قراءة فى كتاب البيان الثاقب في شرح حديث حاطب
قراءة فى كتاب البيان الثاقب في شرح حديث حاطب
المؤلف خالد بن علي الغامدي وهو يدور حول حكم مظاهرة الكفار، وإعانتهم على المسلمين والسبب فى كتابة الكتاب انتشار بعض الفتاوى والرسائل المخالفة لمذهب المؤلف وفى هذا قال فى المقدمة:
"وبعد فهذه رسالة في حكم مظاهرة الكفار، وإعانتهم على المسلمين كان الداعي لها وسبب كتابتها انتشار بعض الفتاوى والرسائل المخالفة لمذهب أهل السنة، والتي مفادها أن المظاهرة لا تكون كفرا إذا كانت لأجل الدنيا، أو مع ادعاء الخوف من الكفار، وأن المظاهر للمشركين لا يكفر إلا إذا ظاهرهم لدينهم، فرأيت لزاما أن أبين الحق في المسألة، وأذكر مذهب أهل السنة والجماعة، والنقولات عن سلف الأمة وعلمائها، والذي لا يخالفه إلا المرجئة، أو من حذا حذوهم وذلك إبراء للذمة ونصحا للأمة ووفاء بالعهد المأخوذ على أهل العلم"
وقد استهل الكتاب بكون مظاهرة الكفار كفر بواح لا شك فى ذلك فقال :
"اجماع
إن من الأمور المجمع عليها أن مظاهرة الكفار والمشركين وإعانتهم على المسلمين من الكفر البواح المستبين وهذا أمر مستفيض تضافرت فيه الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة"
ثم استعرض الأدلة على كفر المظاهر فقال :
"الأدلة
* فأما الكتاب فيدل منه نصوص كثيرة منها:
- قوله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}، حيث أن الله حكم على المتولي للكفار والمظاهر لهم بالكفر، وأنه منهم وله حكمهم
- وقال سبحانه: {ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون}، فنفى الإيمان عمن يتولى الكفار ويظاهرهم، وحكم بكفرهم، وخلودهم في النار، والعياذ بالله
- وقال تعالى: {ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون}، فجعل المظاهر واليهودي أخوين في الكفر
- وقال تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير}
قال الإمام ابن جرير: "لا تتخذوا أيها المؤمنون الكفار ظهرا وأنصارا، توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلونهم على عوراتهم؛ فإنه من يفعل ذلك فليس من الله في شيء؛ يعني بذلك فقد بريء من الله وبريء الله منه بارتداده عن دينه"
ثم تحدث عن قتل المسلم لأخيه مكرها فقال :
"قلت: وقد أجمع أهل العلم على أن الإكراه لا يبيح الاعتداء على المسلمين، ولو أكره مسلم على قتل أخيه فقتله، لوجب أن يقتل به، فالإكراه حتى لو تصورنا وجوده فانه لا يغير حكم المظاهرة، ثم تأمل كيف جعل الإمام الطبري الإكراه والتقية مهما بلغت، لا تجيز إعانة الكفار على المسلمين بفعل، لما في ذلك من المظاهرة لهم على دينهم، وسببا لظهور ملة الكفار ودينهم، قصد المظاهر لهم ذلك أم لم يقصده!!، بل جعل الله كل مظاهر للكفار محبا لهم، مما يدل على أن المظاهرة عنده من الكفر الاعتقادي، وليس مجرد الكفر العملي!!
وقال عبد الرحمن بن سعدي: "وقوله: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) أي إلا أن تخافوا على أنفسكم في إبداء العداوة للكافرين؛ فلكم في هذه الحال الرخصة في المسالمة والمهادنة، لا في التولي الذي هو محبة القلب الذي تتبعه النصرة""
وما قاله الغامدى ونسبه لغيره مستدلا به على صحة ما ذهبوا إليه يخالف أن المكره لا عقوبة عليه بمعنى لا قتل له لأنه مضطر وحالته أن يكون هو والمسلم الأخر فى أيدى الكفار فيطلبون من أحدهم قتل الأخر باعتباره مسلما بينما الثانى أعلن كفره كما قال تعالى" إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان"
فالكفر هو عمل فالإسلام هو القلبى فى تلك الحال وهو فى القلب وأما الظاهر وهو العمل من فعل أو قول فمباح
عقاب المكره هو دفع الدية لأهل المسلم القتيل لأنه مضطر وما فعله يكون أفضل لأن فى تلك الحال سيكون القتيل اثنين بدلا من واحد وقد ناقض كلامه فأباح الموالاة بالفعل إذا كان المسلم المكره فى قبضة الكفار فقال فى فقرة قادمة:
" أن ما رخص لنا فيه من شرطه، أن يكون المسلم تحت قهرهم وسلطانهم، وأن يتحقق شرط الإكراه في حقه وعدم القدرة على مفارقتهم"
وأكمل كلامه فقال:
"-وقال سبحانه: {فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن ياتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين}
قلت: بينت الآية أن المنافقين يتولون الكفار، ويناصرونهم، ويسارعون فيهم شحا بدنياهم، وإذا أنكر عليهم قالوا نخشى من بطش الكفار، فكذب الله زعمهم، وبين كفرهم ونفاقهم، وأن مخالفة الكفار واتقائهم لا تجوز مظاهرتهم، وغاية ما رخص لنا ترك إظهار العداوة وإظهار المودة باللسان، دون الفعل والإعانة، ثم شرط هذه الرخصة أن يكون المسلم في سلطانهم وبين أيديهم، وهذه الآية تبطل استدلال المنافقين بالآية السابقة فتأمل
قال محمد بن عبد الوهاب: " فلم يعذر الله من هؤلاء إلا من أكره مع كون قلبه مطمئنا بالإيمان، وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه سواء فعله خوفا، أو مداراة، أو مشحة بوطنه، أو أهله وماله، أو فعله على وجه المزاح، أو لغير ذلك من الأغراض إلا المكره" كشف الشبهات
وقال سليمان بن عبد الله في كتابه القيم الدلائل في حكم مولاة أهل الشرك: "ولم يفرق تعالى بين الخائف وغيره؛ بل أخبر تعالى أن الذين في قلوبهم مرض يفعلون ذلك خوفا من الدوائر، وكذلك حال هؤلاء المرتدين، "
- وقال سبحانه: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم * ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم}، حيث أن الله نص على أن من أسباب الحكم على هؤلاء بالردة، تأييدهم ومظاهرتهم للكفار
- وقال سبحانه: {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل }، حيث جعل من أسباب كفرهم ونفاقهم مظاهرتهم لمن حارب الله ورسوله"
ثم حاول أن يجمع بين آيتين ظن البعض فيهما التناقض فقال:
تنبيه: الجمع بين آية {إلا أن تتقوا منهم تقاة}، وآية {نخشى أن تصيبنا دائرة}:
1 - أن ما أباحه الله ورخص فيه؛ إنما هو إظهار التودد والمجاملة والمسالمة، وترك إظهار المعاداة مع وجود إضمار العداوة، أما التولي والمناصرة ومظاهرتهم على المسلمين فإن هذا لم يرخص الله فيه مطلقا، فلا يجوز بأي حال، بل ويكفر فاعله حتى مع الاتقاء وادعاء الإكراه، وهذا الذي رخص لنا فيه من جنس الترخيص في البر والصلة مع القريب الكافر المسالم
2 - أن ما رخص لنا فيه من شرطه، أن يكون المسلم تحت قهرهم وسلطانهم، وأن يتحقق شرط الإكراه في حقه وعدم القدرة على مفارقتهم، أما مجرد الخشية والخوف على الدنيا والشح بالوطن والمال، فيقوم المسلم بموالاتهم مع كونه خارجا عن سلطانهم، وليس تحت قبضتهم وقهرهم، ثم يدعي بعد ذلك الإكراه والخوف الوهمي من معاداة الكفار إقامة الجهاد عليهم، فإن مثل هذا لا عذر فيه، ولا يعتبره أهل العلم مانعا من تكفير فاعله"
ثم حدثنا عن أدلة الروايات فقال :
" أما الأدلة من السنة:
فيدل على ما قلنا ما جاء فيها وما استقر عند الصحابة من حكم الله ورسوله (ص) في المظاهر أنه كافر يجب قتله ومن ذلك إجراء الحكم على أسرى بدر، وكان من بينهم من يكتم إيمانه، كما روي عن العباس بن عبد المطلب حين قال للنبي (ص) لما أسره المسلمون يوم بدر: يا رسول الله إني كنت مكرها، فقال: «أما ظاهرك فكان علينا، وأما سريرتك فإلى الله» فانظر كيف لم يعذر المظاهر حتى ولو كان مكرها، وكذلك حكم عمر على حاطب بالكفر أمام النبي (ص)، ولم ينكر النبي (ص) على عمر كون ذلك كفرا كذلك فعل أبي لبابة وكذلك قتل سلمة ابن الأكوع للجاسوس المشرك، وكذلك الفاسق الخزرجي الذي كان يقاتل مع قريش، وكذلك حال هرقل وغير ذلك كثير"
الرجل هنا يستدل برواية لا توافق كلامه فى موضوع قتل المسلم المكره للمسلم الأخر فالعباس وإن حارب سواء قتل أو جرح أحد كان الفروض قتله وليس أسره ولكن الرواية تبين تركه حى مع قتاله وإعلان موالاته للكفار بالخروج معهم لقتال المسلمين ثم قال :
* كما أن العقل يدل على أن المظاهرة كفر وأن المظاهر ومعين الكفار من أشد الناس كفرا، وتأمل لو قال رجل أنا أحبك يا رسول الله، ثم تجده يقاتل في صفوف أعدائه، فإن اليهود والمشركين يعلمون عدم إسلامه واتباعه لدينه؛ بل ولا يشكون في كفره"
واستكمل أدلته فقال :
|