السكين والمفصل
السكين والمفصل
عندما يطول الشرح بين اثنين، فإن من يستمع منهما الى من يتكلم ويكثر في الكلام، سيطلب منه أن يضع (السكين على المفصل)، أي أن يختصر و يخلص الى (زبدة) الحديث بشكل حاسم وواضح وقاطع ..
وقد يكون هذا القول عن السكين والمفصل مأخوذا من مهنة القصابين، فالمحترف منهم يضع السكين على مفصل الذراع أو الفخذ في (الذبيحة) ويقطع اللحم، دون أن تعلق شظية عظم مع اللحم، كما يفعل المبتدئون من القصابين، فيكتشف من يتناول اللحم أن من قطعه كان مبتدئا و قليل الدراية بوضع السكين على المفصل ..
ظاهرة التصاق شظايا العظم مع اللحم، قد تظهر في بعض الثمار، فعند تناول بعض أصناف الخوخ (مثلا) لا تخرج البذرة خالية من لحم الثمرة، بل يبقى جزء من لحم الثمرة ملتصقا بالبذرة، في حين تخرج البذرة خالية من أي لحم يلتصق بها، في أصناف أخرى من الخوخ والمشمش الخ.
هذه الظاهرة نجدها عند الكثير من المثقفين في آراءهم، فنجد بعض الآراء صافية لا يشوبها أي خلط في المواقف، ونجد آراء أخرى لمثقفين ـ بعينهم ـ تتداخل فيها المواقف ..
فالموقف من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني باعتبارهما المصدرين الرئيسيين لمعظم مشاكل المنطقة، يُفترض أن يكون المحور أو الخط أو الميزان الذي تقاس به المواقف بشكل عام. من يقترب موقفه من موقفهما هو أقرب للموقف العام الذي يُحدد (بوصلة) اتجاه المواقف للمثقفين
لكن، تفرض جملة أحداث تتعلق بالتاريخ وتتعلق بالجغرافيا وتتعلق ببوصلة العقائد في جعل المواقف تختلط عند المثقف (أي مثقف) من حيث لا يدري. ففي حين يفرح فجأة عندما تلحق تنظيمات إسلامية متشددة الأذى في القوات الأمريكية في مكان ما، ويختلط عليه الأمر عندما تقتل تلك التنظيمات أبرياء مدنيين في عاصمة عربية، ويذهب ضحيتها مخرج فلم الرسالة.
ويفرح المثقف عندما يلحق جيش حزب الله الهزيمة في الجيش الصهيوني، أو يعيق تحقيق أهدافه بالمنطقة، ويقف محتارا عندما يتطابق موقف هذا الحزب مع من يلاحق علماء العراق وضباط جيشه وطياريه مستفيدا من تسهيلات إدارة المحتلين وتنصيبها لحكومة هزيلة من حلفاء حزب الله أو ممن يتتلمذون على يد نفس الشيخ. فيختفي الحماس في تأييده أو الإفصاح عن تأييده ..
ويفرح المثقف عندما تحقق حماس أي انتصار في فلسطين على العدو الصهيوني، ولكنه لا يحب أن يشاركها هجومها على فتح التي يمتلئ سجل تاريخها بالتضحيات والبطولات وتمتلئ معتقلات العدو الصهيوني بأسراها ..
كثيرة تلك الثنائيات التي تجعل المثقف العربي غير قادر على وضع السكين على المفصل. هل تراه مبتدءا في ثقافته، أم أن الظروف الراهنة ومن يتحكم في مسارها استطاعوا أن يستنبطوا أحداثا شبيهة بأصناف الخوخ الذي يصعب استخلاص بذرته دون التصاق جزء من لحمها؟
__________________
ابن حوران
|