حرب باردة أم بادرة حرب
(الحلف الأطلسي يتوسع ، ويقترب ببنيته التحتية العسكرية من حدودنا ، لقد أزلنا قواعدنا في كوبا وفيتنام ، فعلى ماذا حصلنا في المقابل؟ قواعد أمريكية جديدة في رومانيا وبلغاريا ! وستنشر عناصر من الدرع المضادة للصواريخ في بولندا ، وجمهورية تشيكيا ! .. إنّ روسيا لديها ، وسيكون لديها دائماً رد على التحديات الجديدة ) بوتـين في خطاب في موسـكو 8/2/2008م
إذا كان في النفـاق شيء مفيد فهو أنه سرعان ما ينفضح ، فكم هـو عجيب هذا الخبر الذي حملته وكالات الأنباء ، أعني أنَّ جورجيا التي سارت في ركب أمريكا في غزوهـا الوحشي للعراق عام 2003م ، فسُفكـت دماءُ مئات الآلاف ، سحبت ألفا من جنودها الغزاة في العراق ، وأخـذت تندد وأمريكا بغزو روسيا لدولة ذات سيادة !!
ولاجـرم .. جورجيا التي لها ثالث أكبر وجود عسكري في العراق ، هي التي ذاقت وبال أمرها، وكان عاقبة أمرهـا خُسـرا .
وليست إذن هي " الثورة الوردية" التي قامت في جورجيا عام 2003م ، بل هـو وضع جورجيا في فوِّهـة المدفع ، وتحويلها إلى مخلب قط الأطماع الغربية ، تحت سراب نشر الديمقراطية ، وهو الذي سيهلكها ، وكذلك مصير أعوان الظلمة ، ولم يعد يخفى على أحـد أن الغرب حريص على أطماعه ، لا على مصالح الشعب الجورجي .
من عجائب القدر أن بوش الأب أرسى معالم نظام عالمي جديد تقوده أمريكا في عام 1991م ، وابنه هو الذي خرب هذا النظام بغزو العراق عام 2003م ، ثم هاهو يكمل التخريب ـ الشيء الوحيد الذي يحسنه ـ فيندفع بطيش إلى حدود روسيا ، ليعـلن انتهاء الحلم الأمريكي للتفرد بالعالم ، بل هو ـ والله ـ الكابـوس الذي انطلق بالقصف والتدمير ، وانتهى به ، ونشر فيما بين ذلك إزدياد وتيرة الخوف ، والفقر ، وإنتهاك حقوق الإنسان ، والحريات ، في العالم.
في يوم افتتاح قمة الناتو في بوخارست ، التي دعا فيها بوش لضم جورجيا ، وأوكرانيا للحلف ، قال وزير الخارجية الروسي لافروف ، إنَّ بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي أمام قرار توسيع الحلف ، باتجاه أوكرانيا وجورجيا، وأن موسكو لن ترد "على طريقة طفل صغير تعرض للضرب في المدرسة ، واكتفى بصفع الباب ، والذهاب إلى غرفة الصف باكيا".
ويبدو أن لافروف كان محقا ، فلم ترد روسيا على طريقة طفل صغير ، بل أشعلت حربا ، جعلت العالم يستاءل : هل نحن حقا بين يدي حرب باردة جديدة؟!
والذين يرجحون الجواب بنعـم ، يقولون : ماذا بقي؟!.. الصورة اكتملت ، الغرب ودرعه الصاروخي في بولندا ، وتوسيعه الناتو حتى وصل إلى جورجيا وأوكرانيا ، وفصل كوسوفا ، وتضخم الميزانية العسكرية الأمريكية ، وإقصاء روسيا عن أيِّ دور في الشرق الأوسـط.
وفي المقابل علقت روسيا معاهدة الحد من الأسلحة التقليدية ، واعادت القاذفات الإستراتيجية التي كانت تحلق إبان الفترة السوفيتية للتحليق ، وبدأت بتحديث منظومتها للأسلحة النووية ، وهددت بوضع جميع الأهداف الأوربية في مدى الصواريخ النووية ، وزادت من نشاط أسطولها البحري ، وأعلنت ملكيتها لجزء كبير من القطب الشمالي ، وسط دهشة أمريكا ، وكنـدا .
وأخيرا صـرح رئيس الأركان الروسي أن روسيا لا تستبعد القيام بهجمات استباقية لاجتثاث مصدر أي تهديد لأمنها، ولم يستبعد استخدام السلاح النووي .
وهاهي صفارة الإنذار في القوقاز ، تعلن إنتهـاء عهد القطب الواحد ، وبدء نظام عالمي جديد متعدد الأقطـاب.
وسواء كان الذي نشهده بإنفجار هذا الصراع بين روسيا والغرب في القوقاز ، عودة لحرب باردة عالمية جديدة ، تنازع فيها روسيا التفرد الأمريكي ، أو هي بادرة حرب محدودة سوف تنتهي بحصول روسيا على مكاسب جزئية .
فإنَّه من غير المستبعد أن تبدأ أمريكا النظر في إحياء القضية الشيشانية ، ودعم المجاهدين الشيشان هناك ، في ضمن إجراءات الرد على الصفعة القوية الروسية التي وجهت للغرب .
وحينئذ سوف تبدأ فتاوى المناوئين للجهاد ، والواضعين له شروطا تعجيزية ، تعاد صياغتها ـ أمريكيا ـ فيصبح الجهاد مشروعا ، ونصر المجاهدين مطلوبا ، والعمليات الإستشهادية بطولات خالدة !
فيلتقي حينئـذٍ هؤلاء في نفاق مواقفهم ، مع جورجيا التي صار غزوهـا العراق لها مباحا ، وغزو روسيا لأوسيتيا عليها حرام !
http://www.h-alali.info/m_open.php?i...7-0010dce2d6ae