عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 21-08-2010, 12:39 PM   #4
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي








عند الحديث عن قصائد الشاعر أحمد مانع الركابي فأن المرء لابد له أن يستدعي بالضرورة حالة من التكثيف في المشهد سواء من الجانب الصوري أو الصوتي أو سائر التداعيات الذهنية المختلفة في الذات ؛ وذلك لأن الشاعر العزيز يمتلك طاقة شعرية رهيبة تجعله قادرًا على إحداث حالة من البلبلة في جو القصيدة بالشكل الذي يوقن فيه القارئ أنه أمام حالة طوارئ ليس له من سبيل للتعامل معها إلا أن يلزم بيت الشعر ويختبئ داخل كل حرف منه حتى يرى وجوهًا من الروعة تطل عليه فيما هو مكتوب على امتداد القصيدة . وهذه الطاقة التي نتحدث عنها هي تعبر عن هذا المركب الإبداعي ، الذي يقوم على هذه الأسس الثلاثة والتي تتناول قدر الإمكان بالتفصيل بإذن الله.ولعل في الصور الماثلة بين أيدينا ومدى تركيبها وتركيب الخيال فيها دليلاً على هذا التمكن من الأدوات الشعرية والوعي التام بأساليب التناول للقصيدة ومراعاة تدرجات مستويات التلقي.
في صمت ِفجرٍ أناخَ الرحل وإغترفا






ماءً وبعدَ ظلامٍ في الضحى وقفا
تبدأ القصيدة ها هنا باستدعاء صورة الإنسان العربي القديم والذي يعبر طريقًا في الصحراء لتأتي دلالة المشهد الرمزية منسجمة مع واقع العراق الذي صار وكأنه يعاود حركة بدء صناعة الطريق من نقطة الصفر لما صار فيه من دمار وخراب بفعل الآلة الأميريكية السوداء ، الصمت للفجر والضحى مظلم وهذا يساعد على صناعة الجو المتوتر للقصيدة منذ البدء إذ يكون الضحى والذي يفترض أنه أقصى درجة الإضاءة مظلمًا وهذا ينسجم مع واقع العراق الذي لا يكاد يرى نور الشمس في لجة ظلام الاحتلال وأذنابه . لكن هناك عملية اغتراف الماء ولعلها تعيدنا إلى قصة طالوت وجالوت (إلا من اغترف غرفة بيده) فهذه الماء ماء الحرية ماء المقاومة والعزة هي التي اغترف منها الراحل الذي هو ها هنا رمز للإنسان العراقي ، وهذا الماء هو ماء سحري إذ أنه بعد شربه حدث له فعل الوقوف بعد الإناخة ، ومن هنا يمكن القول بأن الشاعر قد وضع هذه الصورة الأساسية ليبني عليها المشهد الشعري كافةً .


طيناً يثورُ على أسمائهِ مسحت


كفّ السماءِ ليعلو كلّما ارتجفا

التمييز (طينًا ) متصل بالعبارة السابقة بعد ظلام في الضحى وقفا ، ليكون هو هذا المخلوق الطيني المسمى بالإنسان ، وهنا كلمة طين أراها تأتي بمعنى (الطمي) الذي يتشرب ماء التربة وهذه العودة إلى الطبيعة الأولى له (الطين) تأيت لتدل على فعل سيحدث بعد ذلك وهو أن هذا الطين سيكون لبنة بناء الإنسان ، فهو طين بعد (العدم) المتمثل في فعل الإناخة . وهذا الطين ليس طينًا عاديًا بل هو إلى الوصف (السمائي) منه أقرب إلى الأرضي ، إذ يثور على أسمائه والضمير ها هنا كما أظن عائد على الظلام ويأتي التعبير مسح كف السماء ليعبر عن حالة التمرد على كل قوانين الطبيعة والتي هي طبيعة الإنسان العربي في مثل هذه المواقف إذ يحدث بلبلة في الواقع المحيط ويمسح كف السماء ، وهذا التعبير كان له وجه من العبقرية متمثل في التصغير للسماء وإحالة الدلالة إلى غير مدلولها ؛لأن هذه السماء سماء (اصطناعية) تدور في فلكها أنجم وأقمار من صنع الظلام الأميريكي .ولكن لا يكاد يصل القارئ إلى هذه الصورة المتوترة حتى تداهمه صورة أكثر توترًا هي (يعلو كلما ارتجفا) . إن حالة المفارقة الماثلة بين يدينا تكمن في هذه المخالفة لقانون الطبيعة إذ يعلو هذا الطين ماسحًا كف هذه السماء الوهمية التي تحيط به وتخنقه وتوزع عليه الهواء الملوث . يعلو كلما ارتجفا هو محور القصيدة وللتعبير فعل الإدهاش إذ يتمكن هذا الطين من امتصاص صدمة الارتجاف ليرتفع إلى أعلى . هذا البيت كان يمثل لي نقلة على صعيد الحالة قبل قراءة القصيدة لأنه كان يحيلني إلى مرئيات مختلفة تتعلق بما يشابه الرسوم الكاريكاتورية أو الكرتونية التي يقف فيها نقار الخشب ولما يرتجف يرتفع بفعل هذا الارتجاف . لكن في هذه القصيدة كان للفعل الارتجاف والعلو بدخوله مع الثورة (طينًا يثور على أسمائه) والمسح (مسحت كف السماء) تأثيره الفاعل في نقل الحالة إلى حالة تشبه الزلزلة أو نذير قيامة .
آمالهُ عسلٌ من روحها شربت
عينُ الترابِ فنطّت للسما شرفا
هنا يتوازى كل من الإنسان والتربة ، فبينما هو شرب من ماء الحرية تتشرب الأرض عسل الآمال فتقفز هي الأخرى للسما وتكون صورة السماء (الجديدة) وقد حلق فيها كل من الأرض والإنسان هي البغية المنشودة لشاعرنا الكبير في هذه القصيدة

(إهليجهُ) عند رأس الفلك مظطربٌ

حينا يميتُ ويبقي ميتهُ هدفا
لا أعرف هل الإهليجة مدار للنجم أو شيء من ذلك ؟عمومًا تبقى حالة التوتر قائمة على امتداد القصيدة ليكون هذا النجم في السماء الجديدة في حالة اضطراب وهو ليس اضطرابًا بقدر ما هو ثورة أو وفوران لا آخر له ، ليكون له فعل يتجاوز فعل القتل إلى حالة أخرى وهي التشريح للميت المقتول بشعاعه الفتاك .إن هذا الاحتلال سيظل هدفًا للمقاوم العراقي بإذن الله ما دام حيًا (المقاوم) الذي يتجاوز بكفاحه مجرد القتل إلى الإفناء ، وهذا التحول هو مصداقية (يعلو كلما ارتجفا) إذ تُسخّر جميع القوى والطاقات من أجل تحقيق هذا الهدف وهو قلب الموازين الكونية (الآنية) لتحقيقي نظام جديد ينعم فيه السائر بالأمن والرخاء.
شمسا تثيرُ لقرن الليلِ ناطحة ً

او خيمتة ً يتوارى تحتها الضعفا

لا أعرف كلمة ( شمسًا)ها هنا هل هي بدل من كلمة (هدفا) ؟ في هذه الحالة تكون الدلالة غريبة وغير مفهومة لأنه الميت الذي صار هدفًا هو الشمس التي تنطح قرن الليل أو يكون الهدف خيمة يتوارى الضعفاء تحتها .. أرى أن في هذا البيت نوعًا من عدم القدرة على نقل الشعور من خلال الصورة بشكل جيد

__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس