قراءة في كتاب جواب مسألة في قيام المفاعيل
قراءة في كتاب جواب مسألة في قيام المفاعيل
الكتاب تأليف كاظم الرشتى وهو واحد من خلفاء المذهب الأوحدى وهو مذهب خليط بين الشيعة والسنة والصوفية وسبب تأليف الكتاب هو الرد على سؤال شخص من الأتباع له عن المفاعيل والله والظاهر من السؤال ومن الجواب هو أنه بعيد عن الوحى الألهى لاستخدام الاثنين مصطلحات الصوفية كالقيام الصدورى والحقيقة المحمدية والقيام الركنى
وقد استهل الكتاب بعرض السؤال وهو سؤال غموض لذكره تلك المصطلحات التى لا وجود لها في الوحى فقال :
"فيقول العبد الجاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ، أن هذه كلمات كتبتها جوابا لمسائل بعض الإخوان صانه الله عن عوارض الزمان مع كمال اختلال البال وتشويش الحال وتوفر الكلال والملال ، نسأل الله سبحانه أن يلهم الصواب ويجعلها ذخرنا ليوم الحساب .
قال سلمه الله : يا سيدي أطال الله بقاكم تفضل علي بكشف الحجاب والأستار عن هذه المسألة ، وهي أن المفاعيل بفعل الله بالقيام الصدوري وبالحقيقة المحمدية بالقيام الركني ، فما حال الفعل نفسه فهل يلاحظ فيها حجة المفعولية أم لا ؟ وهل هو قائم بذاته أم بذات الله ؟
وقد استهل الإجابة بنسبة المفاعيل لله فقال :
"أقول : أما قيام المفاعيل بفعل الله تعالى بالقيام الصدوري فذلك معلوم لأنها منتسبة إلى الفعل ومنتهية إليه ودالة عليه ألا ترى أن حسن الخط وقبحه لا يدلان على حسن الكاتب أي ذاته وقبحه ، وإنما يدلان على اعتدال حركة يد الكاتب وحسنها وعدم اعتدالها وقبحها والأثر علي يدل المؤثر بالضرورة فلو كان هو الذات لدل عليها ، هذا خلف "
والإجابة في أولها سليمة باعتبار الله كما قال :
" الله خالق كل شىء"
وأما التشبيه الذى شبهها والله به فهو تشبيه لا يصح مع الله لأنه تشبيه له بخلقه وهو أن الله يشبه الكاتب من حيث فعله وهو الخلق والكتابة عند الكاتب ومع هذا حسن وقبح الكتابة لا ينسبان للكاتب وإنما ينسبان ليده وهو كلام ذم لله تعالى لو عقل الرشتى لعدم وجود فباحة في خلق الله كما قال :
" الذى أحسن كل شىء خلقه"
ومن ناحية أخرى فهو تشبيه لله بالخلق في وجود أعضاء كاليد وهو ما لا يعقل ولا يجوز ثم قال :
"وليس مرادي أنها قائمة بالفعل قيام صدور أن الفعل مستقل في ذلك والذات معزولة عنه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، بل كل ما سواه سبحانه قائم به تعالى لكن لا على وجه الصدور وحصول النسبة بين المصدر بكسر الدال والمصدر بفتحها كما بين الفعل والمفعول من المناسبة الصحيحة لصدور ذلك الأثر منه دون غيره ألا ترى حركة اليد المتعلقة بالألف مثلا مستقيمة وبالجيم معوجة ، ففي الحالة الأولى امتنع صدور الجيم وغيرها عنها ولا كذلك نسبة الأشياء للذات الأقدس تعالى ، كما زعموا وفرعوا عليه أنه لا يمكن أن يصدر من الواحد إلا الواحد ، فلولا اعتقادهم وجود النسبة بين المؤثر لذاته وبين الأثر لما أمكن هذا القول ونحن نسبنا المفاعيل إلى الفعل من حيث هذه النسبة والكثرة المستدعية للحدوث والإمكان وقلنا أن قولهم لابد أن يكون بين المفعول والفاعل مناسبة تصحح صدور ذلك المفعول الخاص دون غيره وإلا فلصدر كل شيء عن كل شيء وهو بديهي البطلان وقولهم أن مباين الشيء لا يصدر عنه إذ لا يعقل صدور الحرارة من الماء البارد ، والحرارة من النار وأمثالها كله حق ، لكن المناسبة بين فعل الذات ومفعولها لا بينها وبينه وأقمنا عليه براهين ليس هنا محل ذكرها إن لم تكف بما ذكرنا وأشرنا "
والرشتى هنا كمن أراد أن يكحل الناظرة فعماها ففى أول كلامه جعل الفعل والذات الإلهية واحد باعتبار الفعل متواجد فى الذات بقوله" بل كل ما سواه سبحانه قائم به تعالى" والغريب أن ما ذكره هو نفسه ما عابه عن القائلين" نسبة الأشياء للذات الأقدس تعالى"
والغريب أنه لا يفتأ يضرب الأمثلة وهى أمثلة لا تصح لأنها تشبيه لله بالخلق كما أنها تعارض مع قوله فقوله عن تباين الحرارة عن الماء البارد فبعد الحرارة عن الماء تقتضى بعد الفعل عن الله بمعنى أنه ليس هو الله ولكنه شىء أخر وإن كان الله هو خالقه
وعاد للكلام الغريب الذى يصدر عن الصوفية والفلاسفة وليس عن الشرع وهو كلام لا يفهمه أحد حتى من يقوله فقال:
"وأما الذات الأقدس سبحانه وتعالى فهو محقق الحقائق ومذوت الذوات ومؤصل الأصول لكنه بلا نسبة مباينة ولا موافقة ولا مساوية ولا عامة ولا خاصة ولا مطلقة ولا مقيدة ولا جميع أنحاء النسب لأنها تستلزم الإثنينية ، إذ النسبة لا تكون إلا بين الاثنين ولا تعقل في الواحد إلا باعتبار الاثنين وما زاد ، بل هو سبحانه مقيم الأشياء بلا كيف ولا إشارة "
وهذا الكلام لو عبر عنه بآيات الوحى لكان ظاهرا مفهوما كقوله تعالى :
" وما تشاءون إلا أن يشاء الله "
فهنا حل المسألة وهى أن فعل المخلوق يكون عندما يقدره الله على فعله وهو ما عبر عنه إبراهيم(ص) بالقول:
"والله خلقكم وما تعملون"
فالله خالق الفاعل والفعل
وتحدث عن شىء لا وجود له وهو ما سماه الحقيقة المحمدية ومحمد(ص) مخلوق وهو ميت ومن ثم حقيقته الدنيوية لا علاقة لها بمسألة الفعل والمفعول لكونه ميت لا يضر ولا ينفع لأن النافع هو الوحى المنزل عليه وفيها قال :
"وأما قيام الأشياء بالحقيقة المحمدية (ص) بالقيام الركني ففيه إجمال لابد من تفصيله وتوضيحه فإنه قد أثبته على جماعة ممن يدعون العلم حيث لم يعرفوا المراد ولم ينظروا بنظر الأنصاف والوداد فوقعوا فيما وقعوا أعاذنا الله منه
وبيان هذا الإجمال هو أن القيام الركني في الحقيقة هو قيام جزء الشيء بالآخر وقيام الجزء بالكل وقيام الصورة بالمادة والماهية بالوجود وقيام الشيء الكل بأجزائه ويستعمل أيضا ويراد به قيام المادة بالصورة وعلى كل حال يلزم من هذه العبارة في مقابلة القيام الصدوري وأن تكون الحقيقة المقدسة مادة الأشياء كلها في الاستعمال الحقيقي وصورتها في الاستقلال الثاني ، وهذا القول لا ينطبق على مذاهب المسلمين إلا على قول طائفة قالوا بوحدة الوجود لا بمعنى أن الوجود هو ذات الله السارية في الأشياء كلها كما هو زعم طائفة عظيمة من الصوفية بل بمعنى أن فعله سبحانه واحد وهو الوجود المنبسط والوجود المطلق الساري في أطوار الكائنات وحقائق الموجودات وقالوا أن الحضرة المحمدية هو الفعل وقد فرعوا عليه هذا القول الشنيع والمذهب الفظيع ومن نظر إلى الكلام أي قيام الأشياء بالحقيقة المقدسة بالقيام الركني وعرف المعنى المراد منه على مصطلحهم يذهب إلى أن صاحب هذا القول هو صاحب ذلك المذهب كلا وحاشى"
وحتى نهاية الفقرة السابقة نعلم أن الرجل ينكر تلك الحقيقة المحمدية التى ادعاها بعض الصوفية ومع هذا عاد لاثبات ما أنكره من خلال أن الكون خلق من نور محمد(ص) الذى كان معدوما كبقية الخلق فقال:
" وهذا القول في البطلان بمكان وليس المراد منه ما يتراءى من ظاهر العبارة بل المقصود أن الله سبحانه لما خلق محمدا صلى الله عليه وآله تشعشعت أنوارهم وتلألأت إشراقاتهم لقربهم من مبدئهم وملأت أنوارهم الأكوار والأدوار والأصقاع فخلق الله سبحانه من ذلك النور ومن نوره ومن نور نوره حقائق سائر الموجودات على تفاوت درجاته ، فحقائق الموجودات مادته نورهم وصورتها إجابتهم على وفق محبة وخلافها والأحاديث والأخبار في هذا المعنى تكاد تبلغ حد التواتر المعنوي كقولهم عليهم السلام ( إنما سموا الشيعة شيعة لأنهم خلقوا من شعاع نورنا ) (اللهم إن شيعتنا خلقت من شعاع أنوارنا بحارالأنوار53/302 بالمعنى) "
ونسبة الخلق لنور محمد أو نور الأئمة يخالف كلام الله الذى جعل أصل المخلوقات كلها هو الماء فقال
" وجعلنا من الماء كل شىء حى"
وعاد الرشتى لأمثاله التى يشبه فيه الخالق بالخلق والعكس فقال :
"ومدخول من مقام الصنع والإيجاد هو المادة كما هو المعلوم عند أهل اللسان كافة ، كقولك صغت السرير من الخشب وصنعت الخاتم من فضة وأمثالها ، ولما كان الشعاع عند المنير مضمحلا فانيا باطلا ولا يلحظ معه فينسب إلى المنير ولذا قال الأستاذ العلامة ( أن الأشياء قائمة بالحقيقة قيام ركني أي بأشعتها وإشراقاتها لا بذاتها وحقيقتها ) فإذا عرفت هذا القدر من الكلام فلنرجع إلى جواب المسألة فنقول أن الفعل أيضا تلاحظ فيه جهة المفعولية قطعا لأنه حادث قطعا وكل حادث مصنوع مفعول قد تعلق به الفعل فهو فيه لحاظان :
أحدهما لحاظ فعلية وثانيهما لحاظ مفعولية ، ولما كان المفعول يتعلق به الفعل وليس ثمة فعل آخر فكان مفعوليته بنفسه وفاعليته بنفسه والفعل الذي أوجده بنفسه وهو سبحانه أقامه كما أقام غيره به ، كما قال مولانا الصادق (خلق الله المشيئة بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشيئة ، الكافي 1/110 ) فهو قائم بنفسه قيام صدور كقيام الأشياء به ، أي ليس فعل آخر يكون واسطة في صدوره كما كان بنفسه واسطة في صدور الأشياء عن الله تعالى ، فالفاعلية التي تعتبر فيها الفعل لنفس الفعل ليس إلا الفعل نفسه لا شيء آخر فمدده بنفسه أي أمده الله سبحانه بنفسه لا بفعل آخر حتى يلزم التسلسل أو الدور فقولك هل هو قائم بذاته أم بذات الله تعالى ، جوابه أنك إن أردت بالقيام ، القيام الرابطي والنسبي المعتبر في الصدور بين الصادر وفعل المصدر فذلك بنفسه لا بفعل آخر لانقطاع الربط والنسبة في ذاته تعالى "
والكلام هنا مخالف لكتاب الله فالرجل اعتبر المشيئة الإلهية مخلوقة باعتماده العبارة "خلق الله المشيئة بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشيئة"
والمشيئة الإلهية ليست منفصلة عن الذات الإلهية فكلاهما واحد ومن قال بأن المشيئة مخلوقة فقد عنى أن الله مخلوق لأن الله لا يقسم إلا باعتبار الألفاظ فالذات الإلهية واحدة كما قال " قل هو الله أحد" ومن ثم فعندما نتحدث عن القدرة عن المشيئة عن العلم ...إلخ فهذا كله هو الذات نفسها فهى ليست مكونة من أجزاء ولا أبعاض وإنما واحدة
ولو عقل الرشتى تلك الكلمة لكان معناها أن الله لم يكن له مشيئة ثم صارت له مشيئة فكيف خلق مشيئته بدون ان تكون له مشيئة تريدها ؟
|