عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 15-06-2008, 07:23 PM   #2
RWIDA
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 226
إفتراضي

ومن الآيات الكونية التي استشهدت بها سورة النور علي صدق ما جاء بها من أحكام وتشريعات ما يلي‏:‏
‏(1)‏ أن الله تعالي هو نور السماوات والأرض‏,‏ وأنه تعالي هو الذي يهدي لنوره من يشاء‏,‏ وأن من لم يجعل الله له نورا فما له من نور‏.‏ وضربت الآيات مثلا للنور الإلهي‏(‏ ولله المثل الأعلي‏).‏
‏(2)‏ تشبيه أعمال الكافرين التي اقترفوها في الدنيا‏(‏ وهم واهمون أنها أعمال نافعة‏)‏ بالسراب الخادع‏.‏
‏(3)‏ تشبيه أعمال الكافرين السيئة في الحياة الدنيا بالظلمات المتراكبة فوق قيعان المحيطات والبحار العميقة‏,‏ والتي يشارك في إحداثها كل من السحاب‏,‏ والأمواج السطحية‏,‏ والأمواج الداخلية التي لم تكتشف إلا في مطلع القرن العشرين‏.‏
‏(4)‏ التأكيد علي أن من لم يجعل الله له نورا فما له من نور‏,‏ وذلك علي مستوي كل من الحقيقة الواقعة المحسوسة‏,‏ والمعني الضمني المقصود‏.‏
‏(5)‏ التأكيد علي أن كل ما في السموات والأرض يسبح بحمد الله‏(‏ تعالي‏),‏ ويقدسه‏,‏ ويمجده في عبادة إرادية أو عبادة تسخيرية لا يدركها كثير من الخلق الغافلين‏.‏
‏(6)‏ الإشارة إلي تكون السحب الركامية علي هيئة السلاسل الجبلية وذلك بإزجاء السحاب‏,‏ ثم التأليف بينه‏,‏ ثم ركمه‏,‏ وإنزال كل من المطر والبرد منه‏,‏ وتكون ظاهرتي البرق والرعد فيه‏.‏
‏(7)‏ التأكيد علي قدرة الله البالغة في تقليب الليل والنهار‏.‏
‏(8)‏ خلق كل دابة من ماء‏.‏
‏(9)‏ الإشارة الضمنية الرقيقة إلي إمكانية تصنيف الدواب علي أساس من طريقة مشيتها‏.‏
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة مستقلة‏,‏ قد لا يتسع المجال لها ولذلك فإنني سوف أقصر حديثي هنا علي الآية الأربعين من سورة النور والتي تتحدث عن الظلمات المتراكبة فوق قيعان البحار العميقة‏,‏ وأسباب تكونها‏,‏ وقبل الخوض في ذلك لابد من استعراض سريع لأقوال عدد من المفسرين في شرح هذه الآية الكريمة‏.‏


من أقوال المفسرين:

في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏ والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتي إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب‏*‏ أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ‏(‏النور‏:40,39).‏
ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ ما نصه‏:‏ هذان مثلان ضربهما الله تعالي لنوعي الكفار‏,‏ فأما الأول من هذين المثلين فهو للكفار الدعاة إلي كفرهم الذين يحسبون أنهم علي شئ من الأعمال والاعتقادات‏,‏ وليسوا في نفس الأمر علي شئ فمثلهم في ذلك كالسراب الذي يري في القيعان من الأرض من بعد كأنه بحر طام‏;‏ والقيعة جمع قاع كجار وجيرة‏,‏ وهي الأرض المستوية المتسعة المنبسطة وفيه يكون السراب‏,‏ يري كأنه ماء بين السماء والأرض‏,‏ فإذا رأي السراب من هو محتاج إلي الماء يحسبه ماء قصده ليشرب منه‏,‏ فلما انتهي إليه‏(‏ لم يجده شيئا‏),‏ فكذلك الكافر‏,‏ يحسب أنه قد عمل عملا وأنه قد حصل شيئا‏,‏ فإذا وافي الله يوم القيامة وحاسبه عليها ونوقش علي أفعاله لم يجد له شيئا بالكلية‏,‏ كما قال‏‏ وقدمنا إلي ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا‏),‏ وقال ههنا‏‏ ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب‏,‏ وفي الصحيحين‏:‏ أنه يقال يوم القيامة لليهود ما كنتم تعبدون؟ فيقولون‏:‏ كنا نعبد عزير ابن الله‏,‏ فيقال‏:‏ كذبتم ما اتخذ الله من ولد ماذا تبغون؟ فيقولون‏:‏ يارب عطشنا فاسقنا‏,‏ فيقال‏:‏ ألا ترون؟ فتمثل لهم النار كأنها سراب يحطم بعضه بعضا فينطلقون فيتهافتون فيها‏.‏ وهذا المثال مثال لذوي الجهل المركب‏.‏ فأما أصحاب الجهل البسيط‏,‏ وهم الأغشام المقلدون لأئمة الكفر الصم البكم الذين لا يعقلون فمثلهم كما قال تعالي‏‏ أو كظلمات في بحر لجي‏)‏ قال قتادة‏‏ اللجي‏)‏ هو العميق‏,(‏ يغشاه موج من فوقه موج‏,‏ من فوقه سحاب‏,‏ ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها‏)‏ أي لم يقارب رؤيتها من شدة الظلام‏,‏ فهذا مثل قلب الكافر الجاهل البسيط المقلد الذي لا يعرف حال من يقوده‏,‏ ولا يدري أين يذهب‏,‏ بل كما يقال في المثل للجاهل‏:‏ أين تذهب؟ قال‏:‏ معهم‏,‏ قيل فإلي أين يذهبون؟ قال‏:‏ لا أدري‏,‏ وقال ابن عباس رضي الله عنهما‏(‏ يغشاه موج‏)‏ يعني بذلك الغشاوة التي علي القلب والسمع والبصر‏,‏ وهي كقوله‏‏ ختم الله علي قلوبهم وعلي سمعهم‏,‏ وعلي أبصارهم غشاوة‏)‏ الآية وكقوله‏(‏ وختم علي سمعه وقلبه وجعل علي بصره غشاوة‏).‏ فالكافر يتقلب في خمس من الظلم‏:‏ فكلامه ظلمة‏,‏ وعمله ظلمة‏,‏ ومدخله ظلمة‏,‏ ومخرجه ظلمة‏,‏ ومصيره يوم القيامة إلي الظلمات إلي النار‏,‏ وقوله تعالي‏‏ ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور‏)‏ أي من لم يهده الله فهو هالك جاهل بائر كافر‏,‏ كقوله‏‏ ومن يضلل الله فلا هادي له‏)‏ وهذا في مقابلة ما قال في مثل المؤمنين‏(‏ يهدي الله لنوره من يشاء‏)‏ فنسأل الله العظيم أن يجعل في قلوبنا نورا‏,‏ وعن أيماننا نورا‏,‏ وعن شمائلنا نورا‏,‏ وأن يعظم لنا نورا‏.‏

وذكر صاحبا تفسير الجلالين‏(‏ رحمهما الله‏)‏ ما نصه‏:...(‏ والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة‏)‏ جمع‏(‏ قاع‏)‏ أي فلاة‏,‏ قاله الهروي‏,‏ والصحيح أن‏(‏ القيعة‏)‏ مفرد مثل‏(‏ القاع‏)‏ وجمعهما‏(‏ قيعان‏)‏ وهو‏(‏ أي‏:‏ السراب‏)‏ شعاع يري فيها نصف النهار في شدة الحر يشبه الماء الجاري‏(‏ يحسبه‏)‏ يظنه‏(‏ الظمآن‏)‏ أي‏:‏ العطشان‏(‏ ماء حتي إذا جاءه لم يجده شيئا‏)‏ مما حسبه‏,‏ كذلك الكافر يحسب أن عمله كصدقة ينفعه حتي إذا مات وقدم علي ربه لم يجد عمله‏,‏ أي‏:‏ لم ينفعه‏(‏ ووجد الله عنده‏)‏ أي‏:‏ عند عمله‏(‏ أي‏:‏ لم يجد ما توقعه وما كان يعبده من دون الله في الدنيا بل وجد أن الله وحده هو الحق‏,‏ ولم يجد محاسبا له علي عمله غيره فحاسبه‏)(‏ فوفاه حسابه‏)‏ أي‏:‏ جازاه عليه في الدنيا‏...(‏ والله سريع الحساب‏)‏ أي‏:‏ المجازاة‏(‏ أو‏)‏ الذين كفروا أعمالهم السيئة‏(‏ كظلمات في بحر لجي‏)‏ عميق‏(‏ يغشاه موج من فوقه‏)‏ أي‏:‏ الموج‏(‏ موج من فوقه‏)‏ أي‏:‏ الموج الثاني‏(‏ سحاب‏)‏ غيم‏,‏ هذه‏(‏ ظلمات بعضها فوق بعض‏)‏ ظلمة البحر‏,‏ وظلمة الموج الأول‏,‏ وظلمة‏(‏ الموج‏)‏ الثاني‏,‏ وظلمة السحاب‏(‏ إذا أخرج‏)‏ الناظر‏(‏ يده‏)‏ في هذه الظلمات‏(‏ لم يكد يراها‏)‏ أي‏:‏ لم يقرب من رؤيتها‏(‏ ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور‏)‏ أي‏:‏ من لم يهده الله لم يهتد‏.‏
RWIDA غير متصل   الرد مع إقتباس