عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 25-02-2014, 03:26 PM   #9
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الاقتصاد أم السياسة؟



لورقة النقد وجهان، لا يستطيع المرء أن يقوم بالبيع والشراء بوجه واحدٍ منهما، كذلك، هو الشأن العام، له وجهان أيضاً، السياسة والاقتصاد. لا تستسيغ الجماهير سياسة مليئة بالكلام والوعود، واقتصاد البلد مهزوز.

وتقوم السياسة بمفكريها وروّادها وعلمائها بوصف الحالة الاقتصادية، ووضع النظريات التي تعالج مكامن الخطر فيها، وتتطور السياسة مع تطور الاقتصاد جنباً الى جنب، وتعمل كعمل إشارات المرور، تنبه أن هناك منعطف أو منحدر أو هناك احتمال لتساقط الصخور، وتكون الإشارات قريبة من مواقع التنبيه، لا تسبقها بمسافات طويلة، ولا تضعها بعد المكان المراد التنبيه إليه.

فعل المفكرون في الغرب( ولا زالوا) فعلهم بمحاذاة النهضة الصناعية، عندما انتقل العمل من ورشة بيتية الى مصنع كبير، فنوقشت ساعات العمل وحقوق العامل، والسقف الأدنى والسقف الأعلى للأجور، ووضعت النظريات الفلسفية، فتبنى منهم العقيدة الاشتراكية، وتبنى آخرون العقيدة الرأسمالية، وكثرت المذاهب الاقتصادية. وواكب التطور الذهني التطور الحضاري والاقتصادي، فظهرت أجيال من النظريات، كما تظهر أجيال من السيارات، فقطعة غيار سيارة المرسيدس لموديل 1990 غيرها لسنة 2005، ففهم الحالة يحتاج وصفة كما يحتاج الميكانيكي قطعة غيار لتصليح سيارة بعد أن يعرف نوعها وموديلها.

في بلادنا، كان الارتباك واضحاً منذ البداية، فمنهم من أراد تقليد الاشتراكيين ولم يفلح ومنهم من أراد التشبه بالرأسماليين ولم يفلح، فلا يزال هناك من يستورد قطع غيار مرسيدس موديل (سنتها) ليستخدمها في تصليح (طمبر: أو عربة كانت تجرها البغال). والنتيجة كما نراها!

ويبدو أننا بحاجة ماسة للالتزام بالمقولة التي تنص على (أن الفلاسفة لا يخرجون من الأرض كما تخرج النباتات الفطرية. وإنما هم ثمار عصرهم وشعبهم، وهم العصارة الأرفع شأناً، والأثمن، والأبعد عن أن تُرى، والمعبرة عن نفسها بالأفكار الفلسفية. وأن الروح الذي يبني الأنظمة الفلسفية بعقول الفلاسفة، هو نفسه الروح الذي يبني السكك الحديدية بأيدي العمال. فليست الفلسفة خارجة عن العالم، كما أن الدماغ ليس خارجاً عن الإنسان).*1

هل للديمقراطية دور في إنشاء اقتصاد قوي؟


ما أن تهاوت الأنظمة الاستبدادية في الشرق والجنوب، وخرجت الولايات المتحدة منتصرة في الحرب الباردة على الاتحاد السوفييتي، الذي من بعد أن فقد إمبراطوريته وحزبه الجبار وتقدمه التقني، آل الى التلاشي؛ فنحن [الحديث لمؤلف الكتاب المُشار إليه] نعتقد أن الديمقراطية حققت الفوز وأنها تفرض نفسها اليوم على أنها الشكل الطبيعي للتنظيم السياسي، واقتصاد السوق تعبيرها الاقتصادي، والعلمنة تعبيرها الثقافي. غير أن هذه الفكرة، مهما تكن مطمئنة للغربيين، فهي على درجة من الخفة يجب أن تثير قلقهم.*2

يتساءل الكثير من السياسيين: لقد سرنا على نهج الدول الديمقراطية فمارسنا الانتخابات في الجزائر وفلسطين ومصر، ومُنعنا من التمتع بنتائجها! فلماذا؟ ويعتكف عشرات من المفكرين العرب ليضعوا مشروعاً ديمقراطياً تحت عنوان: لماذا انتقل الآخرون الى الديمقراطية وتأخر العرب؟*3


يخطئ كثيرون من المفكرين والمثقفين العرب، عندما يقرروا أن مشاكلنا الاقتصادية آتية من سوء الأوضاع السياسية، كان عليهم أن يؤمنوا بأن مشاكلنا السياسية وتردي الأحوال فيها آتية من تردي الأوضاع الاقتصادية، والدليل على ذلك هو أن الجماهير التي خرجت في تونس ومصر وليبيا وسوريا وغيرها من البلدان العربية، لم تخرج كلها إلا لأوضاع اقتصادية سيئة.

لم يكن هذا الاستنتاج، هو حصيلة أحداث سياسية راهنة، بل هو مَظهر رافق نشوء الدولة الإسلامية أو كان قد سبقها. فقبل الإسلام كانت الأحوال الاقتصادية تؤثر في مجالات كثيرة أهمها الاجتماعية والسياسية. فيرد في القرآن الكريم ذِكر وأد البنات، وذِكر قتل الأولاد من أو خشية (إملاق).*3. والإملاق هو الفقر الشديد، وعندما يحل في منطقة، ترافقه مظاهر السرقة وقطع الطرق والغارات والبغاء والدعارة ومختلف أنواع الفساد والفجور، وقد ذكر العلامة جواد علي في مفصله المشهور (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام)، ظاهرة غريبة وهي الانتحار الجماعي للأسر، حيث كانت الأسرة تغلق الباب على نفسها وتبقى جالسة حتى تموت، لكي لا تضطر الى ما يشوه شرفها كالتسول والبغاء وغيره، وكانت تلك الظاهرة تسمى (الاعتفاد: بالفاء وليس بالقاف).

ومن يبحث في أسباب انهيار الدول الإسلامية (الأمويين مثلاً)، يرى أن السبب الأول كان اقتصادياً. فكان الأمويون يدّعون أن السواد (أرض العراق) هو بستان لقريش*4، وكذلك فعلوا في خراسان حتى ثار عليهم الآخرون متمترسين وراء العباسيين*5


الفساد مظهر من مظاهر الاقتصاد الفاشل

تتفاوت الدول العربية في انتشار الفساد فيها، ومن حيث النزاهة(عكس الفساد) فتحتل قطر المرتبة الأولى عربياً، والمرتبة (22) عالمياً، وتحتل الإمارات (2) عربياً، و (30) عالمياً، وعُمان (3 عربياً و 39 عالمياً)، والبحرين (4 عربياً و 46 عالمياً)، والأردن (5 عربياً و 49 عالمياً)؛ والسعودية (6 عربياً، و63 عالمياً)؛ والجزائر ومصر وجيبوتي (10 عربياً، و 111 عالميا)، وسوريا (11 عربيا و 126 عالمياً) والعراق ( قبل الأخير عربياً و179 قبل الأخير عالميا).

أما لمن سيسأل من أكثر بلدان العالم نزاهةً؟ فهي حسب الترتيب: 1 نيوزلندا و2 الدنمرك و 3 سنغافورة والسويد و4 سويسرا ثم هولندا وأستراليا وكندا وأيسلندا وفنلندا والنرويج، وتحتل ألمانيا مرتبة14 الولايات المتحدة مرتبة 19.*6

سقوف الرواتب مثالاً للاقتصاد المهزوز

لنأخذ مصر، التي تراقبها عيون العرب، لكي تكون مثالاً يُحتذى به. في مصر 5.5 مليون موظف رسمي، و 560 ألف موظف أو مستخدم مؤقت. تدفع الدولة لهؤلاء 182 مليار جنيه مصري سنوياً (26 مليار دولار). منهم عشرون ألف موظف يتقاضون (64 مليار جنيه حوالي 9 مليار دولار) بمعدل (221 ألف جنيه مصري: 31 ألف دولار شهرياً)، وهناك من المعلمين من يتقاضى 120 جنيه شهرياً (18 دولار تقريبا)، ومن العمال المؤقتين من يتقاضى نحو 43 جنيه شهرياً (7 دولارات).*7

خاتمة

لا يحق لحزب أو فصيل سياسي أو حتى الجيش أن يزعم أنه يستطيع النهوض بأي بلد عربي وحده دون التعاون مع كافة الفصائل والمفكرين والجامعات، وإلا فإن التجريب والتقليد سيتبعه الفشل، فلا النموذج التركي يناسبنا ولا النموذج الصيني يناسبنا ولا النموذج العباسي، إن ما يناسبنا هو نموذج عربي يشارك الجميع في كتابته، حتى من هم في الحكم، ثم يُطرح أمام الشعب بتبسيط ليتعرف عليه ويناقشه ويبدي رأيه فيه.. ولا نتفاءل كثيراً من التحركات العربية الشعبية فهي تحتاج عدة عقود لنلحق بالعالم.


هوامش
*1ـ من مقالة كتبها ماركس في العدد 195 من جريدة (رينيه) 14/7/1842.
*2ـ آلان تورين/ ما الديمقراطية: دراسة فلسفية/ ترجمة: عبود كاسوحة/ دمشق: وزارة الثقافة 2000 صفحة 11.
*3ـ مشروع فكري ديمقراطي بدأ في أول التسعينات من القرن الماضي، وشارك فيه مجموعة كبيرة من المفكرين العرب صدر عنه حوالي عشرين كتاباً تجيب على معظم الأسئلة، وكانت تتنبأ بالانتفاضات العربية ومآلها. [نشر وتوزيع مركز دراسات الوحدة العربية].
*4ـ تاريخ الطبري، الجزء الأول طبعة ليدن 1879، صفحة 915.
*5ـ حسين مروة/النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية/ بيروت: دار الفارابي 1979 الجزء الثاني صفحة 154 وما بعدها.
*6ـ مجلة المستقبل العربي/مركز دراسات الوحدة العربية (عدد شهر شباط/فبراير 2010). عن: Transparency International, Corruption Perceptions Index (CPI) 2009
*7ـ صلاح جودة: خبير اقتصادي في لقاء مع قناة المحور أكتوبر 2013
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس