نقد كتاب تلذذ القلوب بمحبة علام الغيوب
نقد كتاب تلذذ القلوب بمحبة علام الغيوب
الكتاب من تأليف عبدالرحمن بن فهد آل زايد وقد استهل الكتاب بمقدمة إنشائية لا طائل منها عن المحبة ومكانتها فقال :
" أما بعد:
فالمحبة هي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى علمها شمر السابقون، وبروح نسيمها تروح العابدون، فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون، وهي الحياة التي من حرمها؛ فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده؛ فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه؛ حلت بقبله جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها؛ فعيشه كله هموم وآلام، وهي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه، تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها، وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبدا واصليها، وتبوؤهم من مقاعد الصدق ما لم يكونوا لولاها داخليها، وهي مطايا القوم التي مسراهم على ظهورها دائما إلى الحبيب، وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى عن قريب، بالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب، وقد قضى الله يوم قدر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة أن المرء مع من أحب، فيا لها من نعمة على المحبين سابغة"
والخطأ في الكلام هو أن المرء مع من أحب فالمرء في القيامة بعمله وليس مع من أحب وإلا كان الرسول الأخير(ص) في النار مع من أحبهم من الكفار حتى وعظه الله فقال:"لإنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء "
وجعل الزايد المحبة الغاية القصوى من المقامات، والذروة العليا من الدرجات فقال :
"والمحبة لله عز وجل هي الغاية القصوى من المقامات، والذروة العليا من الدرجات، فما بعد إدراك المحبة مقام إلا وهو ثمرة من ثمارها وتابع من توابعها كالشوق والأنس والرضا، ولا قبل المحبة مقام إلا وهو مقدمة من مقدماتها كالتوبة والصبر والزهد وغيرها."
والمحبة هى كل المنازل والدرجات فلا شىء معها ولا شىء بعدها ويعبر عنها بألفاظ كثيرة كتقوى الله وعبادة الله وذكر الله توحيد الله .....
وتحدث عن محبة الله فقال :
"وأنفع المحبة على الإطلاق وأوجبها وأعلاها وأجلها محبة من جبلت القلوب على محبته، وفطرت الخليقة على تأليهه، فإن الإله هو الذي تألهه القلوب بالمحبة والإجلال والتعظيم والذل له والخضوع والتعبد، والعبادة لا تصلح إلا له وحده، والعبادة هي كمال الحب مع كمال الخضوع والذل"
والخطأ هنا هو القلوب جبلت اى فطرت على محبة الله وهو كلام لا أصل لها فالقلوب تولد جاهلة لا تعلم آى شىء كما قال تعالى:
"والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا"
ولو كان الأمر كما يقول الزايد فمن أين أتى الككفار بتكذيبهم لله أو إنكارهم لوجوده ؟
وتحدث عن حب الذات الإلهية من كل الوجوه ,ان كل أنواع الحب تبعا لمحبته فقال :
"والله تعالى يحب لذاته من جميع الوجوه وما سواه فإنما يحب تبعا لمحبته، وقد دل على وجوب محبته سبحانه جميع كتبه المنزلة ودعوة جميع رسله وفطرته التي فطر عباده عليها وما ركب فيهم من العقول وما أسبغ عليهم من النعم، فإن القلوب مفطورة مجبولة على محبة من أنعم عليها وأحسن إليها، فكيف بمن كل الإحسان منه وما بخلقه جميعا من نعمة فمنه وحده لا شريك له كما قال تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون}، وما تعرف به إلى عباده من أسمائه الحسنى وصفاته العلا وما دلت عليه آثار مصنوعاته من كماله ونهاية جلاله وعظمته."
والأخطاء هنا متعددة أحدها والفطرة سبق تضعيفها والخطأ التالى كون حب غير الله تابع لمحبة الله وهو ما يعارض أن حب الكفار لآلهتهم المزعومة لا يمكن أن ينبع من حب الله كما قال تعالى:
"ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله"
ثم ذكر الزايد آيات وأحاديث في الحب فقال :
"قال الله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله}
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف ياتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم}
وقال (ص)«والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» [رواه البخاري ومسلم].
قال الحافظ: (قوله: «لا يؤمن» أي إيمانا كاملا وقال القاضي عياض وابن بطال وغيرهما: المحبة ثلاثة أقسام محبة إجلال وإعظام كمحبة الوالد، ومحبة شفقة ورحمة كمحبة الولد، ومحبة مشاكلة وإحسان كمحبة سائر الناس فجمع (ص)أصناف المحبة في محبته).
وقال ابن بطال: (ومعنى الحديث أن من استكمل الإيمان علم أن حق النبي (ص)آكد عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين؛ لأن به (ص)استنقذنا من النار وهدينا من الضلال).
قال القاضي عياض: (ومن محبته (ص)نصرة سنته، والذب عن شريعته وتمنى حضور حياته فيبذل نفسه وماله دونه قال: وإذا تبين ما ذكرناه تبين أن حقيقة الإيمان لا يتم إلا بذلك ولا يصح الإيمان إلا بتحقيق إعلاء قدر النبي (ص)ومنزلته على كل والد وولد ومحسن ومفضل، ومن لم يعتقد هذا واعتقد سواه فليس بمؤمن).
وقال لعمر بن الخطاب : «لا حتى أكون أحب إليك من نفسك» [رواه البخاري]."
هذا الحديث الذى نقل الزايد في تفسيره أقوال سواء كان صحيح النسبة للنبى(ص) أم لا ليس معناه أن الإنسان يحب النبى(ص) أكثر من نفسه لأن من يحب نفسه سيعمل على اتباع الوحى المنزل على النبى(ص) فحب النبى(ص) هو العمل بالوحى المنزل عليه ولا نجد فى الوحى المنزل نص يقول لنا أحبوا النبى(ص) أكثر من حبكم أنفسكم وإنما نجد فيه اتبعوا المنزل على النبى(ص) فاتباع المنزل هو حب النفس وحب النبى(ص) في نفس الوقت بالاقتداء بهداه وهو الوحى المنزل عليه
وانتهى الزايد من كلامه السابق إلى النتيجة التالية:
وجوب حب الله أكثر من النبى(ص) فقال :
"وإذا كان النبي (ص)أولى بنا من أنفسنا في المحبة ولوازمها أفليس الرب جل جلاله أولى بمحبته وعبادته من أنفسنا، وكل ما منه إلى عبده يدعوه إلى محبته مما يحب العبد ويكره، فعطاؤه ومنعه، ومعافاته وابتلاؤه، وقبضه وبسطه، وعدله وفضله، وإماتته وإحياؤه، وبره ورحمته، وإحسانه وستره، وعفوه وحلمه، وصبره على عبده وإجابته لدعائه وكشف كربه وإغاثة لهفته وتفريج كربته من غير حاجة منه إليه بل مع غناه التام عنه من جميع الوجوه، كل ذلك داع للقلوب إلى تأليهه ومحبته، فلو أن مخلوقا فعل بمخلوق أدنى شيء من ذلك لم يملك قلبه عن محبته، فكيف لا يحب العبد بكل قلبه وجوارحه من يحسن إليه على الدوام بعدد الأنفاس مع إساءته، فخيره إليه نازل وشره إليه صاعد، يتحبب إليه بنعمه وهو غني عنه، والعبد يتبغض إليه بالمعاصي وهو فقير إليه، فلا إحسانه وبره وإنعامه عليه يصده عن معصيته، ولا معصية العبد ولؤمه يقطع إحسان ربه عنه."
وبين الرجل الفارق بين حب المخلوقين لبعضهم وحب اللهم لهم فحب المخلوقين الغرض منه منفعة المحب التى يأخذها من المحبوب وحده بينما حب الخالق هو عطاء من جانب الله للمخلوق دون ان ينال منفعة ما من المخلوق وهو ما عبر عنه بالربح فقال :
"وأيضا فكل من تحبه من الخلق ويحبك إنما يريدك لنفسه وغرضه منك، والله سبحانه يريدك لك، وأيضا فكل من تعامله من الخلق إن لم يربح عليك لم يعاملك، ولا بد له من نوع من أنواع الربح، والرب تعالى إنما يعاملك لتربح عليه أعظم الربح وأعلاه، فالدرهم بعشرة أمثاله إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والسيئة بواحدة وهي أسرع شيء محوا."
وعبر الزايد عن أن حب الله للخلق هو العطاء فقال :
"وأيضا فهو سبحانه خلقك لنفسه وخلق كل شيء لك في الدنيا والآخرة، فمن أولى منه باستفراغ الوسع في محبته وبذل الجهد في مرضاته؟!
وأيضا فمطالبك - بل مطالب الخلق كلهم جميعا - لديه وهو أجود الأجودين، وأكرم الأكرمين، أعطى عبده قبل أن يسأله فوق ما يؤمله، يشكر القليل من العمل وينميه، ويغفر الكثير من الزلل ويمحوه {يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شان}
لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه كثرة المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين، بل يحب الملحين في الدعاء، ويحب أن يسأل، ويغضب إذا لم يسأل، ويستحي من عبده حيث لا يستحي العبد منه، ويستره حيث لا يستر نفسه، ويرحمه حيث لا يرحم نفسه، دعاه بنعمه وإحسانه وأياديه إلى كرامته ورضوانه فأبى، فأرسل رسله في طلبه وبعث معهم عهده، ثم نزل إليه سبحانه بنفسه وقال: «من يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له» [البخاري، مسلم، الترمذي، أبو داود]."
|