المودود)"
وصدق المؤلف فيما قال فالكثير من الناس يرون أن هدفهم هو توفير الضروريات المادية لأولادهم والكثير منهم دون رغبته يعمل نهارا وليلا من أجل ذلك ولا يتاح له وقت للجلوس مع الأولاد لتربيتهم
المشكلة أن الحكام والحكومات هى من تدفع العامة إلى هذا دفعا وهو البحث عن لقمة العيش من خلال إشاعة الفقر فى البلاد وقصقصة ريش العامة من خلال الضرائب والخصم من المرتبات ورفع الأسعار والعامة بدلا من أن يبحثوا عن أصل المشكلة وهو تغيير الحكام والحكومات يلجئون إلى ابتداع أساليب لجمع المال من خلال دائرة الظلم فالحكومة عندما ترفع مثلا سعر المحروقات يرفع السائق أجرة السيارة ويرفع أصحاب المصانع أسعار السلع ومن ثم يضطر الفلاح لرفع سعر محاصيله ومنتجاته والمعلم يضطر التلاميذ لأخذ الدروس والمهندس يوقف أحوال البناء حتى يتلقى المعلوم وهو الرشوة والطبيب يهمل فى الكشف على المرضى حتى يذهبوا لعيادته ويدفعوا... إنها دائرة لا تنتهى بسبب عدم حل المشكلة من جذورها
والخطأ الثانى هو هيمنة الآباء كما قال المؤلف:
"2 - هيمنة الآباء
وهذا الخطأ هو ما يضاد الخطأ الأول، حيث يقوم الآباء هنا بدور المهيمن على كل تصرفات الأبناء بحيث يلغون شخصياتهم، ويصادرون آراءهم، ولا يرون فيهم سوى نماذج للطاعة العمياء، وهذا -بلا شك- يتسبب في سلبيات كثيرة منها:
1 - ضعف الشخصية وعدم الثقة بالنفس
2 - الإصابة بالانطواء والخجل المرضي
3 - ضعف القدرات الإبداعية
4 - الفساد عند الكبر حيث يشعر الابن بزوال الأغلال التي كانت تقيده، فيميل إلى الانفلات من كافة الضوابط ولو كانت صحيحة
5 - الإصابة بالأمراض النفسية والجسمانية
إن التربية السليمة تؤيد إعطاء الأبناء جانبا كبيرا من الحرية فيما يتعلق بشئونهم الخاصة، من حيث اتخاذ القرارات، والتعبير عن الرغبات، وتحمل المسئوليات، بحيث يكون ذلك كله في إطار من السلوكيات السليمة والآداب الكريمة التي عمل الآباء على تأصيلها في نفوس أبنائهم"
التربية أساسا لا علاقة لها بالهيمنة فالتربية هى أن تعلم الطفل الحلال من الحرام بالكلام فإذا ارتكب محرما توجهه بالوعظ مرات كثيرة وفى حالة إصراره تعاقبه بالضرب وكل هذا لا يفيد فى مجتمعاتنا الحالية لأن التربية هى تربية فردية فالمفروض فى المجتمع المسلم هو أن كل الكبار مربين للصغار فى كل مؤسسة وفى كل مكان مكان وأما المجتمعات التى يحكمها الكفر فنجد المجتمع بعضه يربى والبعض الأخر يهدم فوزارات التعليم والأوقاف مثلا تبنى وتأتى وزارات الشباب والرياضة والإعلام والثقافة والسياحة لتهدم التربية من خلال إفساد الصغار
الهيمنة لا علاقة لها بالتربية فكما قلت التربية عملية تعليم فى المجتمع الذى لا يحكم بشرع الله وأما فى المجتمع المسلم فالكل يعمل كوحدة واحدة فعندما يعظ الأب أولاده ولا يفيد الوعظ يكون تنفيذ قانون العقوبات من قبل مؤسسة القضاء والشرطة رادعا لمن يخرج على التربية الصحيحة فالأدوار بعضها يكمل بعض
وتحدث المؤلف عن تناقض المربى بين القول والفعل فقال :
"3 - تناقض القدوة
إن الوالدين هما أول من يؤثر في الطفل، ويكسبانه كثيرا من صفاته وعاداته، كما قال الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان منا
على ما كان عوده أبوه
وما دان الفتى بحجى ولكن
يعلمه التدين أقربوه
فإذا كان الوالدان على أخلاق طيبة وسيرة حسنة اكتسب الأبناء منهم بعض صفاتهم الإيجابية، وإذا كانا متناقضين بحيث يأمران بشيء ويفعلان شيئا آخر، أثر ذلك سلبا على الأبناء
ومن التناقض: أن يأمر الوالد أبناءه بالصدق وهو يكذب، أو يأمرهم بالأمانة وهو يسرق، أو يأمرهم بالوفاء وهو يغدر، أو يأمرهم بالبر والصلة وهو عاق لوالديه، أو يأمرهم بالصلاة وهو تاركها , أو يأمرهم بعدم التدخين وهو يدخن، فهذا التناقض يسقط هذا المربي من أعين الأبناء، ولا يجعل لكلامه أي قيمة، قال تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون}
وقال الشاعر:
يا أيها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا
كيما يصح به وأنت سقيم
ونراك تصلح بالرشاد عقولنا
أبدا وأنت من الرشاد عديم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما تقول ويقتدى
بالقول منك وينفع التعليم"
وهذا هو ما قاله الله للمؤمنين فى قوله تعالى :
" لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"
وكرر المؤلف كلامه عن الهيمنة ولكن تحت مسمى أخر وهو القسوة فقال :
"4- القسوة
إن الواجب على الآباء أن يعاملوا أبناءهم بالرحمة واللين والرأفة، وهذا هو هدي النبي (ص) في معاملة الصغار، فعن أبي هريرة قال: قبل النبي (ص) الحسن بن علي ، وعنده الأقرع بن حابس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله (ص) فقال: «من لا يرحم لا يرحم» [متفق عليه]
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم ناس من الأعراب على رسول الله (ص) فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ فقال: «نعم» قالوا: لكنا والله ما نقبل، فقال رسول الله (ص): «أو أملك إن كان الله نزع الرحمة من قلوبكم» (متفق عليه)
إن القسوة والشدة في العقاب تنتج نماذج مضطربة التفكير، غير قادرة على قيادة أنفسها، فضلا عن قيادة الآخرين
لقد ساد في الزمان الماضي أن القسوة وشدة الضرب هي التي تنمي القوة والشجاعة والرجولة لدى الأطفال، وتجعلهم قادرين على تحمل المسئولية، والاعتماد على الذات، وقد ثبت خطأ هذه التصور، لأن القسوة تترك آثارا نفسية مؤلمة على الأطفال،
|