عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 24-03-2021, 07:18 AM   #2
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,966
إفتراضي

... قلت : رغم أن هذا الحلف تتوفر فيه عناصر الحكم والتحاكم من فض للنزاعات بين الظالم والمظلوم ، وأن القائمين على هذه المهمة هم من أكابر المشركين ، فإن النبي (ص)قد أثنى عليه خيرا ، وما أحب أن ينقضه ولو بحمر النعم ، لقيامه على معنى صحيح لا يتعارض مع الشرع ، وهو إنصاف المظلوم من الظالم .... وبالتالي لايجوز لأحد ـ إلا إذا آثر الكفر على الإيمان ـ أن يقول أن النبي (ص)قد أقر التحاكم إلى الطاغوت ؛ لأن القائمين على حلف المطيبين كانوا من الكفار المشركين .... كما لا يجوز أن يعتبره من الأحكام المنسوخة لعدم اكتمال الدين وقتئذ ؛ لأن القضية ـ على زعم القوم ـ إذا كانت من التوحيد ومن لوازمه وشروطه ، فهذا مكتمل ومعلوم من أول يوم نزلت " لا إله إلا الله " على محمد (ص).... وعليه ليس كل فض نزاع بين طرفين ـ وإن سمي تحاكما لغة ـ يجوز أن يعتبر من التحاكم إلى الطاغوت المناقض للتوحيد والذي يكفر صاحبه ... لذا نقول : لا يجوز لأحد أن يشير إلى مسلم ـ في حال غياب المحكمة أو الجهة الإسلامية القادرة على إنصافه من ظالمه واسترداد حقه ـ يسترد حقه المغصوب عن طريق الكفار ، أن يصفه بالكفر لأنه أراد التحاكم إلى الطاغوت ، كما يفعل ذلك بعض الجهلة الملوثين بالغلو في هذا الزمان ..
... يقول صاحب كتاب [ ضوابط التكفير : 174] : ولا يلزم من هذا أن كل من تحاكم إلى المحاكم التي تحكم بالقوانين الوضعية لا بد أن يكون كافرأ ، بل قد يضطر المسلم لتخليص حقوقه ونحو ذلك إلى التحاكم إليها مع عدم رضاه عنها ، فلا يكون كافرا بل يكون حكمه حكم المضطر . .
... هذا من وجه ، ومن وجه آخر فقد تضافرت أدلة الشريعة التي تلزم المسلم باختيار أهون الشرين عند إلزامه بأمرين كلاهما شر ، وهذا يتكرر بكثرة في زماننا بسبب غياب دولة الإسلام ، وغياب المحاكم الشرعية التي تحكم المسلمين بالإسلام ، ومثل هذا ـ لاختياره الشر الذي هو أهون الشرين ـ لا يجوز أن يوصف بأنه راض بحكم الطاغوت ، لأنه اختار ما ليس في دين الله ...."

قطعا المسلم المظلوم المضطر للتحاكم إلى الكفار لنيل حقه ليس كافرا لأنه لا يجد حكم الله فى مكان ما فى العالم وبعض من احكام الكفر موافق للإسلام
ثم بين ضوابط التحاكم فقال :
" ولضبط المسألة فإننا نلخص ما تقدم في النقاط التالية :
... 1ـ لا يجوز لمسلم أن يتحاكم إلى الحاكم الكافر عند وجود الحاكم المسلم الذي يستطيع أن يرد له حقه وينصفه من ظالمه .
... 2ـ لا يجوز للمسلم أن يتحاكم إلى الحاكم الكافر فيما يضاهي ويضاد شرع الله إلا وهو مكره ، ولحكم الطاغوت كاره مبغض ، وغير راض به
... 3ـ إذا اغتصب حق المسلم ولم يجد وسيلة لإعادة حقه إلا الحاكم الكافر ، له أن يحصل على حقه عن طريقه . .

... 4ـ نرى من العزيمة والأفضل أن يضحي المسلم ـ وبخاصة إن كان من الخواص والأعلام ـ بحقه إن كان محتملا ، ولا يمتثل أمام الحاكم الكافر ، وهذا أمر نستحسنه ولا نلزم به مجموع الأمة ، للضرر العام المترتب على ذلك ، والمسألة مرتبطة بنوع وحجم الحق المغتصب ، فلا يعقل أن يقال لمن خطف له ولده لا يجوز لك أن تشتكي إلى الشرطي الكافر ـ أو الحاكم الكافر فلا فرق ـ ليسترد إليك ولدك من خاطفيه لأن هذا نوع من التحاكم إلى الطاغوت"
وما قاله هنا كلام صحيح ثم بين المسألة موضوع الكتاب فقال:
"... ثالثا : لكي ندرك هل الاستئناف في طلب اللجوء من التحاكم المكفر أم لا ، لا بد من أن نقف على صفة التحاكم إلى الطاغوت الذي يكفر صاحبه ، وصفة الاستئناف في طلب اللجوء لنرى هل يحمل هذا على ذاك ، وإليك ذلك .
... قال تعالى : ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا . وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ) .
... قال ابن جرير الطبري : يعني بذلك جل ثناؤه ( ألم تر ) يا محمد بقلبك فتعلم إلى الذين يزعمون أنهم صدقوا بما أنزل إليك من الكتاب ، وإلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل من قبلك من الكتب ، يريدون أن يتحاكموا في خصومتهم إلى الطاغوت ، يعني إلى من يعظمونه ، ويصدرون عن قوله ، ويرضون بحكمه من دون حكم الله ، ( وقد أمروا أن يكفروا به ) يقول : وقد أمرهم الله أن يكذبوا بما جاءهم به الطاغوت الذي يتحاكمون إليه ، فتركوا أمر الله واتبعوا أمر الشيطان ، ( ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا ) يعني أن الشيطان يريد أن يصد هؤلاء المتحاكمين إلى الطاغوت عن سبيل الحق والهدى ، فيضلهم عنها ضلالا بعيدا .... وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في رجل من المنافقين دعا رجلا من اليهود في خصومة كانت بينهما إلى بعض الكهان ، ليحكم بينهم ورسول الله (ص)بين أظهرهم وقيل أن الكاهن هو أبو بردة الكاهن الأسلمي ، وقيل أن المراد بالطاغوت في هذا الموضع هو اليهودي كعب بن الأشرف . وقد أسند ابن جرير الآثار التي تدل على ذلك فانظرها.
... ثم قال رحمه الله في تفسير قوله تعالى : ( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله ) يعني بذلك ( وإذا قيل لهم تعالوا ) هلموا إلى حكم الله الذي أنزله في كتابه ، وإلى الرسول ليحكم بيننا ، ( رأيت المنافقين يصدون عنك ) يعني بذلك : يمتنعون من المصير إليك لتحكم بينهم ، ويمنعون من المصير إليك كذلك غيرهم . انتهى .
... وقال ابن كثير في التفسير : هذا إنكار من الله عز وجل على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله ، كما ذكر في سبب نزول هذه الآية أنها في رجل من الأنصار ، ورجل من اليهود تخاصما فجعل اليهودي يقول بيني وبينك محمد ، وذاك يقول بيني وبينك كعب بن الأشرف . وقيل في جماعة من المنافقين ممن أظهروا الإسلام أرادوا أن يتحاكموا إلى حكام الجاهلية . وقيل غير ذلك ، والآية أعم من ذلك كله فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة ، وتحاكموا إلى ماسواهما من الباطل وهو المراد بالطاغوت هنا . وقوله : ( ويصدون عنك صدودا ) أي يعرضون عنك إعراضا كالمستكبرين عن ذلك . "

مما سبق نجد أن أسباب النزول متضاربة ومتناقضة والمفهوم من الآية أنهم من أهل الكتاب الذين أعلنوا إسلامهم لإبمانهم بالمنزل هلى النبى(ص) والمنزل عليهم وأنهم ارادوا التحاكم إلى دين كافر على يد كافر
ثم قارن حليمة بين المتحاكم للطاغوت وبين مستأنف طلب اللجوء السياسى لبلاد الكفر فقال:
"وعليه فإننا نقول : من أعرض وصد عن حكم الله ورسوله ، وعدل أو آثر وقدم ـ حرا مختارا ـ حكم الطاغوت على حكم الله ورسوله ، وأراد أن يتحاكم إليه من دون الله ورسوله مع تيسر المحاكم الإسلامية التي تحكم له بحكم الله ورسوله ، فهذا نقول فيه : أنه أراد أن يتحاكم إلى الطاغوت ، وهو كافر بتحاكمه ذلك ، وعليه وعلى أمثاله نحمل الآية الكريمة ، وأقوال أهل العلم المتقدم ذكرها ... والآن فلننظر إلى المستأنف في طلب اللجوء ، ونجري مقارنة بينه وبين المتحاكم إلى الطاغوت المراد في الآية الكريمة، والتي نص أهل العلم على كفره، ثم نرى هل يحمل عليه وصف
وحكم المتحاكم إلى الطاغوت أم لا ؟
... 1ـ المستأنف في طلب اللجوء يستأنف وهو مكره مضطر إذ لا سبيل له غير ذلك ، بينما المتحاكم إلى الطاغوت يحتكم إلى الطاغوت حرا مختارا وعن رضى وإرادة ..
... 2ـ المستأنف إذ يستأنف فهو ليؤكد للطرف الآخر أنه ممن لهم الحق في طلب الأمان ، وهذا أمر لا يتعارض مع دين الله وحكمه في شيء ، وهو مما كان يمارسه ـ أي طلب الأمان والجوار من الكفار والمشركين ـ الصحابة والمسلمون الأوائل عند توفر دواعيه وأسبابه ، بينما المتحاكم إلى الطاغوت يتحاكم في أمور تضاهي وتعارض حكم الله ورسوله ..
... 3ـ المستأنف في حقيقته هو طرف واحد ، إذ لا يوجد نزاع حقيقي بينه وبين أي طرف آخر ، بينما المتحاكم إلى الطاغوت كما هو ظاهر في نزاع وخصام مع طرف آخر ..
... 4ـ المتحاكم إلى الطاغوت يختار حرا غير مكره حكم الطاغوت ويقدمه ويؤثره على حكم الله ورسوله ، وهذا الوصف كما هوظاهر لا يجرى على المستأنف في طلب اللجوء ..
... 5ـ المتحاكم إلى الطاغوت يؤثر حكم الطاغوت ومحاكمه ، مع تيسر نزوله على حكم الله ورسوله ووجود المحاكم الشرعية التي تحكم له بحكم الله ورسوله ، وهذا الوصف لا يجرى على المستأنف لأنه في قضيته ليس له وجهة سوى الجهة التي يطلب عندها اللجوء ..

... 6ـ المتحاكم إلى الطاغوت يتصف بالصد والإعراض عن حكم الله ورسوله ، وأين المستأنف وحاله من هذا الوصف .... فإذا تبين أن أيا من أوصاف المتحاكم إلى الطاغوت لا تحمل على المستأنف في طلب اللجوء ، جزمنا أنه لا يصح ولا يجوز أن يحمل حكم المتحاكم إلى الطاغوت على المستأنف لطلب اللجوء .."
وما قاله حليمة هو تحليل صحبح خلاصته أن المتحاكم للطاغوت فى الاية حر أمامه الحاكم المسلم وذهب للكفار طوعا دون إكره بينما مستأنف طلب اللجوء مكره على ذلك حماية لدينه ونفسه
ثم بين حليمة أن هناك قوانين فى دول الكفر لا تتعارض مع الإسلام فقال:
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس