20-06-2008, 06:08 PM
|
#1
|
عضو مميّز
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
الإقامة: بعد الأذان
المشاركات: 11,171
|
هل وصلت ذراع "مكتب التضليل الإعلامي" إلى الجرائد الوطنية ؟
د. ثائر دوري
في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 أنشأ البنتاغون برعاية وزير الدفاع السابق رامسفيلد مكتبا أسماه "مكتب التأثير الاستراتيجي". أطلقت الصحافة عليه فيما بعد اسم "مكتب التضليل الإعلامي" ، لأن مهمته الحقيقية هي ممارسة التضليل الإعلامي على الصحافة و وكالات الأنباء عبر تزويدها بطرق مباشرة ،أو غير مباشرة ، بأخبار يختلط فيها الحقيقي بالمزيف،الصادق بالكاذب،و ذلك خدمة لاستراتيجيات البنتاغون و أهداف الإدارة الأمريكية السياسية و العسكرية .
ظل عمل هذا المكتب سريا حتى كشفت عنه النيويورك تايمز قبل حوالي عامين ، فاضطرت الإدارة الأمريكية لإغلاقه حفاظاً على مصداقية البنتاغون . تبين من خلال القليل الذي رشح عن عمل هذا المكتب أنه لم يكن يزود المعلومات للصحافة و وكالات الأنباء مباشرة إنما عبر طرف ثالث لتبدو عالية المصداقية و حيادية. و قد عرفنا بعضاً من طريقة عمله عند افتضاح ما سمي "فضيحة رشوة الصحافة العراقية " من قبل قوات الاحتلال التي انفجرت عام 2005م ، فشركة "لنكون غروب" ، و هي شركة علاقات عامة أصحابها من قدامى المحاربين ، حصلت على مقاولة من "وحدة المهام الخاصة بالعمليات المعلوماتية" في "قوات التحالف" ، لتشرف هذه الشركة على عملية تحرير المقالات ، ثم يتم ترجمتها عبر مقاول عراقي ، ثم إلى مقاول آخر مهمته حمل هذه المقالات أو القصص إلى الصحيفة المتفق معها مسبقا مع كمية من الدولارات لنشر المقال في الصحيفة كإعلان مدفوع الأجر ، لكن دون الإشارة إلى ذلك على صفحات الجريدة ، و بعد وضع اسم ما حقيقي أو موهوم لكاتب القصة . و من هذه الصحف تنقل صحف أخرى المقالات أو القصص. و بالطبع تحمل هذه المقالات أجندة المحتلين عبر إشاعة أجواء ايجابية عن واقع العراق تحت الاحتلال، و رسم صورة إنسانية لجندي الاحتلال، و حرف النظر عن مواضيع أساسية لصالح مواضيع ثانوية ، أو عبر تبني رواية الاحتلال لما يجري في العراق على أنه حرب أهلية بين السنة و الشيعة ، و أن مهمة الاحتلال تتلخص بالتوفيق بين الطرفين و منع نشوب النزاع بينهما ( و يا بخت من وفق راسين بالخلال كما يقول أخوتنا في مصر ). أما لماذا لا ينشر البنتاغون هذه القصص مباشرة عبر مكتبه الإعلامي ؟ فذلك لسبب واضح فهو يريد أن يعطيها طابع الحيادية عبر ظهورها كمقالات مهنية عادية ، و بأقلام صحفية محايدة ، و في وسائل إعلام محايدة.
لقد لفت نظرنا تكرار نشر قصص تحمل بصمات "مكتب التضليل الإعلامي" في صحيفة القدس العربي . و كي لا يحتج أحد بأنه قد تم حل هذا المكتب نقول أن رامسفلد قال عند إعلانه حل هذا المكتب "أنه برغم أن المكتب مغلق فسوف يستمر البنتاجون في محاولة نشر رسالته من الخارج " ، و على ما يبدو أن رسالته قد تسربت بوسيلة ما إلى صحيفة محترمة رصينة ذات خط وطني كالقدس العربي .
نبدأ بالمقالة الأولى التي نشرت في الصحيفة يوم 15/ 8 تحت عنوان:
"جنود أمريكيون يرعونرضيعة عراقية عثر عليها وسط القمامة ".
إن هذا العنوان يختصر إيديولوجيا تحضير الشعوب البرية المتوحشة التي اجتاح الغربيون تحت شعارها العالم . ثم نقرأ أن مصدر الخبر " بغداد ـ من روس كولفين " . من هو هذا الصحفي ؟ مع أي وكالة أنباء يعمل ؟ في أي جريدة غربية ينشر ؟ من الذي قام بالترجمة ؟ كل هذه أسئلة لا إجابات عليها . ثم في تفاصيل الخبر نقرأ " فقدت الرضيعةفاطمة الجبوري التي أتمت للتو شهرها التاسع أباها( لم يذكر كاتب الخبر كيف فقدته ) ،ثم قتل مسلحون أمها وعمها ( يوحي استخدام كلمة مسلحين أن المقاومة هي من قام بالقتل ) وتركت وحيدة بدون رعاية في كومة من القمامة في بغداد .ثم اكتشفتها الشرطة العراقية بين أكوام القمامة و يبدو من سياق القصة أنها سلمتها للقوات الأمريكية لتظهر في المشفى العسكري الأمريكي في المنطقة الخضراء . و نتابع التفاصيل مع كاتب القصة ، فيقول :
" أنقذت الطفلة البريئة من حقول القتل في العراق ونجاتها رغم كل الظروف جعلتهانجمة إعلامية في مستشفي عسكري أمريكي في المنطقة الخضراء في بغداد. وقال اللفتنانتبيت بروكلي القائم بأعمال مسؤول العلاقات العامة بالمستشفي إنهارضيعة.. إنها السعادة في مكان سيئ ."
يذخر الأدب الكولونيالي بأمثال هذه المواقف و التعابير ، التي تتعاطف مع الأطفال الأبرياء ، أبناء المتوحشين سكان الأرض الأصليين ، الذين يحاول الغربي المتحضر إنقاذهم من همجية أهلهم ، وإخراجهم من البربرية ، و تعليمهم التحضر قبل أن يكبروا و يلتحقوا بأهلهم القتلة المتخلفين البرابرة....الخ . يتابع كاتب القصة:
"وفي الفترات التيتتخلل نوم فاطمة يرتب العاملون في مستشفي الدعم القتالي الثامن والعشرين المواعيدلمصوري شبكات التلفزيون الأمريكية والأجنبية لزيارة الرضيعة التي يتكفلون بها أملا في أن تنقذها قصتها منمستقبل غامض والأطفال علي وجه الخصوص هم الأكثر تعرضا للمخاطر بسبب العنف الطائفيفي العراق الذي أودي بحياة عشرات الآلاف وأدي إلى تشريد الملايين، كما أشار تقريرلمنظمة (أوكسفام) البريطانية الخيرية إلى أن 28 في المئة علي الأقل من الأطفالالعراقيين يعانون من سوء التغذية. وفاطمة هي محط الاهتمام الآن ويحيط بها الممرضاتوالزائرون الآخرون في عنبرها. ولكن الجنود الأمريكيين سيعودون قريبا ولا أحد فيالمستشفي يعرف متي تحديدا لأخذها إلى ملجأ للأيتام حيث تنضم لخمسة من أقاربها"
يتبع
__________________
تحت الترميم
|
|
|