عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 01-08-2010, 06:50 PM   #22
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

ما كان اخلفك بان تقدر بذراعك , وتربع علي ضلعك , ولاتكن براقش الدالة على اهلها , وعنز السوء المستثيرة
لحتفها , فما اراك الا سقط العشاء بك على سرحان , وبك لا بظبي أعفر , أعذرت ان اغنيت شيا , واسمعت لو
ناديت حيا.

ما كان اخلفك بان تقدر بذراعك , وتربع علي ضلعك

مقصود منه لقد كنت حريًا بأن تعرف قدرك ولا تطمح في أكثر مما هو متاح لك أو تعرف قدر نفسك وتعيش على قدر إمكاناتك

ولا تكن براقش الدالة على أهلها

من أمثال العرب: اشأم من براقش

وقصة المثل على اغلبالروايات او اكثرها

ان براقش هي كلبة عند قوم فقراء وحالتهم حاله
وكانت براقش غارت في يوم من الايام على قوم بجوار قومها واكلت من طعامهم وزادهم ودجاجهم ... الخ
وعندما لحقوا بها وطلبوها ذهبت الى مرابع قومها
اشتكى اصحاب الضرر (والطعام المأكول) الى من له الامر فحكم على قوم براقش بدفع تعويض عما اقترفته براقش
لكنهم كانوا فقراء فعزموا وقرروا ان ينفذوا بجلودهم ويهربوا وعلم القوم الذين يطالبونهم بما قرروا عليه فلحقوا بهم

وعندها اختبأ قوم براقش عن الأنظار حتى لايرونهم من يطاردونهم

وفجأة طار طير من عشه بجانبهم فهجمهتعليه براقش وهي تبنح فسمعوا نباحها وهجموا عليهم فقتلوا الكلبة واسروا اصحابها

عنز السوء المستثيرة أهلها



هي عنز قوم أرادوا أن يذبحوها فلم يجدوا السكين فأخذت تفحص برجليها في الأرض حتى عثروا على السكين مدفونة بعد أن أزاحت العنز عنها التراب فأخذوا السكين وذبحوها فوراً..!

قال الشاعر في رجل هجاه:

وكُنت كعنز السوء قامت لحتَفءها =إلى مُدءيَة تحت الثرى تستثيرها..!

والقارئ يلاحظ في هذه الرسالة كمية الإقذاع والنعوت (أوصاف) التي أصاب بها ابن زيدون غريمه وكان نعته بسمات من سمات الحيوانات كالكلاب والماعز والثيران...إلخ دليل على هذه التشكيلة المتنوعة من جوانب البيئة المختلفة التي أثرت العمل وجعلت للرسالة أثرها الذي لا ينساه قارئها .

سقط العشاء بك على سرحان

قال أبو عبيد: أصله أن رجلاً خرج يلتمس العشاء فوقع على ذئب فأكله والذئب من أسمائها السرحان . وقال الأصمعي: أصله أن دابة خرجت تطلب العشاء فلقيها ذئب فأكلها. وقال ابن الأعرابي: أصل هذا أن رجلاً من غني يقال له سرحان بن هزلة كان بطلاً فاتكاً يتقيه الناس فقال رجل يوماً: والله لأرعين إبلي هذا الوادي، ولا أخاف سرحان بن هزلة. فورد بإبله ذلك الوادي فوجد به سرحان وهجم عليه فقتله وأخذ إبله وقال:
أبلغ نصيحة أن راعي أهلها ... سقط العشاء به على سرحان
سقط العشاء به على متقمر ... طلق اليدين معاود لطعان
يضرب في طلب الحاجة يؤدي صاحبها إلى التلف



إن العصا قرعت لذي الحلم

ذو الحلم هو ذو العقل الرشيد غالبًا
إن العصا قرعت لذي الحلم": إن ذا الحلم هذا هو عامر بن الظَّرِبِ العَدْوَاني، وكانمن حكماء العرب، لا تَعْدِل بفهمه فهماً ولا بحكمه حكماً، فلما طَعَنَ في السن أنكرمن عقله شيئاً، فقال لبنيه: إنه قد كبرَتْ سِنِّي وعرض لي سَهْو، فإذا رأيتمونيخرجْتُ من كلامي وأخذت في غيره فاقرعوا لي المِجَنَّ بالعصا، وقيل: كانت له جارية،يقال لها خصيلة، فقال لها: إذا أنا خُولِطْتُ فاقرعي لي العصا،

وهنا تبلغ السخرية شأوًا بعيدً إذ أن ابن زيدون يقول لغريمه ساخرًا : إنك ستكون صاحب (حلم) أي عقل راجح في حالة واحدة فقط


وهي أن يكون العصا أداة تأديبك!! وفي هذا إلماح إلى نحسه ويكون التلاعب باللغة ويكون من عبقريات أسلوب ابن زيدون أنه استخدم مضمون الفكرة البلاغية عند العرب وهي توكيد الذم بما يشبه المدح ..

والشيئ تحقره وقد ينمي

معناه واضح فقد تستهزئ بشيء تحسبه يسيرًا وتهمله فينقلب عليك . وفي هذا الشطر سخرية غير عادية إذ ينعت غريمه بأن مجرد شيء ورغم أن كلمة الشيء معرّفة إلا أنها أقرب إلى النكرة لأن هذا الشيء غير محدد كذلك إسقاطات هذا البيت أقرب إلى ما تكون النباتات الطفيلية والجراثيم وما في مستواها وهذا من وجوه روعة الرسالة.ويلاحظ أن الجملتين (إن العصا قرعت لذي الحلم) جملة منفصلة عن (والشيء تحقره وقد ينمي) وليستا شطرتي بيت شعر .

وان بادرت بالندامة , ورجعت على نفسك بالملامة , كنت قد اشتريت العافية لك بالعافية منك

قمة الإجادة في السخرية إذ يكون الفرد يقي الآخرين نفسه فبذلك يكون قد رحمها ، فهو يقول له بشكل غير مباشر اشتر نفسك بالبعد عني جملة العافية لك بالعافية منك فيها تلاعب عبقري بالألفاظ ليكون العافية لك يابن عبدوس بالعافية منك أي ببعدك عنا وهنا يكون لكلمة العافية معنيين ظاهر وآخر باطن الأول العافية والثاني بمعنى البعد أو الإعفاء .

جعجعة بلا طحين

يقال هذا المثل عن شيء يشابه الهالة الإعلامية حول شيء تافه أو الكلام الكثير والفعل القليل (ضجة على الفاضي) كما نقول بالعامية

رب صلف تحت الراعدة







الصلف:قلة النزل والخير


الراعده:السحابه ذات الرعد


بنفس المعنى يضرب المثل لمن هو كثير الكلام قليل الفعال ،كما أن الرعد قد لا يجيء بمطر فكذلك الشخص الذي تثار حوله ضجة فارغة .


وأشدت :
لا يؤنسنك من مخدرة قول تغلظه وان جرحا
فعدت لما نهيت عنه , وراجعت ما استعفيت منه , بعث من يزعجك الى الخضراء دفعا ويستحثك نحوها وكزًا وصفعا .


لا يغرنَّك من مخدرة
قول تغلظه وإن جرحا


هو بيت لبشار بن برد يقول فيه لا يغرنك أيها الرجل أن المرأة المخدرة أي التي تجلس في خدرها وهو مكان خاص بالسيدات قد تغلِظ لك في القول فإن لها مفاتيح لتراودها بها عن نفسها . والبيت له تكملة لا تحتاج إلى شرح :

عسر النساء إلى مياسرة
والصعب يمكن بعد ما جمحا



يقصد ابن زيدون على لسان ولادة : يا بن عبدوس لو أنك ظننتني ممن ينطبق عليها هذا الكلام ولم تعد إلى صوابك فإن هناك من يبعث بك من يزعجك إلى الخضراء دفعا . والضمير في (يبعث) يعود غالبًا على ابن زيدون . وتقصد بالخضراء الحديقة (ربما) أي لو أنك يا بن عبدوس لو لم تكف عن مضايقتك إياي ولو دار بخلدك أنني ينطبق عليّ هذا البيت لأرسلت إليك من يزعجك إلى الحديقة دفعا أي من يدفعك إلى الحديقة وربما تقصد به شيئًا آخر ويستحثك نحوها وكزًا وصفعا .الوكز هو الضرب بالكوع تقريبًا أوشيء يشبه (النغز) خلاصة المعنى أن ابن عبدوس لو لم يترك ما هو فيه من التجاوز لحدوده فإن ولادة سترسل إليه من يهينه ويهدر كرامته.



فإذا صرت إليها عبث أكاروها بك , وتسلط نواطيرها عليك , فمن قرعة معوجة تقوم في قفاك ,
ومن فجلة منتنة يرمى بها تحت خصاك , ذلك بما قدمت يداك , لتذوق وبال أمرك وترى ميزان قدرك


فمن جهلت نفسه قدره


رأى غيره منه ما لا يرى





أكاروها أي الفلاحون ، والمفرد أكار فأنت يابن عبدوس إذا أنت لم تترك ما أنت فيه فإنك" ستسوى بك الأرض" ويعببث بك الفلاحون ويتسلط عليك النواطير وهم الحراس . والبيت الأخير موجه إلى الجارية التي أرسلها ابن عبدوس إلى ولادة ، كما يُحتمل أن يكون البيت موجهًا بشكل غير مباشر تجاه ولادة تخليصًا لثأر كان بينهما بسبب اختلاف عارض .ومعناه أن من لم يعرف قدر نفسه فإنه يجر وبالاً على من معه هذا البيت ربما يقصد به أحد تفسيرين :


*الكلام على لسان ولادة تقصد به ابن عبدوس وجاريته


*الكلام لابن زيدون ويقصد ولادة وابن عبدوس. وفي هذه الحالة فإنه يستخدم أسلوبًا نادرًا ما يُستخدم في النثر خاصة في كلام العرب القدامى وهو انتقال الحديث وفصل ضمير المتكلم ، وهي تقنية أقرب إلى تقنيات المسرح المسماة بتداخل الأصوات .




في نهاية الرسالة أرى أن ابن زيدون قد ظل يتكلف أساليب السخرية وظل يبحث عن كلمة يمينًا وشمالاً ليكمل بها كلمات شاردة منه فطاش صوابه في النهاية أو انقطعت لياقته قرب النهاية ، فمجمل ما كان يريد أن ينهي به الرسالة أني سأفعل بك ما يهينك وأسوي بك الأرض ، وإن كتت أرى في رأيي المتواضع أن ابن زيدون حول التوعد إلى صورة كرتونية أقرب إلى ما نشاهده في توم &جيري لسيطرة الانفعال على التعبير .


العمل أعظم من أن أصفه ولي بإذن الله تعليقات عليه وتحليل لكثير من وجوه جماله وبعض زلاته والأساليب المستخدمة فيه ،والحمد لله أن مكّنني من إتمام شرح الرسالة وسأعاود بإذن الله الرجوع إليها لتصليح ما قد يكون قد فات ، وأرجو أن تسعدوا بهذه المادة الأدبية الدسمة التي هي ولابد من التوجه بالشكر إلى بعض المنتديات التي وجدت فيها ما ييسر لي فهم هذه المواد وسأذكرها لاحقًا بإذن الله .والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس