عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 14-08-2008, 01:22 AM   #29
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

سؤال الموقف.. سؤال الضمير

علاقتي بالأخ أبو عمار لم يمسها أي سوء ؟ ليس خلافاً شخصياً, لنل قدمت مرافعتي في نقد أوسلو, ولكي أكون دقيقاً مع المشاهدين, بعد كل النقد الذي قدمته, قلت إنني لا أستطيع أن اقبل هذا الاتفاق, كما لا أستطيع أن ارفضه, لان ضميري لا يتحمل صواب الإجابة أو صواب تقديم إجابة نهائياً, حول هذه المخاطرة سميت هذا الاتفاق مخاطره تاريخية, لذلك بعد أن اقر هذا الاتفاق من المؤسسات الرسمية, اصبح هناك واقع, دعوات إلى التعامل مع المجتمع الفلسطيني, بغض النظر عن هذا الاتفاق, لأننا لا نستطيع أن نبقى بعيدين عما يجري هناك مكتفين براحة ضمير, نقول أننا لا نوافق على ذلك, هناك شيء موضعي يجري, هناك شيء جديد يجري, هناك مجتمع رحب بوعد انتهاء الاحتلال وهناك فرح عام شاهدناه جميعاً على شاشات التلفزيون على الأقل, وقد قلت في إحدى مقابلاتي إنني أتفهم فرح الفلسطيني عندما يرى الاحتلال يخرج من غرفة نومه, ولكن الاحتلال ما زال في الصالون, ومازال يحاصر الحديقة, وما زال يحمل مفتاح الباب, هذا هو الفرح فرح إنساني ومشروع, واصبح الناس يشعرون بآمن وأمان اكثر, ولكن على مستوى المشروع الوطني الكبير,

هناك أسئلة جديدة تطرح علينا ومأزق حقيقي لا يهدد. فقط الوضع الفلسطيني, بل يهدد الوضع الإسرائيلي نفسه, هناك الصراع الإسرائيلي الداخلي أيضا حول هذه المسألة, يجب أن يعنينا, ويجب أن نصغي إليه جيداً.

سؤال الوعي.. سؤال التطبيع

سؤال التطبيع سؤال دارج وشائع وشائك, يؤرقنا جميعا, ولست وحدك من تساوره شكوك الإجابة, وأيضا تساوره شكوك الخروج من وعي العدو وتحويله إلى خصم, أو وعي التعايش مع هذا العدو, ومن حق قانا أن تصعب عليك السؤال وتصعب علينا جميعاً هذا السؤال, أنت تعرف أن قانا قد آثارها السياسي نسبياً لأنها أسقطت من العرض الإسرائيلي أبطاله, فيما يتعلق بالتطبيع, أنا أريد أن تميز بين ثلاثة مفاهيم في هذا الموضوع, هناك أولا المعرفة, معرفة الآخر هي مسألة ثقافية, ولا نستطيع أن ننجو منها, ونحن في حاجة إليها, نحن في حاجة إلى معرفة الآخر, ليس فقط لنطور معرفتنا بالذات, كما يقول السؤال الفلسفي, ولكي نعرف كيف نصالح الآخر, أو كيف نكافح الآخر, يعني سواء كان خيارنا سلمياً, أو خياراً صراعياً علينا أن نعرف أننا لا نقاتل أشباحا ولا نصالح أشباحا, فهذه مسألة ثقافية, لا اعتقد أن هناك جدلاً فكرياً بشأنها.

المفهوم الساخر هو الحوار, الحوار برأيي هو شأن شخصي, اعتبره خياراً شخصياً, من حق أي كاتب فينا, أن يصافح أو لا يصافح كاتباً إسرائيليا آخر على المستوى الشخصي, أنا من الأشخاص الذين لا يجدون صعوبة على المستوى الشخصي في رفض الكلام مع كاتب إسرائيلي, وذلك لأمور تتعلق بتربيتي وبنشأتي, ذلك لأنني كنت أعيش في هذا المجتمع ولي صداقات مع هذا المجتمع, فأنا لا أستطيع أن اعتبر الحوار مع كاتب إسرائيلي هو موافقة على سياسة إسرائيلية, خاصة أن علينا أن نميز بين مواقف الكتاب الإسرائيليين, وانهم ليسوا شيئا واحدا هناك, كتاب كتبوا عن الانتفاضة افضل مما كتب الفلسطينيون, ديفيد غروسمان على سبيل المثال هو الذي تعرض للانتفاض الحقيقية في كتاب الزمن الصفر,

ولم يكتب الفلسطينيون مثل هذا الكتاب, إذن موضوع الحوار مع كاتب هو مسألة فردية ويجب أن تبقى في النطاق الفردي, ويجب ألا نحولها إلى مطلب عام, لان الحوار بين الكتابالإسرائيليين والعرب أو الفلسطينيين, حتى يصبح مطلباً صالحاً للطرح يحتاج إلى ظروف أخرى, والى تحديد أهداف محددة, وليس من اجل أن نقول أننا انسانيون وأننا منفتحون وإننا متسامحون. وفيما يتعلق بمؤتمر كوبنهاجن, أنا لا اعتبر اتفاق كوبنهاجن أحد أشكال الحوار بين المثقفين العرب والإسرائيليين, لأنه لم يكن حوار مثقفين, كان اجتماعا حضره بعض رجال الأعمال, وبعض العسكريين السابقين وبعض المثقفين, وأنا رأيي إن الضجة التي أثيرت حوله, مبالغ بها, ولم تم تجاهلها أنسيت, وأنا أريد أن أقول لك شيئاً آخر وهو أن الصحافة الإسرائيلية لم تذكر اللقاء, وكأنه لا علم لها به.

ولكنني أريد أن أعود إلى موضوع الحوار, فأقول أن أي حوار يخص أفراد ولا يتحول إلى مطلب عام, وعلينا أيضا أن نميز بين الظروف الخاصة للفلسطينيين الذين يعيشون على ارض واحدة مع الإسرائيليين, في علاقة صراع وليس في علاقة تطبيع العلاقة بين المجتمع الفلسطيني والإسرائيليين هي علاقة صراع, وعلى المثقفين الإسرائيليين أن يعبروا إن أرادوا الحوار عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني, وان يطوروا في الوعي الإسرائيلي فكرة انه لن يكون مجتمعاً حراماً ما دام يحتل مجتمعا أخر.

أما فيما يتعلق بالتطبيع فأنا جوابي لا يحتاج إلى أي ديباجة ولا يحتاج إلى تعقيد أقول بكل صراحة, لا يمكن إقامة علاقات طبيعية بين مجتمع خاضع للاحتلال, وبين مجتمع محتل والتطبيع الموجود ليس تطبيعاً ثقافياً.

التطبيع الثقافي مصطلح غامض وملتبس, وليس في وسع أحد أن يجر الثقافة إلى إقامة علاقة مع ثقافة أخرى غير سائدة, إلا بمدى حاجتهم للثقافة إلى أن تجد نفسها في ثقافة أخرى, فأذن الحوار الذي يجري البحث عنه ليس حواراً حول الثقافة, انه حوار وتطبيع سياسي موجود وملموس, وهناك اكثر من بلد عربي يقيم علاقات اقتصادية مع إسرائيل, اعتقد أن مقاطعة التطبيع والدعوة إلى مقاطعة التطبيع مع إسرائيل, أحد شروط إرغام إسرائيل على أن تفهم السلام بشكل صحيح لذلك لقول بصوت عال, أنا ضد التطبيع ما دامت أسباب المقاطعة موجودة, وما دامت إسرائيل تحتل ارض لبنان وارض سوريا وارض فلسطين, إذن أنا أميز بين المعرفة والحوار والتطبيع, موقف التطبيع موقف صارم وواضح, أقول أن الكلام عن التطبيع الثقافي هو هروب من بعض المثقفين العرب, ولكن لا شك أن التطبيع الحقيقي الموجود هو تطبيع سياسي اقتصادي, لان التطبيع على هذا المستوى غير مفهوم, وغير موجود, و أوشك أن يكون الإسرائيليون معنيين بالتطبيع الثقافي أو يسألون عنه, هم يريدون أن يبقوا غرباً في الشرق الأوسط, ولا يريدون أن ينفتحوا على ثقافة الشرق الأوسط, لو ذهب العرب إلى السلام بمشروع عربي وبتخطيط واحد وبسياسة واحدة, لكان التطبيع يشكل خوفاً على الإسرائيليين, لان الإسرائيليين لا يريدون أن يندمجوا أو أن يندرجوا في ثقافة المنطقة وهي ثقافة عربية, انهم يصرون أن يحتفظوا بمركز قوتهم, أي انهم غرب في الشرق.

سؤال الصراع.. سؤال القدس

لا قلب لفلسطين دون القدس, القدس لها عدة أبعاد, أبعاد سماوية, و أبعاد أرضية و أبعاد حضارية و أبعاد فكرية و أبعاد ثقافية و أبعاد واقعية, اخطر مما تتعرض له القدس الآن على مستوى التعاطي الرسمي العربي معها, لأنها قد تتحول إلى موضوع ديني, فإذا حددنا بان الصراع حول القدس بأنه صراع ديني, فان الحل لهذا الصراع يصبح سهلاً جداً, حيث أعطي المسيحيون والمسلمون إمكانية الصلوات في كنيسة القيامة وفي المسجد الأقصى, وتبقى القدس تحت السيادة الإسرائيلية.

لذلك يجب التخلي عن إنزال السماء إلى الأرض قليلاً, وإبقاء الأنبياء في أماكنهم لأنه يجب ألا يزيد الصراع بين الأنبياء كي لا يوقعنا في صراع لاهوتي.

يجب أن تكون المدينة مدينة تعدد وتسامح وسلام حقيقي, القدس في المشروع الإسرائيلي هناك إجماع عليها, وهذا هو ما يجعل المسألة السياسية صعبة من الإسرائيليين, فلا خلاف بين التيارات السياسية الإسرائيلية حول مدينة القدس, فكلهم يجمعون على إنها يجب أن تظل عاصمة إسرائيل إلى الأبد, طبعاً التعامل مع مصطلح إلى " الأبد " هو عبارة عن محاولة للخروج من التاريخ, أو إخضاع التاريخ والزمن للإرادة الإسرائيلية.

القدس إحدى القضايا الشائكة جداً, ويجب التخلي عن التعاطي معها حسب المعطيات السابقة, فهذه المدينة فيها شعب وليس فيها أنبياء, فيها شعب ومجتمع, وهو شعب يهجر ويتعرض لمضايقات ويتحول وجوده إلى غيتو محاصر, وتتوسع القدس إسرائيليا بحيث يصبح حلها صعباً.

معركة القدس معركة لا تعني الفلسطينيين فقط, بل تعني الآمة العربية وتعني المسلمين وتعني المسيحيين, هذا هو الجانب الديني الذي يجب أن يستفز حيث انه يجب ألا يسمح لإسرائيل باحتكار الأرض ولا باحتكار التاريخ ولا باحتكار الله أيضا, فالله للجميع, التوراة تراث إنساني, وليست لدينا مشكله معها, المعركة هي حول مشروع سياسي إسرائيلي يريد أن يستخدم سلاح الخرافة وسلاح الدين وسلاح القوة معاً.

لا فلسطين بلا القدس, ولا القدس بلا سلام ولا ضمير حقيقياً إنسانيا إذا بقي هذا الضمير متفرجا على موضوع الاستيلاء والهيمنة والسيطرة الإسرائيلية على القدس.

جريدة الدستور الأردنية

الجمعة 23 أيار 1997
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس