بسم الله الرحمن الرحيم
قبل البدء بتقديم الدكتور صلاح فضل لهذا الشاعر أشير إلى أنه يمثل واحدًا من الأصوات المعتدلة الحديثة ، فهو يجمع بين شعر التفعيلة والشعر العمودي ويشترك النوعان لديه في ظاهرة إيجابية وهي تطويع الصنف الشعري لضرورات العصر ، فاستفادته من شعر التفعيلة تكمن في قدرته على توظيف القوافي وعدد التفعيلات بما يتسق مع قدرة القارئ على المتابعة ، فلا تجد -غالبًا- الإرهاق من جراء التواصل والتدفق غير المحدود والذي يفصل ما سبق بما تلا كذلك لا ترى شعره العمودي اجترارًا لما كتبه شعراء آخرون ولا هو سير في دوامة(أغراض الشعر ) وإنما هو شاعر واعٍ بما يكتب ويحسن تطويع ما يكتبه في واقعه الحياتي سواء كان هذا المحتوى عاطفيًا أم سياسيًا أم إنسانيًا .. وهذه الخلفية أحب سردها قبل الاستمتاع بتحليل الدكتور صلاح فضل له .(المشرقي الإسلامي)
شعر الشباب: نزار شهاب الدين
د. صلاح فضل - مصر
شاعر مهندس, يعمل في مجال قواعد البيانات والبرمجيات, ويشكل مع أبناء جيله ظاهرة التجمعات الأدبية المعتمدة علي النشر الإليكتروني, وهي التي تحل الآن محل المنتديات القديمة والمقاهي ومجتمعات النميمة الشخصية والتحزب الايديولوجي, فتخلق قوانين جديدة للشهرة عبر الشاشات المضيئة, وتصنع نماذجها المختلفة عما نعهده في الحياة الثقافية, وإن كانت النصوص الإبداعية تظل هي الحاكمة في قيمة التجارب الفنية الحقيقية.
شاعرنا نزار شهاب الدين يخترق الومضات الرقمية علينا بديوانه المطبوع بعنوان لماذا أسافر عنك بعيدا مدججا بمقدمة سخية للشاعر الكبير إبراهيم أبوسنة وبقرص مدمج عليه نصوص الديوان بأصوات مختلفة, ونلمح فيه للوهلة الأولي وهج هذا الحس الديني المتوفز الذي انبعث في صفوف العلميين في العقود الأخيرة, فمضي بهم الي عوالم مثالية تربطهم في الظاهر بالأجيال الرومانسية السابقة, بينما يميزهم نوع من الوجد الصوفي الذي لم ينضج ولم يكتمل, بل يكاد يحرم تجربتهم في عمقها من الاستغراق في مطارحة الحياة باجتراحاتها الأثيمة وصفائها المشوب, ولنقرأ في أول مقطوعة له بعنوان سجدة قوله: ـ
يرتدي الحب معطفي/أتدفأ
يعزف الغيم نبضه في وريدي
يبسط العشب وجهه للسجود
بينما كنت بالشذي أتوضأ
قبلة العشب/دفئها في جبيني
(ربي الأعلي)/في دمي تتلألأ
**
أنا من خالط اشتهائي/نقائي
أدفن الطين/في دمن الطين/أبرأ
أعرف الآن كيف أحيا سجودا
رافع الرأس/بينما الكل/طأطأ
فهو يختزل معاناته الوجودية قافزا علي مشاهد الطين والشهوة وهي مادة الشعر الحقيقية ليصل لحكمته المبكرة قبل أن يطلق عنان خياله في تمثيل درامية الحياة وشعرية لحظاتها الصراعية الفائقة.
أنسي أنني عربي:
يمتلك نزار الي جانب هذا الحس الديني اليقظ شعور أبناء هذا الجيل الشاب ومن سبقهم أيضا بمأزق العروبة, فيحيله الي لحظة عارمة من المراجعة الغضبي. لكن المفارقة فيها تكمن في الجمع بين طرفين متضادين, قلق الانتماء القومي للهوية من ناحية, وعمق الارتباط اللغوي المكين بآلياته من ناحية أخري, فهو يقول في قصيدة العربي: ـ
في الليل أمحو نجومي/دونما سبب
وأطفئ القمر المختال/في غضب
وآمر الكروان: اصمت!/فيذعن لي
وآمر الصمت أن يطغي علي الصخب
وأطلق الوحشة السوداء هائجة
وأشعل النار في شعري/وفي كتبي.